الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٩ - الاثنين ٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


المشكلة مع السفير الأمريكي في البحرين - ٢





تحدثت في مقال امس عن أبعاد الدور السلبي الذي يقوم به السفير الامريكي في البحرين وتدخلاته السافرة في الشئون الداخلية، وقلت في نهاية المقال ان القضية مع هذا اكبر بكثير من السفير ومواقفه ودوره.

لا بد ان نشير بداية الى ان السفير كرايجسكي هو دبلوماسي امريكي مخضرم وكفء بالمعايير الامريكية. خبرته الدبلوماسية طويلة وواسعة منذ عام ١٩٧٩ حتى اليوم، وعمل في دول عدة وتقلد مناصب مهمة في الخارجية الامريكية. وهو على دراية وخبرة واسعة بالضرورة بالاوضاع في الدول العربية وفي منطقة الخليج بالذات، فقد سبق له ان عمل في مصر والامارات واليمن والعراق.

أريد ان اقول ان السفير كرايجسكي بحكم خبرته الطويلة ومعرفته بالاوضاع العربية وبالحساسيات الموجودة في البحرين ودول الخليج العربية، يعلم بالضرورة تمام العلم ما يجوز وما لا يجوز في العمل الدبلوماسي، ويعلم نوع المواقف التي يجب ان يتخذها وما هو مقبول او غير مقبول منها.

الذي نريد ان ننبه اليه هو ان السفير ما كان له ان يفعل ذلك، وما كان له ان يعبرعن مثل هذه المواقف، لولا انه في نهاية المطاف ينفذ السياسة الرسمية الامريكية.

بعبارة اخرى، لنا ان نعرف ان مواقف السفير التي نرفضها ونعتبرها تدخلا في الشئون الداخلية، ومنحازة لقوى طائفية ولها تبعات خطيرة، وبغض النظر عن مواقف او قناعات السفير الشخصية، هي في النهاية تعبر عن توجهات رسمية للادارة الامريكية.

صحيح نحن نعلم ان السفراء عموما يلعبون هم انفسهم دورا مهما في تحديد مواقف وسياسات بلادهم ازاء الدولة التي يعملون فيها . لكن في هذه الحالة بالذات.. حالة مواقف الادارة الامريكية من التطورات والاوضاع في البحرين، نحن ازاء سياسة تبلورت معالمها منذ سنوات. واظن انني لفت النظر الى هذه المعالم بالموضوعات التي نشرتها تحت عنوان "الجماعة في السفارة".

وببساطة شديدة لو لم تكن الادارة الامريكية راضية عن مواقف وتصرفات السفير لكانت قد طلبت منه الكف عن ذلك وخصوصا ان الرفض البحريني لها والغضب منها معروف ومعلن منذ فترة وليس امرا خافيا.

نقول هذا.. نقول ان هذه المواقف المنحازة للقوى الطائفية والتي تجسد نوايا سيئة وخطيرة بالنسبة إلى البحرين ومستقبلها هي مواقف رسمية امريكية من واقع المتابعة الدائمة الدقيقة لما يدور على الساحة الامريكية على مختلف المستويات.

لسنا هنا بصدد مناقشة تفسير واهداف هذه المواقف الرسمية الامريكية من البحرين والتطورات فيها، ولا التصورات الامريكية لمستقبل البحرين، وان كنا قد تطرقنا الى ذلك في تحليلات واحاديث سابقة.

لكن ننبه هنا فقط الى خلاصات عامة اهمها امرين:

١ - ان هذا الانحياز الامريكي للقوى الطائفية في البحرين والسعي الى تمكينها من الحكم بهذا الشكل او ذاك، وهذا التحريض الامريكي على التطرف بل والعنف، وهذا التستر الامريكي على الدور التخريبي الايراني في البحرين ودول الخليج العربية.. هذه كلها مواقف محسوبة وتتخذها الادارة الامريكية عن وعي وتندرج في اطار اعتقاد راسخ لدى دوائر في الادارة الامريكية بانها تحقق مصالح استراتيجية امريكية.

٢ - ان هذه المواقف الامريكية في البحرين تندرج في اطار استراتيجية امريكية اشمل لمستقبل المنطقة برمتها تهدف في نهاية المطاف الى اعادة رسم الخريطة الاستراتيجية، وربما الجغرافية ايضا للمنطقة وفق تصور استراتيجي محدد.

ولعله بات من المهم ان نعيد مناقشة هذه القضية بالتفصيل في مقالات تحليلية مطولة قريبا.

على اي حال، هذا جانب في غاية الأهمية عند أي مناقشة لمشكلتنا مع السفير، وبالذات عند أي مناقشة لقضية ما الذي يجب عمله بالضبط في مواجهة دوره السلبي ومواقفه المستهجنة المرفوضة.

نريد ان نقول ان جوهر المشكلة لا يكمن في السفير في حد ذاته بمواقفه ودوره، وانما يكمن في مواقف وتوجهات الادارة الامريكية نفسها.

ولهذا، فان جوهر معالجة المشكلة يجب ان يبدأ من هنا. يجب ان يبدأ من مناقشة هذه المواقف مع الادارة الامريكية على اعلى المستويات واقناعها بخطأ مواقفها من البحرين وخطرها على كل دول الخليج العربية. وهذه بالطبع مسئولية الدولة.

غير انه ليس معنى هذا انه يجب الصمت عن مواقف السفير وتصرفاته انتظارا لأن تغير الادارة الامريكية مواقفها وتوجهاتها.

بالعكس، يجب التعامل بحسم وحزم مع تدخلات السفير في الشئون الداخلية للبلاد ومع مواقفه المستهجنة التي يعلنها.

والمطلوب هنا في تقديرنا امور واضحة محددة سنطرحها في المقال القادم بإذن الله.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة