الآن فقط يبدأ العمل الحقيقي في مصر
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. جيمس زغبي
لقد أطال رئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر فاروق سلطان تلاوة البيان المتعلق بالنتائج النهائية للانتخابات الرئاسية المصرية حتى عيل صبر الشعب غير أن الإسهاب في سرد أدق التفاصيل والحيثيات كان له في الحقيقة منطق يبرره.
بداية لابد من القول إن تلك كانت أول انتخابات رئاسية ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر على مر تاريخها الطويل.
لقد ركز في تلاوة البيان في إبراز الأخطاء التي ارتكبت في عملية فرز الأصوات، وأراد بذلك أن يذكرنا بأن الانتخابات الديمقراطية لا تخلو أحيانا من بعض الفوضى.
يقال إن "الانتخابات أشبه ما تكون بإعداد النقانق، فالمرء لا يريد أن يعرف أي شيء عن مكوناتها أو طريقة إعدادها غير أنه يتلذذ بأكلها ويسيل لها لعابه".
لقد اتسمت الانتخابات الرئاسية في مصر بالتنافس الشديد وهو ما عكسته النتائج المتقاربة، ولا شك أن تقرير المحكمة الدستورية العليا أبان عن حالة الانقسام التي باتت تشق الناخبين المصريين.
في الحقيقة فإن نصف الناخبين المؤهلين هم فقط الذين أدلوا بأصواتهم كما أن أكثر بقليل من نصف الذين صوتوا فعليا اختاروا مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.
يجب أن ندرك أيضا أن تلك الأصوات التي حصل عليها محمد مرسي لم تأت فقط من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، فقد صوت الكثير من المصريين ضد أحمد شفيق والعسكر، كما أن الكثيرين ممن صوتوا لأحمد شفيق إنما أعطوا له أصواتهم فزعا من محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.
إن الرئيس محمد مرسي سيتبوأ الآن المقعد نفسه الذي جلس عليه من قبله جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك لكنه يختلف عن كل أسلافه.
إذا كانت مصر تريد أن تنجح حقا فيجب ألا يظهر فيها فرعون جديد كما أنه يجب ألا يسمح للعسكر بالاحتفاظ بسلطات واسعة من دون قيود.
لقد حصل محمد مرسي على تفويض شعبي كي يحكم مصر غير أنه سيكون المهم بالنسبة إليه أن يتوخى الحذر في ممارسة شئون الحكم.
هناك شرطان ضروريان لتكريس الديمقراطية، شرطان يتطلبان الاعتراف بالانقسامات التي تشق المجتمع والتكيف معها.
يجب على الطرف الخاسر أن يعترف ؟ رغم مرارة الهزيمة ؟ بشرعية النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات والمشهد السياسي الذي كرسته.
يتعين أيضا على الطرف المنتصر أيضا أن يقبل بشرعية الطرف المنهزم ويأخذه بعين الاعتبار.
إن الديمقراطية المصرية الوليد لاتزال في حقيقة الأمر تتلمس خطواتها الأولى. من الواضح أنه يوجد اليوم في مصر قطبان اثنان يتنافسان على السلطة، كما أن هناك قطبا ثالثا بصدد التشكل.
هناك جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وما يمثلانه من مكونات وعناصر في المجتمع المصري، إضافة إلى شباب الثورة الذين يمثلون قوة مهمة ذات ثقل كبير.
لقد اعترف شباب الثورة بمحدوديتهم الانتخابية، الأمر الذي جعلهم يضعون خطة مستقبلية تمتد إلى خمسة أعوام.
إن مستقبل التجربة الديمقراطية سيتحدد من خلال التوازنات بين هذه الأقطاب بحيث لا يستطيع أي قطب أن يدعي أنه يمثل بمفرده كل أفراد الشعب المصري أو حتى أولئك الذين صوتوا لهم في آخر انتخابات تشهدها البلاد.
لذلك يجدر بكل الأطراف أن تتأهب للمرحلة القادمة من العمل السياسي في مصر بكثير من التواضع وألا يسعوا بالتالي إلى التغول مثلما فعلوا في الماضي القريب.
لقد أثارت جماعة الإخوان المسلمين الكثير من المخاوف عندما حاولت بسط سيطرتها أكثر من اللزوم - وفي وقت مبكر جدا على البرلمان- كما تجلت نزعة الهيمنة أيضا في اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية التي ستتولى كتابة الدستور المصري الجديد.
كذلك أثار الإخوان المسلمون مزيدا من المخاوف عندما نكثوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم بعدم الدفع بأي مرشح إخواني في الانتخابات الرئاسية.
أما المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية فأثار بدوره الكثير من المخاوف عندما اتخذ قرارا ؟ ردا على الإخوان المسلمين ؟ بتعليق البرلمان وإصدار إعلان دستوري مكمل ليجرد من خلاله الرئيس من عدة صلاحيات مهمة، كما فرض المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية نفسه ليكون الحكم النهائي في نص الدستور الجديد.
القدرة على الإنجاز على أرض الواضع.. هو التحدي الحقيقي الذي سيضع الرئيس محمد مرسي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية على المحك.
إن الشعب المصري لن يطول صبره إذا ما تفجر صراع بين الطرفين على السلطة والصلاحيات.
* رئيس المعهد العربي الأمريكي
.