الروائية بنونة.. تكلمتُ لربع قرن وآن لي أن أصمت الآن!
 تاريخ النشر : السبت ٧ يوليو ٢٠١٢
بقلم: فيصل عبدالحسن
بمناسبة اليوم العالمي للشعر نظمت كلية الآداب في جامعة أكدال في الرباط يوم ٢٣ آذار "مارس" ٢٠١٢ أمسية شعرية، وكرمت خلالها القاصة والروائية بنونة، التي تعتبر من رواد القص المغربي، وقد بدت القاصة في ثوبها المغربي التقليدي، وهي التي كانت متمردة على الكثير مما كانت تعيشه المرأة المغربية من سلوكيات أو ما تلبسه النساء المحافظات في الستينيات، وكانت تظهر بينهن وهي ترتدي آخر صرخات المودة، التي كان ارتداؤها في ذلك الوقت يعتبر خرقا للتابوات المغربية، لقد بدت في أمسية تكريمها في مدينة الرباط أكثر مسالمة وهدوءا، وتقبلا للواقع المغربي بقضه وقضيضه، وبما يرضيها فيه، وما لا ترضاه فيه أيضا، وقد نالت منها السنوات وعانت مرض السكر، الذي منعها حتى من تناول الشاي والحلوى في حفل تكريمها، واكتفت بكأس من الماء، هذه الكاتبة الجريئة، ذكرتنا بما كانت عليه حين كانت كاتبة شابة متمردة على واقع الفتاة المغربية.
ابتدأ التكريم بشهادة قصصية من القاصة زهرة زيراوي، التي وصفت فيها بنونة بـ "زرقاء اليمامة" بينما وصفتها الراوئية د. لطيفة حليم بعد ذلك في شهادتها بـ "أيقونة" الآداب المغربي الحديث، ونبدأ بشهادة زيراوي التي قالت فيها: "أذكر امرأة عاشت في العصر الجاهلي، إنها زرقاء اليمامة، كانت ترى من مسيرة ثلاثة أيام، وكان بصرها بالليل أنفذ، فاحترس القوم نظرها، واحتاطت قبيلة ستغير على قبيلة زرقاء فقطع المغيرون أشجارا حملوها وساروا لقبيلة آل جديس، رأت اليمامة الزرقاء ذلك فقالت محذرة قومها: إني أرى شجرا من خلفها بشر ... لأمر ما اجتمع الأقوام والشجر.. قال قومها: زرقاء خرفت، فداهمهم زحف العدو، كلما تذكرت زرقاء اليمامة تذكرت الأديبة "بنونة" واعتبرت زيراوي أن عنوانات مجاميع قصص وروايات بنونة، هي جرس الإنذار الأول لأهلها كما زرقاء اليمامة "وهي صاحبة المجموعات القصصية والروائية" النار والاختيار، ليسقط الصمت، الصوت والصورة، الغد والغضب، الصمت الناطق، الحب الرسمي".
وتناولت زيراوي في شهادتها فهم بنونة للاختلاف بين هدفي الروايتين الغربية والعربية، فقالت "وعن موجات تقليد الرواية الغربية تقول الأديبة بنونة: كلما استقرأنا واقعنا وجدنا الآخر بالمرصاد، و كلما ظهرت موضة في الغرب، إلا لبسها البعض من "الأدباء" متنكبا جذوره، هو تقليد لذلك القالب الغربي بدل التغلب عليه، نستحضر في هذا السياق الدكتور عبدالله الفيفي الشاعر الباحث يقول: إن الرواية الحديثة تشهد بأخذها عن الغرب إلى درجة السرقة، وهذه مسألة يعرفها الباحثون في النقد الروائي، إنهم غربيون لا شرقيون و لا عرب، بل ما كان لنا أن نعرف قيمة "ألف ليلة وليلة"، ولا "رسالة الغفران"، و لا "التوابع و الزوابع"، و لا "حي بن يقظان"، و لا "رحلة ابن فضلان" إلى أوروبا، وغيرها من جهات الأرض لولا جهود المستشرقين، في تحقيق تلك النصوص وإخراجها الكتابة هي الذوق الراقي إلى سماوات التأمل الذي يتخطى خسة العضوي إلى نورانية الروح، هاهو الكاتب العربي اليوم تحت شعار الواقعية يتوسل مفردات الثالوث المعروف: الدين، الجنس، السياسة، وتلك شنشنة روائية نعرفها تتغنى بالواقعية من أجل واقعية السوق، وليس هو نقد للواقع بقدر ما هو تكريس له". نستنتج مما سقناه أن الأديبة بنونة تقف على جسر يلتقي عليه مجموعة من الرواد يشيرون إلى الخلل و يتطلعون إلى تصحيح المسار.
وتناولت شهادة الروائية د. لطيفة حليم قراءات واستنكارات عن أدب بنونة، منذ تفتح د. حليم الأدبي والفكري، بداية التسعينيات فقالت عن تلك الفترة "استعصى علي نقر حروف على الشاشة، لأشكل كلمات شامخة، في مثل شموخ أيقونة نساء المغرب بنونة. لم يسعفني النقر في العثور على كلمات أنيقة.. مسحت الحروف بسرعة وعدت اقلب ذاكرتي، لأحط في ظهر المهراز مترجية أن تسعفني العبارة، التي لم تكن تسعف الأستاذ الشاعر احمد المجاطي.. مترجية أن يسعفني الكلام في اليوم العالمي للشعر والذي تحضره بنونة. "وتابعت شهادتها بقولها عن الروائية المحتفى بها" بظهر المهراز شيوخ أساتذة من المشرق، وشبان أساندة من المغرب.
الأستاذ الشاعر محمد السرغيني، والأستاذ الشاعر احمد المعداوي، والاستاذ الشاعر محمد الخمار.
وكانت بنونة أيقونة، يتردد اسمها داخل ظهر المهراز، تبشر بحركة الريادة والتجديد في فن القصة ويذكر اسمها مع الأساتذة الشبان إبراهيم السلامي، ومحمد برادة، وإدريس التازي، وآخرون ...
وفي ختام التكريم قالت بنونة لمكرميها كلمة قصيرة عبرت فيها عن شكرها، وسعادتها بهذا التكريم في يوم الشعر العالمي، وما قالته أيضا "أبارك كل يد كتبت لتؤسس لأدب مغربي يشمخ في سمائها، ماذا أقول وقد قالتا كل شيء، وقد أعادتاني الى زمن قديم حين كنا ثلة صغيرة مشتتة تؤسس لأدب مغربي حديث، وهم الرفاق التي تفضلت د. لطيفة حليم بذكرهم، وذكر الفضاء الذي كنت ادرس فيه، وكانت قربنا كلية الآداب والشريعة ونحن هناك نعد على عدد أصابع اليد وكنا نؤمن باختياراتنا ونحفر في المستحيل، ونتجاوز ما كان موجودا ونؤسس لما هو قادم قلت مرة لإخواننا في مصر وبصدق، وبكل تواضع إننا تتلمذنا على الأدب العالمي والمصري والشامي والعراقي ونحن ما حبونا حتى انتصبنا واقفين، وهذه القلة من الأسماء التي تابعت صدور مجلة الهلال في مصر، والتي بهرتنا حقا، وجعلتنا نؤسس في الحقل الإبداعي، فانبهر المصريون بما حققناه وقالوا عنا" الأدب في المغرب ما ان حبا حتى نهض "كنا نحرق المراحل، وأتذكر جاءتني مراسلة مجلة فرنسية، وكانت بيني وبينها اختلافات، وقلت لها سيدتي ان كانت بعض الأقلام التي ليس لها خلفية إبداعية، وهي مغرمة بتسطيح الكلام، وليست لأصحابها رؤية ولا قراءات متعددة، وبالنسبة لها حلم تجاوز هذا الواقع من المستحيلات، لست فلانة وأدبي ان لم يعجبك ففيه فكر مغربي حقيقي، وانتم لا تريدون هذا الفكر الحقيقي الأصيل على أية حال قلت لها أنا لا انتظر شكرا يقدم لي من خلال التلفزة الفرنسية، لكن لو ان هناك عندكم براءة في التعامل مع ما أفرزته الساحة المغربية، وقادرون ان تفتحوا صدوركم لأسماء أخرى، ونتاجات أخرى، فإنني سأرحب بالحديث لمجلتكم".
ولكنني لست فلانة المتزمتة بل أنا تلميذة للفكر الإنساني والإبداع الإنساني مشرقيا ومغربيا وأنا أومن بالذات وأنا هنا منطلقة من هذه التربة بخصوصياتها التي تعجبكم أو لا تعجبكم ومن هذه التربة انطلقت ومن هذه التربة إبداعي فتحملي حواري معك وأرجوك ان توضحي سؤالك، فطرحت السؤال بشكل يحمل تأويلات وأوجه أخرى، فقلت لها انك بهذا السؤال تضعين هويتنا في قفص الاتهام، وإن كنت على خطأ، فصححي لي وأن سؤالك ان المجتمع العربي والإسلامي والمغربي مجتمع متخلف، فكيف ينتج أدبا حديثا؟ قلت لها اقرئي التاريخ وصفحاته وصفحات شعوبه، وانظري مجد هذا الشعب وأيامه السابقة، وسبب التخلف عندنا يعود الى تخلف المرأة، فاحمر وجه الصحفية، فقلت لها قبل ان تتصلي بي اسألوا عني، وعلى أي حال لا بد أنكم من مجلة لا تبحث في ماضي من تحاورهم، وما أرجو ان تعرفوه عني إني مغربية مسلمة.
"وتحدثت القاصة والروائية بنونة عن تجربتها في إدارة مجلة شروق، التي تعتبر المجلة الثقافية النسائية الرائدة بعد مجلة روز اليوسف في مصر، وذكرت من كان يكتب فيها كالسرغيني، السحيمي، برادة وغيرهم" وفي الختام قالت "لقد تكلمت لربع قرن وآن لي أن أصمت الآن.. وآن لهذه الفارسة أن تترجل".
.
مقالات أخرى...
- نزيفُ الشر - (7 يوليو 2012)
- "البحرُ لا يعتذرُ للسفن" ديوانُ علي الشرقاوي الجديد بلاغةٌ مفضوحةٌ بالتفاؤل عبر حالاتٍ وفواصل - (7 يوليو 2012)
- فرغلي عبدالحفيظ.. كرنفال بالألوان والخطوط - (7 يوليو 2012)
- حكاية ١/٢ ثورة بعيون أجنبية - (7 يوليو 2012)
- ثنائية الواقع والمتخيل في رواية سلالم النهار لفوزية السالم (١-٤) - (7 يوليو 2012)
- قضايا ثقافية حنجرة ثقافية قتلناها - (7 يوليو 2012)
- حرقوا قناة وحطموا المسرح البلدي سلفيو تونس يدوسون «ياسمين» الثورة - (30 يونيو 2012)
- فنانة وقفت على باب التقوى في بروكسل - (30 يونيو 2012)
- قصيدتان للشاعر الهندي: فراق جوراخبوري - (30 يونيو 2012)