الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢١ - الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


الاستحواذ الحزبي على النقابات والمؤسسات المدنية.. إلى متى؟





} لم تتم تسمية المؤسسات المدنية بمدنية، إلا لتأكيد هذا الطابع عليها، وباعتبارات ابتعادها الكامل عن الصراعات السياسية، أو الاستحواذ الحزبي من أي جهة عليها وحيث دورها هو مدني الطابع بالاصل يجمع في ظله كل الأطياف بعيدا عن فرض أو هيمنة أي طيف لأيديولوجيته أو أجندته السياسية.

بالمقابل، فإن النقابات هي (مهنية الطابع) ودورها يتعلق بالمصالح المهنية للعمل وللعمال أو الموظفين المنخرطين تحت لوائها، ولا صلة لها من بعيد أو قريب ـ كما هو مفترض ـ بالأحزاب السياسية أو توجهاتها، لكي لا يتم تسييس المصالح العمالية في إطار الصراعات السياسية أيا كانت، مما يعوق دور تلك النقابات الحقيقي، في التنمية الشاملة والتنمية الاقتصادية مثلا، التي هي أيضا لا صلة لها من بعيد أو قريب بالأجندات السياسية، وانما بالقوانين واللوائح الداخلية التي تحكمها لخدمة المجتمع.

} هذا هو الحال في كل بلدان العالم الديمقراطية وغير الديمقراطية بما يخص المؤسسات المدنية والنقابات، إلا في البحرين التي ابتلاها الله بتيار سياسي ولائي تمثله (الوفاق) تعتبر ان أحد أهداف عملها السياسي هو (الاستحواذ والهيمنة والتغول) في المؤسسات المدنية والنقابات المهنية وعليهما، وتحويلهما إلى مجرد أدوات سياسية في كل وقت وخاصة وقت احتدام الصراع بينها ـ أي الوفاق ـ وبين النظام السياسي لتتجنى بذلك على الحياة المدنية ودور مؤسساتها الفاعلة مدنيا، ولتتجنى على النقابات المهنية وعلى المصالح العمالية، رغم مخالفتها المؤكدة في ذلك للقوانين التي تحكم هذين المجالين وبقية المجالات بما فيها وجودها الحزبي أو السياسي.

ولذلك فإن ما كشفه (البنعلي) حول حجم التسييس والنخر الوظيفي السياسي، في أداء وعمل الاتحاد العام للنقابات، ومحاولة الانفصال عنه بدءا بنقابة (ألبا) ونقابات أخرى، بعد ان تم تشريع امكانية تعدد النقابات، يعتبر كشفا لما كان قد لمسه المواطن البحريني لمس اليد تقريبا أثناء أزمة فبراير ٢٠١١، وكيف قام الاتحاد العام للنقابات، بشل الحياة المهنية، وتفنن في محاولة ضرب الاقتصاد الوطني وارباك المؤسسات الوطنية، لمجرد ان "الوفاق" كانت قد تمكنت بخبث من اختراق وتوظيف النقابات لخدمة أهدافها السياسية، التي جمعت الأطراف الانقلابية نفسها في الدوار من أجلها، وبينهم رئيس الاتحاد العام للنقابات نفسه، تحت شعار انقلابي (باقون حتى إسقاط النظام).

× ان كينونة الدولة القائمة ليست فقط على النظام السياسي، وانما على البنية التحتية من وزارات ومؤسسات مدنية وأهلية ونقابات، وغيرها من كيانات تنضوي تحت لواء بنية الدولة القائمة، وبضوابط قانونية ومؤسساتية محددة، تضبط أداء كل جهة حسب تخصصاتها ودورها، في إطار التنمية الشاملة والمستدامة، غير مسموح لها بخلط الأوراق أو دمجها أو التلاعب بها، بما يمثل انتهاكا للتخصصات التي تقوم عليها وبها المؤسسات المجتمعية، مثلما هو غير مسموح لأي حزب سياسي وعلى الاطلاق باختراق تلك المؤسسات او النقابات او الاستحواذين الأيديولوجي والسياسي عليها، او الهيمنة عليها أو توظيفها لأغراضها السياسية الخاصة، أو أجندتها وخاصة اذا كانت "فئوية" أو "طائفية" أو ذات مغزى يخرج عن الإطار الوطني الجامع لوظيفة تلك المؤسسات المجتمعية. هذا شيء بدهي في كل دول العالم، والا انهارت أسس الدولة عند أي أزمة، أو عند احتدام اي صراع أيا كان منطلقه أو غايته.

} لقد ارتكبت "الوفاق" الكثير من المخالفات القانونية والدستورية في البحرين، وأوضحت الأزمة في شهري فبراير ومارس ٢٠١١، حجم تغول هذا الحزب "الولائي" الخارج تماما من أطر أي معارضة وطنية صحيحة، ليتكشف حجم الانتهاك الوظيفي والمهني لنقابات البحرين، وحجم خروجها عن السياق القانوني الذي من خلاله ينضبط أداؤها المهني أو المدني في ظل لوائحها الداخلية، وهو الأمر الذي تمت معالجة بعض نتائجه لاحقا، ولكن لم تتم المراجعة الحقيقية حول لماذا حدث ما حدث؟ وكيف تكون المعالجة الجذرية وحيث جاءت (توصيات بسيوني) ـ مع احترامنا لواضعيها ـ لكي تعيد رسم الخريطة كما كانت من دون أي تغيير، ولتكون البنية التحتية في البحرين تحت رحمة الولاءات الحزبية التي يدخل أصحابها المؤسسات المدنية والنقابات، لا لتنفيذ مصالحهم الحقيقية والمصالح الوطنية، وانما ليكونوا مجرد "أدوات سياسية" حين تحين الفرصة التي تتطلب ذلك الاستخدام السياسي لهم من الجهة التي يوالونها سياسيا.

} ان المبادئ التي طرحها (البنعلي) وجرأته في كشف المستور، الذي لم يكن في الواقع مستورا بعد رؤية ما حدث أثناء شهور احتدام الأزمة، من المفترض ان تمثل منطلقا أيضا لمراجعة دور الجمعيات السياسية، في اختراقها وتوظيفها لغايات هي ليست لها، وهذا يعني أيضا وضع قوانين صارمة للجمعيات السياسية، التي تخرج عن سياقات حقيقة دورها في الإطار الحزبي الذي تعمل من خلاله، وان يكون الحاكم في ذلك هو حكم القانون المحلي والدستور، وتشريع بنود جديدة تسد الثغرات ان لم تكن مكتملة، وان يكون دور (وزارة العمل) تسهيل مهمة "التصحيح" لا اعاقته بما يخص تصحيح أوضاع النقابات المهنية تحديدا، وهو الأمر الذي نتفق فيه مع (البنعلي) مع ما يطالب به ويعمل من أجله، وبعيدا عن سطوة اي (توصيات) لا تخدم هذا الهدف الوطني الكبير الذي يصب في مصلحة البحرين وبنيتها التحتية، وليس في مصلحة جمعية سياسية هنا أو هناك، تعمل على اختراق كل شيء، وعلى الاستحواذ وعلى الهيمنة وعلى التوظيف السياسي للمؤسسات والنقابات، ثم تتشدق بكل وقاحة بعدها بأنها مع مدنية الدولة وخدمة المجتمع وتمثيل المصالح الوطنية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة