الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٠ - الثلاثاء ٣ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


التحركات الاجتماعية والاقتصاد





تفاقمت الظروف الاقتصادية سوءاً في الكثير من بلدان العالم وخاصة البلدان العربية الفقيرة، لقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة ٨% خلال السنوات القليلة الماضية في البلدان العربية، وهذه المواد أغلبها مستورد وتصل نسبة الاستيراد إلى ٩٠%.

عبّرَ هذا الخلل الكبير عن انهيار الزراعة في كثير من البلدان وعجزها عن توفير المواد الضرورية، وهو خلل بسبب إهمال الزراعة وعدم إجراء إصلاحات لمصلحة العاملين الريفيين، مما أدى من جهة أخرى إلى موجات النزوح والهجرة.

وضخامة استيراد المواد الغذائية وارتفاع أسعارها معاً يشيران إلى خلل بنيوي، وإلى تفاقم العجز في ميزانيات هذه الدول التي هي مضطربة أصلاً مما يزيد من الأعباء عليها.

رغم ضخامة السيولة في بعض البلدان العربية النفطية فإن علاقاتها العربية البينية معدومة، فهي تستورد مواد غذائية مكلفة بشكل متصاعد فيما تجاورها بلدان عربية ذات مساحات زراعية وإمكانيات مائية لكنها لا تملك الرساميل فتحدث فيها تحركات سياسية واسعة تقود إلى مزيد من الأزمات وترك الأعمال الزراعية والاضطراب العام في المنطقة.

وما يكسبه بعض البلدان النفطية من زيادة أسعار النفط تخسره من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تنتجها بلدان زراعية تدفع أثماناً أعلى للمواد النفطية التي ارتفعت خلال السنوات السابقة.

لقد لجأ بعض الدول العربية إلى الرسوم أو الضرائب على الغذاء، فيما لجأ بلد غني كالكويت إلى المنح المالية للمواطنين بهدف تقليل ضراوة ارتفاع الأسعار.

ويشير خبراء إلى المعدل المنتظر لارتفاع أسعار المواد الغذائية والعديد من السلع الأخرى سوف يصل إلى ٢٠% في السنوات القليلة القادمة فيما تعجز الأجور عن الصعود.

ترافقت زيادات أسعار المواد الغذائية مع ارتفاع عام للأسعار وتكاليف المعيشة المختلفة وعبر ذلك عن ضعف أحوال الشعوب الاقتصادية وتضخم ثروات البعض وتفاقم نقل رؤوس الأموال والفوائض إلى الخارج، وكان تصاعد الصراعات السياسية قد أدى كذلك إلى شراء الأسلحة بكمياتٍ هائلة عند كل الدول مما كان يعني أن الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية في حالةِ تردٍ وضنك مع غياب أي سياسات تحولية اقتصادية إنقاذية.

ومع هذا النقل للرساميل من قبل الدول القليلة الغنية إلى الغرب والمناطق الاستثمارية الآمنة فإن المكان الآمن وهو الولايات المتحدة كان يعيشُ اضطرابا اقتصاديا من نوع آخر.

فهنا أكبر عجز للميزانية في تاريخ الولايات المتحدة بسبب حروبها الكبيرة المكلفة، ولهذا كانت الحكومة الأمريكية بحاجة لتوسيع الأسواق العربية وتغيير أنماط الحكومات الرأسمالية البيروقراطية لكنها وجدت في الضحية الليبية أكبر رساميل يمكن الاستيلاء عليها وقد وصلت إلى عدة مليارات حسنت بعض الشيء من وضعها، لكن الأزمة متأصلة في حين لم تجد في سوريا مثل هذه الغنيمة الكبرى.

إن عمليات الاستغلال من قبل الطبقات الغنية للطبقات الفقيرة تصاعدت خلال العقود الأخيرة من حكم اليمين والأحزاب الدينية عبر اشتداد وتائر الاستغلال وجلب العمال الأجانب ذوي الأجور المتدنية وتشديد النزاعات العنصرية والدينية والطائفية، كسبلٍ لعدم التوجه لحل المشكلات العميقة في أوضاع العمال والفقراء والأحوال الاجتماعية الاقتصادية.

السودان كان مثالاً نموذجياً لهذه الإدارة السيئة للأزمة الاجتماعية، فسلةُ المواد الغذائية الكبرى التي كان من الممكن أن تفيض على قارة بأكملها توقفت عن التوسع الزراعي وتفككتْ الأقاليم المنتجة، ودخلت البلاد في حرب بين الشمال والجنوب، وانقسمت، وتصارعت على آخر مورد سهل وهو النفط، حتى تقلصت ميزانية الشمال تقلصاً كبيراً، فقامت الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية والغذائية، فتفجرت الشوارع بالغضب!

نزول مؤشرات التطور الاقتصادي في كل الدول العربية حسب منظمات الشفافية الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة يخالف ما تقولهُ الحكومات عن هذا التطور، بل أن بعضها تراجع تراجعاً كبيراً عن مستوياتها السابقة.

هذا يشير إلى عدم قدرة هذه البلدان على السيطرة على الاقتصاديات المفككة بنيوياً، نظراً لهياكل رأسماليات حكومية بيروقراطية غير قادرة على السيطرة على القوانين الاقتصادية، فليس ثمة سوق واحدة، والأجور شديدة التباين، والأسعار في تصاعدٍ مستمر، والتضخم لا يمكن ضبطه، ولا توجد خطط لمعالجة مشكلات نقص المواد الغذائية وتدهور الزراعة وخلق علاقات اقتصادية إنتاجية توحيدية بين هذه الدول، فتلجأ للاقتصاديات الطفيلية عبر التوسع الهائل في تجارة المال والعقارات والسلع، من دون تحولات هيكلية إنتاجية مخطط لها، مما يؤدي إلى التعدي على المناطق الزراعية والإنتاجية والشواطئ البحرية، والاعتماد على العمال المهاجرين ذوي الأجور المحدودة وهي ظاهرات تنتج مشكلات أخرى وهي معبرة عن العجز الإنتاجي الواسع كذلك.

تعبر الدول العربية كما رأينا في نموذجي ليبيا والسودان خاصةً عن هذا الغياب للتخطيط الإنتاجي والاعتماد السهل على المواد الخام المرتفعة القيمة، والعمالة ذات الأجور المتدنية، وإلى رفع الأسعار والمواد الحياتية المختلفة، ويرافق ذلك خطاباتٌ دينيةٌ قَدرية، معبرة عن عجز إنتاج عقلانية دينية عميقة في دائرة أفكارها هي نفسها، وعن خطابات سياسية مفككة الأوصال غير قادرة على قراءة البُنى الاقتصادية المفكَّكة، وكيف ترتقي إلى ذلك وهي شكل من أشكالها ونتاج لتدهورها؟



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة