الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٥ - الخميس ٢٨ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٨ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


أزمة غرفة أم تأزيم للاقتصاد؟





منذ أشهر عدة وغرفة تجارة وصناعة البحرين تواجه أزمة لا تهدد الغرفة ككيان مؤسسي فحسب بل تهدد دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية في المملكة، وقد ظهر للعيان ان الأزمة عميقة وليست طارئة او وقتية، وكبيرة وليست صغيرة الحجم كما اعتقد البعض في بادئ الامر، ومتشابكة وليست وليدة قرارات مهنية، وذات آثار يراد لها الامتداد والتوسع بمرور الزمن وليست ضئيلة التأثير كما يرى قصيرو النظر. وعليه فإن إدارة الأزمة في الغرفة لم تتمكن من استيعابها وتجاوز تداعياتها على الرغم من الجهود والمرونة التي أبداها رئيس مجلس إدارة الغرفة وقسم من أعضاء مجلس الادارة والرئيس التنفيذي، حتى جاء لقاء صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء مع اعضاء مجلس الادارة وتوجيهاته الرشيدة اليهم ليضع الامور في نصابها الصحيح، فماذا يعني ذلك؟ وما موقعه في مسار البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمملكتنا الحبيبة؟

بدءا لابد من الاشارة الى ان الازمة تعني «تتابـع أحداث أو قرارات معينة تهدد أهـداف ونشاطات المنشأة أو كيانها المؤسسي مترافقا مع غياب الوضوح أو عدم التأكد فيـما يـحدث لاحقا. أو هي ظرف معين يواجه متخذي القرار الإداري، بحيث يدركون من خلالها أن هناك خطرا يهدد كيان المنشأة اواهدافها «وهذا ما حصل فعلا مع الغرفة حيث تتابعت الاحداث من النقد لمواقف الغرفة ، الى التشكيك بالقرارات الوطنية لمجلس ادارتها على حيثيات اجتماع الهيئة العامة الى الاتهامات الصريحة الى رئيسها التنفيذي، الى عقد اجتماع جديد عاصف للهيئة العامة يبطل قرارات الاجتماع الذي سبقه ويضع مجلس الإدارة امام واقع جديد ويشكل لجنة للتحقيق مع الادارة التنفيذية للغرفة. وطوال تلك المدة كانت الغرفة منشغلة بالواقع الجديد وادارتها التنفيذية في خط دفاعي، على الرغم من ثقتها بنفسها الناجمة عن التزامها بنظام وسياسات الغرفة. وكان المحرضون للازمة واللاعبون من خلف الكواليس بمساراتها غير عابئين بتبعات الازمة على الغرفة كمؤسسة ريادية لها دورها وتاريخها الوطني الحافل بالمنجزات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن تأثيرها والأضرار الناجمة عنها على القطاع الخاص وموقعه القيادي في الاقتصاد والمجتمع البحريني، وصولا الى تأزيم الاقتصاد الوطني بأكمله، وهي حلقة في سلسلة متناغمة من التأزيم المخطط والمستهدف، تأزيم امني، تأزيم سياسي؟ تأزيم اقتصادي، وصولا الى التأزيم المجتمعي ومن ثم الانقضاض على استقلال وسيادة ووحدة البحرين، بالتناغم والتعاون وتبادل الادوار والمهام بين اطراف الازمة الداخلية والقوى الخارجية دولا ومنظمات تحقيقا «لمتطلبات سياسة الفوضى الخلاقة» وهي السياسة التي اعلنتها الولايات المتحدة الامريكية بعد احتلال العراق. والتي تسوّق الى وطننا العربي تحت شعارات براقة، باسم الديمقراطية وحقوق الانسان تارة، وباسم الربيع العربي تارة اخرى، مستثمرين حالة المعاناة المعيشية والكبت السياسي وغياب الحريات والدكتاتورية في بعض الدول العربية، وعليه فأن ازمة بهذا الحجم والامتداد والتداخل عصي على خلية ادارة الازمة في غرفة تجارة وصناعة البحرين حسمها وتجاوز آثارها بالوسائل والأدوات الإدارية التقليدية المتاحة لها، على الرغم من اعتمادها لمنهج منطقي عقلاني في التعامل مع وقائعها ومحاولة تحجيمها بطريقة تجعل الغرفة تعمل بشكل منتظم لخدمة اعضائها وتنفيذ برامجها المرسومة سلفا لتنمية القطاع الخاص وتعزيز مكانته ودوره الاقتصادي والاجتماعي، الا ان ذلك لم يكن ممكنا في ظل أساليب التشكيك والترهيب والتصعيد للازمة وبما يخدم بشكل او بآخر حسابات سياسية ضيقة لجهات معينة داخلية او خارجية ، وليس عملية نقد بناء واصلاح لمسارات مختلف في تقييمها ، فكان لابد من قائد حاسم مدرك لتجلياتها وابعادها ومستشعر بحقيقة الاهداف الخفية للاعبين والمحركين لاوراقها، فكان ذلك صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رعاه الله بتوجيهاته الواضحة التي تنطلق من حكمته المعهودة وعمق تحليله لمجريات الامور من جانب، ورعايته واحتضانه للغرفة والقطاع التجاري بكل مكوناته وشرائحه وانتماءات اعضائه، من جانب آخر. فجاءت توجيهاته معبرة اصدق تعبير عن ذلك حيث اكد سموه خلال لقائه بوفد من مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين وكبار رجال الأعمال بالمملكة على «ضرورة النأي بالغرفة عن أي تجاذبات سياسية فهي بيت لجميع التجار والثقة فيهم كبيرة في الحفاظ على مسيرتها وانطلاقتها «داعيا الى» ضرورة تكاتف الجهود وتكاملها لتستمر غرفة تجارة وصناعة البحرين في تأدية رسالتها ومواصلة دورها المهني في خدمة رجال وسيدات الأعمال ولتظل مستمرة في دورها كمحرك ومحفز لتطوير الأعمال والنمو الاقتصادي وجعل البحرين الوجهة المفضلة للاستثمار وفي تعزيز التواصل بين قطاع المال والأعمال والجهات الرسمية». وبذلك فإن سموه قد قطع الطريق على خفافيش الظلام ومن يتصيدوا في الماء العكر ان يحرفوا مسيرة الغرفة وان يوقفوا أو على الاقل يعرقلوا مسيرة البناء والانفتاح والاصلاح الاقتصادي التي تسهم فيها الغرفة بدور ايجابي وقيادي، ويفشل مخططات من يحاول البحث عن منافذ جديدة للتأزيم. كما ان توجه قطاع واسع من الاسرة التجارية ومجلس ادارة الغرفة الى سمو رئيس الوزراء يعبر من جانب آخر عن رفضهم المطلق للتطرف والتأزيم والتسيس وشق الصف التجاري، إذ ان رجال وسيدات الاعمال في البحرين تميزوا بالكفاءة والتوازن والحرص الوطني عبر مختلف المحطات التاريخية، وبالتالي فإنهم لم يركنوا للامر الواقع وهم يرون ان ما بنوه عبر عقود من الزمان ينهار بفعل تجاذبات سياسية لم يعد مبررا لاستمرارها، ويبقى على مجلس ادارة الغرفة السعي الجاد والمبرمج إلى احتضان وتعبئة اعضائها والنظر في مطالبهم المشروعة والمزيد من الانفتاح والتفاعل مع قواعدها الجماهيرية وتوسيع عضويتها ولا يتم ذلك الا من خلال اشعار الشريحة الواسعة من القطاع التجاري التي لم تحصل على شرف عضوية الغرفة لحد الآن على اهمية العائد الذي ستحصل عليه من تلك العضوية معنويا واعتباريا او مزايا تعود عليهم بالنفع المالي، وسبق وان كان لنا شرف تقديم دراسة الى الغرفة عام ٢٠٠٧ تتضمن العديد من الأفكار التي تسهم في تطوير دورها نعتقد انها لاتزال مفيدة ومن الضروري مناقشتها واثرائها بالمزيد من الافكار التي توفر حالة جديدة من التواصل بين الغرفة وقاعدتها التجارية. مع تأكيد اهمية الشروع في إزالة آثار الازمة التي عصفت بالغرفة ومنع تكرار حدوثها من خلال الحوار والمصارحة والصدق في طرح الأمور الاقتصادية والوطنية وتحديد التزامات كل الأطراف من اعضاء مجلس الادارة او اعضاء اللجان القطاعية أو الاعضاء الآخرين ووضعهم امام مسئولياتهم التاريخية والوطنية. واتخاذ خطوات تنموية جديدة من شأنها تنشيط حركة الاقتصاد الوطني وتعزيز ثقة المستثمرين وطمأنتهم وتوفير المزيد من الضمانات لهم بما يؤدي الى تعزيز البيئة البحرينية الجاذبة للاستثمار والبحث عن نقاط الضعف في بنيتها لمعالجتها وتجاوز تداعياتها مستثمرين الدعم غير المحدود الذي تحظى به من قيادة البلاد، مذكرين بتوجيهات صاحب السمو رئيس الوزراء في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ ٢/ ابريل/.٢٠١٢ ودعوته «إلى فتح مجالات جديدة في الاقتصاد وجذب الاستثمارات المباشرة وتشجيع القطاعات الاقتصادية الواعدة للمحافظة على النمو الاقتصادي الإيجابي والحفاظ على مستوى متدن من البطالة، وتنفيذ مجموعة من المبادرات ذات التأثير المباشر على الحركة الاقتصادية والشأن الاجتماعي لمملكة البحرين في القطاعات الاقتصادية الرئيسية» ومن غير القطاع الخاص الذي تعد الغرفة مرتكزة الاساس الاقدر على تنفيذ تلك التوجيهات وتحويلها الى مشروعات تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمجتمع البحريني.

* أكاديمي وخبير اقتصادي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة