الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢١ - الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


لا بديل عن المظلة الوطنية





أتمنى أن أكون مخطئا في اعتقادي أن الأزمة التي تعيشها بلادنا منذ ما يقارب العام ونصف العام قد خلفت مساحة واسعة من الوحل بحيث تسبب ذلك كله، حتى الآن، في إعاقة جهود لم الشمل ووقف النزيف المجتمعي المتواصل منذ تفجر الأحداث في الرابع عشر من شهر فبراير من العام الماضي، حيث شهدنا خلال طوال الفترة التي أعقبت تلك الأحداث المؤلمة، العديد من التحركات والمبادرات الأهلية التي استهدفت أولا وقبل كل شيء الحد من ذلك النزيف ومن ثم العمل على رأب التصدع الذي أحدثته تلك الأحداث في النسيج الوطني البحريني، ولكن للأسف الشديد فإن كل تلك الجهود لم تسفر ـ حتى الآن ـ عن مقاومة الانهيار المجتمعي وتفاقم حالة عدم الثقة بين الأطراف المؤثرة في المشهدين السياسي والأمني في البلاد.

لا أحد بمقدوره أن ينكر الآثار الكبيرة والضارة التي ألحقتها الأحداث بالعلاقات بين مختلف مكونات المجتمع البحريني وتركت حملا ثقيلا قد لا تكون مجرد جهود ومبادرات أهلية وحدها قادرة أو كفيلة بمعالجة ما ترتب على تلك الأحداث، لكن ثقل الأزمة والأضرار وحدهما لا يمكن أن يكونا السبب الوحيد في عدم قدرة تلك الجهود والمبادرات الأهلية على معالجة الآثار أو وقف التداعيات التي ترتبت عليها، وخاصة أن هذه الجهود والمبادرات تستقبل بترحيب واسع من مختلف شرائح المجتمع البحريني التي ترى، وهي صادقة في ذلك، أن استمرار الأزمة وتمزيق النسيج الوطني الجميل لن يخدم أي مكون على المدى البعيد، بل ان أضراره الخطرة ستطول الجميع.

لكن الكل يعلم أن هناك حقيقة دامغة تبرز بعد كل أزمة حادة كالتي تمر بها بلادنا في الوقت الحاضر، وهذه الحقيقة تتمثل في أن هناك مستفيدين وأيضا متضررين من وراء كل أزمة تحدث في أي دولة من دول العالم، وبغض النظر عن طبيعتها وأسبابها، بما في ذلك الأزمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، ولكن المعادلة العلمية تقول ان الأكثرية عادة ما تكون هي المتضررة التي تدفع الثمن الباهظ المترتب على تلك الأزمة، فيما المستفيدون منها هم القلة، وهذه القلة تدفعها مصلحتها الخاصة إلى إعاقة وتخريب كل محاولة تستهدف معالجة أسباب ومخلفات الأزمة، من منطلق المحافظة على تلك المصلحة الضيقة والأنانية.

نعم، ما خلفته تلك الأحداث من أضرار انعكس سلبا على الثقة التي كانت قائمة بين مختلف مكونات المجتمع البحريني، ولكن هناك من اسهم، وعن قصد ولأسباب أنانية ضيقة، في توسعة رقعة الوحل الذي يتسبب وبقوة في فرملة المبادرات والجهود الأهلية لرأب الصدع والعمل على ترميم التصدعات التي أصابت جدران الوطن، فأينما وجد التخريب فإنك لا تستطيع أن تضع حجرا فوق آخر، وبالتالي فإن هذه الجهود ستبقى تعاني، ليس فقط الوصول إلى هدفها الوطني النبيل، وهو ترميم والحفاظ على جدران البيت البحريني الجميلة، وإنما ستعاني أيضا تحريك جهودها نحو ذلك الهدف، والواقفون وراء هذه الجهود والقائمون بها ليسوا مسئولين عن ذلك، ولكن المهم عدم الاستسلام.

ما يقارب السنة ونصف السنة والوطن ينزف والعلاقات المجتمعية بين مختلف مكونات شعبنا تتقطع أوصالها كلما استمر هذا الوضع غير الصحي وغير المقبول على الإطلاق، فتقاذف الاتهامات والبحث عمن يتحمل المسئولية الكبرى عن تفجر الأحداث واستمرارها، كل ذلك، يجب ألا يكون هو المقدمة والشرط الذي لابد منه للبحث عن الوسيلة التي تخرجنا من النفق الذي نقبع بداخله على مدى الأشهر التي تلت تفجر الأحداث، فالمصلحة الوطنية العليا تفرض علينا جميعا، وقبل كل شيء، وقف النزيف الذي يتعرض له الوطن باعتبار ذلك مدخلا للخروج من هذا النفق.

للأسف الشديد، انه في موازاة الجهود الخيرة والمبادرات الوطنية النبيلة، وآخرها تلك التي أطلقت بدعم من سمو ولي العهد، فإن استنزاف الوطن مستمر، وتمزيق النسيج الوطني لم يتوقف، بل يتصاعدان أحيانا وبأساليب شتى، كل ذلك يفرض على المخلصين من أبناء هذا الوطن تكثيف الدعم لتلك الجهود وتوسعة رقعة المؤمنين بحقيقة غير قابلة للتغييب أو التغيير وهي أن هذا الوطن مثل السفينة التي لا يمكن أن تبحر إلا بوجود جميع المكونات المجتمعية على ظهرها، والتعايش والتآلف بين جميع هذه المكونات هما القاعدة وما عداهما، بما في ذلك الأوضاع الحالية، ليس سوى شذوذ.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة