العمران.. ليتنا نقتفي منك نهجاً
 تاريخ النشر : الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٢
بقلم: وجدان فهد
«علموهم في المدارس، علموهم فوق ظهور السفن، علموهم حيث تيّسر ذلك، ولا تتركوهم عرضة للجهل والامية والضياع» هكذا كان يقول أحمد العمران نابغة البحرين ومربي الاجيال، ورائد الحركة التعليمية في الخليج من ثلاثينيات إلى سبعينيات القرن الماضي.
في عهده تضاعفت اعداد المدارس وعدد المدرسين العرب وتأهيل المعلمين البحرينيين، كما تم تطوير المناهج وانُشِئت أول مكتبة عامة عام ١٩٤٦، وسعى العمران إلى الحاق البحرين بمنظمة اليونسكو في سنة ١٩٦٨، كما وسن تقليد حفل عيد العلم السنوي.
ورجل بقامة قرن من العطاء ورحلة حياة من ١٩٠٩الى ٢٠٠٧، سطّر بنبوغه سجلاً حافلا من الانجازات التعليمية منذ أن ولّي مهمة الاشراف على مدرسة الهداية الخليفية وهو لايزال في الثانية عشرة من عمره، وتقلد عدة مناصب إلى أن عيّن وزيرا للتربية والتعليم ثم مستشارا للراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وعضوا فاعلا في اللجان الوطنية ومذيعا في اذاعة البحرين. مع كل هذه السيرة الحافلة.. اين نحن عن تخليد ذكرى هذا الرجل.. هل يكفي فقط تسمية مدرسة وشارع باسمه؟!
انا شخصيا لم اكن اعرف عنه شيئا سوى اسمه، إلا عندما وقع بين يداي كتّيبا موجزا عن سيرته، فرُحت اتصفحه واتخيّل عظمة هذا الرجل وتفانيه في خدمة بلاده في ظروف كانت صعبة، حيث قلة الموارد المالية والبشرية ومع ذلك استطاع أن يحول البحرين منارة للعلم، ويرسل المعلمين البحرينيين ليساهموا في نهضة بلدان مجاورة ويدّرسوا هناك.
كان الرجل سابقا لعصره ففي الوقت الحالي الذي تدشن فيه المملكة مبادرات تطوير التعليم بينها كلية المعلمين والبوليتكنك، كان العمران اول من سارع إلى افتتاح المعهد العالي للمعلمين سنة ١٩٦٦، وبعده بسنة معهد آخر للمعلمات، كما افُتِتحت في عهده كلية الخليج الصناعية!.
ورغم حزني الشديد على رحيل جيل من القادة المسؤولين الذين اعطوا ولم يبخلوا على بلدهم البحرين ولم ينتظروا الجزاء، فإنني اجد الخير باقيا في ابنائهم ومن اقتدى بنهجهم، وكم فرحت بمبادرة ابناء الراحل احمد العمران في تخصيصهم جائزة سنوية تمنح لأول طالب ينجح ويحقق اعلى معدل على مستوى الثانوية العامة، هذه الجائزة حقا ستسهم ولو بشكل بسيط في تخليد اسم العمران، إذ يحدثني نجله الدكتور ظافر العمران بكل عفوية كيف أن والده اوصاهم بأن يكرموا طلبة العلم ويخصصوا جزءا من تركته إلى هذا العمل الخيري الجليل.
والحديث عن العمران وسيرته، يدعو إلى التفكّر والتأمل في قضايانا التعليمية اليوم، فأين نحن من تخطيط ذاك الرجل الذي كثّف البعثات للجامعة الامريكية في بيروت ليدرسوا الآداب والعلوم، بينما نجد الطلبة اليوم يبعثون إلى القاهرة ليدرسوا الموسيقى، والنجارة والاثاث، والانسجة والملابس؟!
أين نحن منه وهو يجوب بنفسه لبنان وسوريا والاردن ليشرف على اختيار المعلمين ويستقطبهم للبحرين، بينما في وقتنا الحالي تعاني فيه المدارس سنويا من نقص بالكوادر في الهيئات الادارية والتعليمية، وتسد من الخارج سدّا مؤقتا!
أين نحن منه وهو يشجع الطلبة على التنافس في التحصيل العلمي من دون الاغفال عن تشجيعهم على النشاط الادبي والثقافي، فانتشرت في عهده النوادي الأدبية واول مكتبة متنقلة تجوب القرى والمدن، اما اليوم فلا نسمع عن انشطة مسرحية ولا مسابقات شعرية وادبية اوصلت ابداعات طالب بحريني للمجتمع، كل ما نسمعه ونشاهده مهرجان «البحرين اولا» وهو مهرجان اعتز به ولكني لا اجد فيه ابرازا لكل ابداعات ومواهب طلبة البحرين.
إن التعليم بحاجة إلى وقفة مراجعة ليستمر في ريادته وإسهاماته في تطوير المجتمع، يجب اعادة النظر في البعثات التي تقدم للطلبة من جهة الحكومة، ويجب تشجيع رجال الاعمال والميسورين في مشاريع تمويل المنح الدراسية للطلبة الذين يرغبون في اكمال تعليمهم العالي في الخارج، فلا يكفي ان يكون هناك رجل اعمال واحد فقط يبتعث الطلبة سنويا إلى فرنسا، ولا يكفي ان تكون هناك شركة بابكو فقط تقدم البعثات لأبناء الموظفين من باب الاولوية.
ان الاوطان لا تبنى من جهل وفراغ وبلاهة، بل على علم ونور وحصافة، وبحريننا نريدها دائما بلد العلم والريادة. فليتكم تقتفون بالعمران نهجا.
.