الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

أزمةُ طباعةِ الكتاب البحريني بين منعطفين مكلفٍ ومؤلم

مثقفون وفنانون يرون أن حركةَ طباعةِ الكتاب بطيئةٌ لغيابِ الدعم للكتاب الوطني





الكتاب البحريني هل يعيش في أزمة، لكثرة التأليف وانحسار الطباعة؟

وهل وزارة الثقافة ووزارة الاعلام عندنا في البحرين قد غطت كل جديد لدى الكتاب، أم أن الأزمة مازالت باقية، والمؤلفون مازالوا يسجنون نتاجهم الجديد داخل أدراجهم، يبحثون في الرماد عمن يساعدهم على طبع كتبهم، لأن اكثرهم أصحاب دخل محدود لا يكفي تغطية نفقات أسرهم، مما جعل من حالةِ الكتاب الجديد في المشهد الثقافي مأساوية ومؤلمة.

شريحة من المثقفين المؤلفين للكتاب وفنانين يعنيها طباعة الكتاب سلطنا الضوء عليهم تاركين لهم حرية البوح عن مشروع الكتاب الجديد وألم المؤلف، فاجابوا بالتالي:

الأديب الكاتب الروائي عبدالله خليفة يرى: أن الكتاب البحريني يعاني من مشكلات كثيرة، من دور النشر التي تستغل المؤلفين، حيث تعتبرُ العمليةُ تجاريةً محضة، إلا من بعض الدور التي تدرك قيمة المؤلف وقيمة الكتاب المرصود للطبع، لكن الأغلبية الساحقة من الدور تريدُ أرباحاً كبيرة على حساب المؤلفين، كما أن المؤلفين البحرينيين لا يحصلون على فرص في عرضِ كتبهم في المكتبات بشكل لائق أو جدير بمواطنيتهم.

كذلك فإن أجهزة الإعلام غير مهتمة بذلك.

ويضيف : بأن المؤلفين الشباب بشكل خاص من يخسر من هذه الظروف فلا يغامرُ بالطباعة وفي مرحلةٍ أخرى لا يتوجه للكتابة أصلاً، بسبب عمليات الإحباط التي تجري. خاصة وهو يرى القراء البحرينيين ضعيفي الاهتمام بالكتب والمكتبات، والصحف لدينا لا تخصصلا مساحات كبيرة لعرض الكتب الأدبية والفكرية خاصة المنتجة في منطقة الخليج.

وزارةُ الثقافةِ تطبع لبعض المؤلفين ومن لديهم علاقات خاصة معها، وليست هناك معايير وطنية في نشاطاتها وتعاونها، فتعتمد على الجوانب الذاتية والمظهرية والاحتفالية، ولهذا فإن الكتاب البحريني كقضية حضارية وثقافية كبرى ليس من اهتمامها.

كانت بعض السنوات السابقة حين كانت وزارة الإعلام كان ثمة اهتمام كبير بالكتاب البحريني من حيث طباعته وشراء نسخ منه وتشجيع المؤلفين بمختلف الطرق.

كذلك فإن المجلات الأدبية المحلية والخليجية لا تهتم بالكتب البحرينية، لكن المجلات الإماراتية تعتني بقوة واتساع مدهش بالكتاب الإمارتي وتقوم بتشجيع المؤلفين الإمارتيين بكل طريقة.أما القاص احمد المؤذن فيرى قائلاً: أستطيع القول ان طباعة الكتاب البحريني ورغم جهود وزارة الثقافة، لم يتحقق الشيء الكثير كمكسبٍ بالنسبة للمثقف البحريني، والدليل على ذلك أن خيار التمويل الشخصي المنفرد لايزال هو الأنسب، فأي كاتب أو شاعر لو جاء يحسب معادلة الربح والخسارة عندما يفكر في تقديم مشروعه الكتابي للوزارة، فسوف يتردد جراء المدة الزمنية التي تقارب الخمس سنوات، حتى تحقق هذه الجهة الرسمية حلمه و تصدرُ له كتاباً!

فالموضوع هنا يتعلق بالآلية التي يستند إليها مشروع الكتاب البحريني، وتساؤلات كثيرة تحيط هذا المشروع، منها مدى أولوية أو أحقية أصوات وقامات بعينها في الساحة الثقافية، تستحوذ على فرصة أكبر من غيرها، بينما هناك كتاب كثر ينتظرون دورهم.

هكذا يتعثرُ المشروعُ برمته ولا يبلغ غاياته التي أنشىء من أجلها، فغياب توزيع الفرص العادلة ولنقل شيوع محسوبية هذا وذاك، يعرض المشروع لفقدان المصداقية فيتجنبه المثقف البحريني في نهاية المطاف. برأيي أن وزارة الثقافة في حاجة إلى إعادة النظر وبدقة في تفاصيل وحيثيات مشروع طباعة الكتاب البحريني، فمن الضروري هنا مراجعة ما تم إنجازه، أين نجحنا وكيف نعزز هذا المكسب وأين أخفقنا فندرس الملابسات و نتجاوز الفشل؟

أمر آخر يراه المؤذن متسائلاً: هل عملت وزارة الثقافة على الاستفادة من تجارب الدول العربية التي سبقتنا في هذا الشأن؟

فلماذا لا تكون هناك جهات تساهم في دعم الكتاب البحريني محلياً؟

ويوضح المؤذن ذلك قائلاً: أن إشكالية الدعم تتعلق بالفائدة المتحصلة في النهاية، وهل الداعم مثلا يؤمن بأهمية دور الكتاب والمثقف في بناء الوطن؟ هذا سؤال ملح يحتاج إلى رؤية واضحة و جهات تؤمن بأهمية مشاركتها في تأسيس الثقافة ودعم مشاريعها كنوع من دعم المجتمع المدني ضمن عملية أكبر. اليوم هناك مؤسسات كثيرة في البلد تحمل لواء الثقافة ولكن الكثير منها لا تغامر في دعم الكاتب البحريني، أما لعدم ثقتها فيه أو لتحاشي مجالس إداراتها المغامرة بهذا الخصوص وتفضيل إقامة أنشطة أخرى أقل كلفة ربما.

لنتساءل.. ما هو مقدار ما تقتنيه وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين مع بقية الجامعات الخاصة وكل جهات التعليم والأندية الشبابية في البحرين، من الكتاب البحريني حال صدوره؟

بالطبع نحتاج لإحصائيات دقيقة هنا تشخص لنا الحالة، سوق المكتبات التجارية تعاني التكدس المتزايد للإصدارات البحرينية والخليجية و العربية والقارىء يكاد يكون غير موجود! هذه معضلة أخرى أعتقد يجب طرحها ضمن الموضوع ونحن نتحدث عن الكتاب البحريني.

أما القاص عبد العزيز الموسوي فيتساءل قائلاً: أزمة طباعة أم أزمة بضاعة؟

موضحاً ذلك بالقول: هل ثمّة أزمة حقيقية يعيشها المؤلف بالنسبة لنشر مؤلفاته؟ الإجابة ليست قاطعة لأنها تعتمد على معايير أخرى مثل الحالة المادية والحاجة الحقيقية للنشر والفائدة المرجوة من ذلك.

في السؤال الجازم هنا بأن المؤلف »البحريني« يعيش أزمة حقيقية يعاني بسببها الأمرين، هي تخص فئة محددة وغير قادرة على توفير النفقات التي تستلزم ذلك لأنها - غالبا - تكون مؤلفات لا تحقق رواجاً بمعنى أن دار النشر لا تحقق أرباحاً وبالتالي ستعتمد مبدأ استيفاء حق الطبع من المؤلف بشكل كامل في الأغلب الأعم.

مشروع وزارة الثقافة لتبني طباعة كتب للمؤلفين، مشروع لا يحقق ربحاً، هذا بعيد عن المعايير والمحسوبيات والاستراتيجيات والأكوام من المؤلفات القابعة بمخازن الوزارة دون العمل الحقيقي على تصريفها بشكل يليق بمكانتها كتباها، وهي مشكلة من ضمن قائمة لا حصر لها من المعوقات.

بالنسبة لي شخصياً أجد أن الأزمة ليست في طباعة كتاب بل في جعل هذا الكتاب ذا قيمة حقيقية تعود لمؤلفه بالفائدة وللقارئ على حد سواء، اليوم هناك الكثير من المبادرات المؤسساتية والفردية التي تتبنى طباعة الكتب دون مقابل أذكر تجربة المتكأ الثقافي الذي اعتمد على الترويج ووضع المؤلف على عتبة المشهد الثقافي وتحفيزه على الاستمرار، ودفع بالجمهور نحو تشجيع المؤلف بشراء نتاجه فلا أكثر تكريما وتشجيعاً من أن يشتري الآخرون نتاجك، فمسألة أن تطبعَ كتاباً ثم تختفي عن الوجود هذا أمر لا يمت للانجاز بصلة، ولو أردنا أن نعدد أصحاب الإصدار الواحد لما انتهينا.

هناك أيضاً مبادرات من وزارة التنمية والعديد من الوزارات ومن المراكز الثقافية في تبني الطباعة للمؤلفين والمواهب وهي خطوة بالاتجاه الصحيح إذا ما رافق ذلك أهداف محددة وليس استعراضاً فارغاً بالرعاية والطباعة.

ومنظور رؤيته للحل يراه المؤسوي قائلاً: إذا أردنا أن نجد حلولا منطقية علينا أولاً أن نعترف بأخطائنا كتاباً ومؤسسات، على المؤلف أن يزن ما يريد، وعلى المؤسسة أن تختار الأجدر الذي من المؤمل أن يدفع بعجلة استمرار المشروع، أيضا يجب أن يأخذ القطاع الخاص دوره وكذلك الأفراد، التشجيع على اقتناء المنجز المحلي، وإظهار المؤلفين وإشراكهم بشكلٍ إيجابي في كافة المجالات التي تتيح لهم المزيد من الخبرة والمعرفة بالداخل والخارج والترويج لهم كما يليق فالإعلانات للبضائع والمعارض لا تتفوق في شيء على شراء الكتاب غير التحريض على الاقتناء.

أما الفنان والكاتب إبراهيم الدوسري فيرى بخصوص طباعة الكتاب البحريني أنه يعاني من صعوبة طباعته وأن الكتاب البحرينيين يعانون عدم قدرتهم على طباعة نتاجهم ويعانون بسبب عدم وجود السيولة الكافية، حيث إن الكُتاب أغلبهم موظفون ورواتبهم في حدود احتياجاتهم، وهذا ما يتحتم على وزارة الثقافة أن تهتم اكثر بطباعة الكتاب البحريني ودعم المؤلفيين من الكتاب وذلك من خلال وضع آلية، يتم من خلالها اختيار الكتب المناسبة وذات الجودة العالية، كذلك من الضروري أن تتعاون وزارة الثقافة مع المؤسسات الكبرى الداعمة للثقافة لكي تسهم هذه المؤسسات في دفع الحراك الثقافي في البحرين.

كما يحدث ذلك عبر مشاريع وزارة الثقافة والتي تقوم بدفع مسيرة الثقافة وتفعيل مشاريع الثقافة ووزارة الاعلام فضلاً عن مشاريع مجلس مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة وفروعه المختلفة.

وحول السؤال لماذا لا يحصل الكاتب البحريني على القليل من هذا الدعم؟

يرى إبراهيم الدوسري أن الأزمة في الآلية التي تُدار بها حركة طباعة الكتاب لكون جميع الكتب المقدمة لوزارة الثقافة تظل لسنوات طويلة حتى تجد فرصتها في الطبع اذا أتت وقد لا تأتي!

ويتساءل الدوسري كيف يكون للكتاب الاهتمام الحقيقي مادامت هذه الاوضاع مسيطرة ومانعة لمسيرة حركة المؤلف؟ وليعذرني الكتاب أنفسهم الذين يعانون فهم يتكلمون بشكاواهم ولكنهم لا يتحركون في دفع ظلاميتهم في مطلب جماعي لفتح هذا الحصار.

أخيراً يرى الفنان والخطاط عبد الشهيد خمدن: إن الأزمة التي يعيشها المؤلفُ ليست منحصرة عليه لوحدة وانما الأزمة بعمومها أزمة ثقافية يعيشها المثقف، فالدعم لمجالات الثقافة قليل بالنسبة لحجم المشروع الثقافي.

فلستُ مع من يحملون جهةً ما أزمة انحسار عملية طبع الكتاب، أو ضعف حركة الطبع، فلو وجُد داعمٌ مساند لوزارة الثقافة ووزارة الاعلام من الوزارات الأخرى أو المؤسسات المحسوبة على الثقافة لكان حال المؤلف أفضل مما هو عليه الآن، لكن ابتعاد بعض ممن يدعمون الثقافة عن مشروع مساندة المؤلف أضعف حركة طباعة الكتاب البحريني.

وكل من له مشروع ثقافي أو فني يحب أن يجمع هذا المشروع في كتاب يحمل اسمه، لكن الكثيرين بل أغلب الكتاب هم من الدخل المحدود لا يستطيعون طباعة مؤلفاتهم دون داعم مساند لمشاريعهم، مما يدفع الأكثرية من الكتاب إلى الأقتراض وهذا مأساة الثقافة عندنا.

من جانب آخر يرى خمدن أن مشروع الكتاب المشترك في وزارة الثقافة مطول ومديد في الزمن، بحيث ينتظر المؤلف سنوات تصل لثلاثة أعوام وقد يرى كتابه النور أو يُرفض.

فنحن بحاجة لداعم مساند وغيور على حركة التأليف في وطننا، يدعم بسخاء الكتب ذات الجودة والتي هي كثيرة عند المؤلف البحريني لكنها حبيسة الأدراج لعدم قدرة المؤلف على تحمل تكاليف طباعتها، فلو وجدت مؤسسة راعية لمثل هذه المشاريع دون ابطاء، لكانت جميع مؤلفات كتاب البحرين ومثقفيها وفنانيها في رخاء وفي حركة ثقافية للكتاب الجديد والمنافس.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة