الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٤ - الخميس ٧ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


حسني مبارك: دراما السياسة والحياة





لم يكن من المفروض ان تكون هذه هي النهاية التي ينتهي اليها حسني مبارك.

حسني مبارك ابن قرية مصرية، ولد ونشأ وتربى كما يولد وينشأ ويتربى أبناء كل الأسر المصرية البسيطة.

وحسني مبارك تعلم في المدارس الحكومية المصرية، الى ان أصبح مقاتلا طيارا. شارك وقاتل في حروب دفاعا عن مصر، وعلم ودرب مئات - وربما - آلافا من الطيارين المصريين.

على الأقل بحكم هذه النشأة والتربية، وبحكم هذا الدور العسكري الوطني الذي لعبه، كان من المفروض ان تكون له نهاية مختلفة عن هذا.

ما الذي جرى كي تكون هذه هي نهايته؟.. كيف سارت به المقادير كي ينتهي به الأمر سجينا يحمل رقما وتلاحقه اللعنات، وحتى نياشينه واوسمته العسكرية تم تجريده منها؟

هي دراما السياسة والحياة والبشر.

لقد شاءت الاقدار ان يحصل مبارك على اكثر بكثير جدا مما كان يحلم به في حياته.. أصبح رئيسا لمصر، الدولة الكبرى العظيمة. وهو الذي كان يقول ان أقصى ما كان يحلم به هو ان يصبح رئيسا لشركة.

حين أصبح رئيسا كان هذا فوق ما يتصوره.

يحكي الدكتور يحيى الجمل في إحدى مقالاته قبل فترة ما جرى حين التقى مبارك في اجتماع عام في الأشهر الأولى لتوليه الرئاسة. يقول انه فوجئ بعد نهاية الاجتماع والرئيس يسلم عليه مودعا.. فوجئ بمبارك يردد بصوت عال: «وبقيت رئيس.. وبقيت رئيس»!

التاريخ، أو القدر ان شئت، يمنح لبعض الناس فرصا أسطورية في الحياة لم ترد لحظة بخيالهم. ومبارك واحد من الناس الذين حصلوا على هذه الفرصة الأسطورية.. أصبح رئيسا لمصر.

كل الذين عرفوه عن قرب في بداية حكمه يقولون انه لم يكن رئيسا سيئا.. كان يحب ان يسمع ويريد ان يفعل شيئا، ولم يكن فاسدا.

ما الذي جرى إذن لينتقل في سنوات حكمه من سيئ الى أسوأ؟.. ما الذي جرى كي يغرق نظامه في الفساد والاستبداد، وتغرق مصر معه في البؤس والشقاء، الى الحد الذي تتفجر فيه ثورة شعبية تطيح به، فينتهي هذه النهاية؟

الكثيرون يحلو لهم ان يقولوا انها السلطة.. السلطة مفسدة لمن يتولاها. لكن هذا قول غير صحيح أبدا على إطلاقه.

كثيرون جدا في العالم تولوا السلطة، وحاولوا إقامة العدل وبناء دول قوية .. أخطأوا أو أصابوا .. نجحوا أو فشلوا.. هذا ليس مهما.. كثيرون في العالم تولوا السلطة لكنهم لم يغرقوا في الفساد السياسي أو المالي.

جمال عبدالناصر مثلا حكم مصر وكان زعيما للأمة العربية كلها، لكنه حين رحل، لم يكن هو وأسرته يملكون شيئا تقريبا.

السلطة مفسدة لمن لديه الاستعداد الشخصي للفساد.. والسلطة مفسدة لمن ليس لديه ما يحصنه ضد الفساد. والحصانة ضد الفساد تأتي من الأسرة الصغيرة، وتأتي من البطانة المحيطة، وتأتي من المناخ العام وطبيعة النظام.

ولم يكن لدى مبارك أي من هذه الحصانات.

ابتلاه الله بأسرة صغيرة جشعة، جشعها للسلطة والمال لا حدود له.

بطانته كانت فاسدة سواء تمثلت في حزب حاكم أو مستشارين أو مقربين منه.

هو نفسه بعد فترة قصيرة من بداية حكمه اظهر استعدادا لا حدود له للفساد وللاستبداد.

ثقافته العامة لم تسعفه. لم يكن قارئا للتاريخ ولتاريخ مصر خصوصا.. لم يعرف أبدا قدر مصر ولا قدر شعب مصر.. ولم يعرف قيمة الموقع الذي وضعه فيه التاريخ والقدر.

وقبل هذا كله وبعده، كانت الطامة الكبرى ان النظام برمته الذي كان هو على رأسه، كان نظاما فاسدا من رأسه حتى قدميه، ولم يكن يقوم على أي مؤسسات أو يؤسس لأي آليات للحساب والعقاب لردع الفاسدين ولترشيد الحكم ومسيرة الحاكم والمسئول.

وليس في هذا كله ما يمكن ان يعفي مبارك من المسئولية أو يلتمس له أعذارا. هو الذي اختار هذا الطريق. وهو الذي اختار هذه الحياة. وهو الذي اختار هذا النوع من النظام. هو الذي اختار عن وعي وإدراك.

الله سبحانه تعالي يؤتي الملك من يشاء.. وينزع الملك ممن يشاء.

وحين يمنح سبحانه الملك يمنحه لحكمة.. وحين ينزعه ينزعه لحكمة.

وفي القلب من الحكمتين، اختبار لإرادة البشر، إرادة الحاكم.

ومبارك بارادته الحرة اختار هذه النهاية الدرامية.

وهي في كل الأحوال عظة وعبرة بطبيعة الحال لكل حاكم وكل من هو في موقع مسئولية في مصر وفي غير مصر.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة