الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٨ - الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الكويت عقلانية دائما في قراراتها





بعيدا عن جدوى المردود الاقتصادي للكويت جراء توسعة ميناء مبارك الكبير، وما إذا كانت الاحتياجات المستقبلية للدولة الشقيقة تتطلب توسعته ليضم ٣٦ مرسى أم الاكتفاء بـ ٢٤ فقط، فإن العوامل الاقتصادية لم تكن هي السبب الرئيسي وراء قرار دولة الكويت إلغاء المرحلة الرابعة من توسعة الميناء التي تشمل إنشاء جزيرة صناعية اتضح- بحسب وزير الأشغال الكويتي فاضل صفر- أنها ستتسبب في إغلاق القناة الملاحية للموانئ العراقية، وهنا يمكن القول: إن قرار الإلغاء هو قرار سياسي يخدم استقرار العلاقات بين البلدين الشقيقين على المدى الاستراتيجي، وخاصة أن العراق ظل يشتكي من ترسيم الحدود بين البلدين بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الذي استمر نحو ستة أشهر مطلع تسعينيات القرن الماضي.

لا أحد يمكن له أن ينكر حجم الضرر الاقتصادي والسياسي وغيره من الأضرار التي لحقت بدولة الكويت الشقيقة جراء الغزو العراقي للدولة الشقيقة في شهر أغسطس من عام ١٩٩٠، وهو الذي أدى إلى إلحاق الضرر الجسيم أيضا بالعراق نفسه جراء الحصار الاقتصادي المحكم الذي طوقه طوال أكثر من ثلاثة عشر عاما، وهو الحصار الذي لا دخل لدولة الكويت في فرضه واستمراره، وإنما المصلحة الأمريكية الاستراتيجية التي وجدت في غزو الكويت فرصة لا تعوض للوصول إلى الثروة العراقية الهائلة، وهو ما أفرزته جريمة الغزو الأمريكية للعراق في مارس من عام ٢٠٠٣ حيث أدخل العراق في حظيرة القرارات الاستراتيجية الأمريكية.

كل أشكال الهم والغم اللذين تركهما الغزو العراقي لدولة الكويت في نفوس وقلوب جميع الكويتيين واللذين وصلا إلى حد منع الأغاني العراقية في الكويت بما فيها تلك التي يعود تاريخها إلى ما قبل نظام صدام حسين بعشرات السنين، الأمر الذي يظهر مدى الأثر التي تركه الغزو على الحالة النفسية للمواطن الكويتي، رغم ذلك فإن الحكومة الكويتية وقطاعا واسعا من أبناء الشعب الكويتي لم يختزنوا حقدا أبديا تجاه أشقائهم العراقيين، فتطبيع العلاقات العراقية الكويتية بعد إسقاط نظام صدام حسين يسير بخطى تصاعدية في الاتجاه الصحيح الذي يجب أن يسود علاقات دولتين شقيقتين وجارتين في الوقت نفسه، أضف إلى ذلك فإن الشعب العراقي وحكومته الحالية ليسا مسئولين عن أفعال النظام السابق.

فقرار إلغاء إنشاء جزيرة ضمن مشروع توسعة ميناء مبارك الكبير اتخذ مراعاة لمصالح العراق بالدرجة الأولى مع أن المشروع ينفذ ضمن الحدود السيادية لدولة الكويت ولا يحق لأحد أن ينازع الكويت وغيرها من الدول ذات السيادة، حقها في التصرف ضمن نطاق حدودها الجغرافية بما يخدم مصالحها الوطنية بالدرجة الأولى وليس تقديم مصالح غيرها على ذاتها، لكن الكويت فعلت ذلك، وهذا يترجم صحة القراءة السياسية ذات البعد الاستراتيجي لقرار وقف العمل في الجزيرة، لأن من مصلحة الكويت، كما هو من مصلحة العراق أيضا، أن تكون علاقتهما مبنية على حسن الجيرة واحترام مصالح كل منهما وإن تطلب الأمر تحمل أعباء اقتصادية وسياسية وغيرها.

يحسب للقيادة السياسية في دولة الكويت الشقيقة أنها على مدى عشرات السنين كانت سياساتها الداخلية والخارجية تتسم بالوسطية والتروي ولا تتخذ قراراتها بشأن أي حدث ما، إلا بعد دراسة متأنية للأبعاد المترتبة على تلك القرارات، إن كانت تتعلق بالشأن الداخلي أو بعلاقات الكويت مع جيرانها والدول الأخرى، وخاصة الجيران، فالعقلانية السياسية تقتضي العمل قدر المستطاع، من دون التفريط في الاستقلالية السياسية، على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة وسليمة مع جميع الجيران، إلا إذا بدر منهم ما يمكن وصفه بالتهديد الحقيقي للسيادة الوطنية، كما حدث مع حالة الغزو العراقي للكويت، إذ لا يمكن لأي كان أن يطالب الكويت بتطبيع علاقاتها مع نظام صدام حسين على سبيل المثال.

ورغم كل التحديات التي تعرضت لها القيادة السياسية الكويتية وتلك التي فرضتها عليها التقلبات السياسية والأمنية في منطقة الخليج العربي بسبب الكثير من الأحداث، ومنها الحرب العراقية الإيرانية، ومع ما خلفه الغزو العراقي من تأثيرات سياسية ونفسية عميقة، فإن ذلك كله لم يؤثر في نهجي الوسطية والاعتدال اللذين تتسم بهما القيادة السياسية في الكويت، وهذا ما جعل من دولة الكويت ونهجها السياسي، داخليا وخارجيا، أنموذجا تتمنى الكثير من الشعوب تكراره في بلدانها، ولولا تحلي القيادة السياسية الكويتية بهذه السمات، لكانت نزعة الانتقام حاضرة في تنفيذ مشروع توسعة ميناء مبارك الكبير، ولكانت الجزيرة التي ألغيت، هي أول مشاريع التوسعة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة