المناضل القومي جاسم القطامي وتلازم العروبة والديمقراطية
 تاريخ النشر : السبت ٧ يوليو ٢٠١٢
بقلم: معن بشور
لم يكن ممكناً، طيلة العقد الثاني من خمسينيات القرن الماضي، أن تذكر الكويت ونخبها وأحرارها وقومييها إلا ويذكر جاسم القطامي (أبومحمد) ؟ رحمه الله - ومعه الدكتور أحمد الخطيب ؟ أطال الله عمره - وثلّة من نواب كويتيين قادوا المعارضة في بلادهم على مدى عقود، وارتبط عملهم بتلازم العروبة والديمقراطية.
بين هذه الشخصيات، ومعظمها من مؤسسي حركة القوميين العرب، كان لأبي محمد موقعه الخاص، ودوره المميّز، داخل الكويت وعلى مستوى الوطن العربي كله، إذ قلّما نادى المنادي إلى عمل قومي، ثقافي أو سياسي أو نضالي، إلا وكان القطامي في طليعة من يلبي النداء.
فالقطامي جاء إلى صفوف النضال من سلك الشرطة الكويتية حيث كان مديراً لها ثم مستقيلاً منها بسبب قمعها للتظاهرات، ومن أسرة قدمت شقيقه عبدالعزيز شهيدا في سبيل الاستقلال والدستور والحقوق الوطنية والديمقراطية، ومن محافل برلمانية كان ينال في انتخاباتها أصواتاً كثيفة، ومن مجتمع مدني واتحادات رياضية، فلم يتأسس مركز أو منظمة ولم ينعقد مؤتمر أو منتدى للعمل القومي والديمقراطي أو اجتماع لنصرة القدس وفلسطين إلا وكان أبومحمد في طليعة المؤسسين والمساندين، مؤكدا أخلاقية النضال، وصدقية العمل القومي، وأصالة الانتماء إلى الأمة، وأمينا لمبادئ نشأ عليها، ولأفكار آمن بها.
ويوم جاءنا إلى بيروت إبان الحصار على العراق المناضل والمثقف العراقي، والوجه القومي المعارض لنظام ما قبل الاحتلال، الدكتور وميض عمر نظمي، حاملا مشروع تشكيل "اللجنة الشعبية العربية للتضامن مع شعب العراق في وجه الحصار"، داعيا إلى جمع الدواء والحليب لأطفال العراق، وقف جاسم القطامي "الكويتي" المكلوم من غزو بلاده، ليكون أول المتجاوبين مع نداء وميض نظمي "العراقي"، وقائلاً أمام زملائه في المؤتمر القومي العربي المنعقد آنذاك (١٩٩٢) في بيروت: "ماذا يعني أن يكون المرء قوميا عربيا إذ لم يفرّق بين موقفه من الحاكم مهما كان سلبيا، ومن الشعب الذي لا ينبغي أن يدفع ثمن أخطاء الحكام؟".
يومها أكبر المجتمعون موقف القطامي الذي تكرر في مؤتمرات واجتماعات أخرى ورأوا فيه نموذجا للترفع عن الجراح، ولتجسيد المعنى الحقيقي للعروبة، كما للديمقراطية، في زمن التنكر للعروبة باسم الحرص على الديمقراطية، وزمن استغلال قيم الديمقراطية لتمرير مخططات تستهدف عروبة الأمة ووحدة الأوطان واستقلالها.
وأذكر أنني حين التقيته في صيف ٢٠٠٣ في بيروت، ومعه زوجته الفاضلة ورفيقة نضاله السيدة شيخة الحميضي، وقد جاء يومها لتسلّم جائزة جمال عبدالناصر التشجيعية التي يمنحها مركز دراسات الوحدة العربية، كان أبومحمد حزيناً على احتلال العراق وما حلّ به، مؤكداً أنه مهما كانت الخلافات مع النظام فلا يجوز أن نقبل باحتلال الوطن.
رحم الله أبامحمد، وأبقاه ذخرا ونموذجا لأبناء الأمة.
* الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.
.