بيت كاثوليك بدون تنصير مباشر
 تاريخ النشر : السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢
جعفر عباس
كان بيت الشباب الكاثوليكي الذي قرروا إسكاننا فيه خلال فترتنا الدراسية في لندن، يضم طلابا من جميع القارات، والملل والنحل، بل كان الكاثوليك فيه أقلية لا تكاد تذكر، فذلك البيت شأنه شأن البيوت المعروفة باسم واي إم سي إيه ACMY وهي noitaicossA naitsirhC s?neM gnuoY، أي رابطة الشباب المسيحي (يا منز).. ورغم ان التسمية تشير تحديدا إلى ان الرابطة تخص المنز (الرجال) إلا أن البيوت الشبابية التي تحمل تلك اللافتة تسمح بإقامة مختلطة بعكس البيت الكاثوليكي الذي كنا نقيم فيه لأن الكاثوليك «طالبانيون» مقارنة ببقية الطوائف المسيحية، بل لديهم تعاليم متشددة تجعل «طالبان» حركة ليبرالية مقارنة بها.. وكانت معنا زميلة إيرانية مسلمة تقيم في واي إم سي إيه... وقد مللت عبر السنين لطم الخدود وشق الجيوب حول حيل الكنائس في تنصير الناس، ولو طلبوا من مجموعة من خمسة طلاب مسلمين (كما حدث معنا) في هذه الأيام الإقامة في بيت يتبع للكاثوليك، لكان استنتاجهم: أيوه هؤلاء الملاعين عايزين يسووا فينا جميلة، ويسكنونا عندهم وشوية شوية يعطونا جرعات تنصير في الوريد.. وما زالت في مختلف بقاع العالم مئات بيوت الشباب التابعة للكنائس، والتي يقيم فيها الشباب مجانا او نظير مبالغ رمزية، ولا يمارس داخلها أي نشاط تبشيري، ولكن من الغباء افتراض ان الكنائس تفعل ذلك فقط كعمل خيري، أي من باب مساعدة المحتاجين.. لا، إنه بالضبط تأليف القلوب الذي يحثنا عليه الإسلام.. افتح المدارس والعيادات باسم الكنيسة في الأدغال والمناطق النائية المتخلفة اقتصاديا، وشوية شوية سيحفظ بعضهم الجميل ويتعلق بالكنيسة التي تشرف على مثل تلك الخدمات.. وهل الولايات المتحدة سباقة لنجدة ضحايا الكوارث في كل القارات لأن حكومتها «حنينة»؟ أفاعيل الحكومة الأمريكية في كل القارات تدل على أنها تتحول إلى بلدوزر يقضي على اليابس والأخضر في سبيل مصلحة تجارية او اقتصادية او استراتيجية، ولكنها تخصص مليارات الدولارات سنويا لمساعدة عشرات الدول، لتأليف قلوب حكوماتها وشعوبها حتى يدوروا في فلكها.
كانت مجموعتنا السودانية مرفهة مقارنة ببقية الطلاب المقيمين في بيت الشباب الكاثوليكي، فقد كانت تنفق علينا حكومة ألمانيا الغربية بسخاء (لأنها من كانت تقدم المنح المالية والتدريبية للتلفزيون السوداني منذ إنشائه ولقرابة ربع قرن)، وفوق هذا كنا جميعا موظفين في السودان ورتبنا لتحويل قسم من رواتبنا إلى لندن عبر السفارة السودانية، وكان الجنيه السوداني وقتها يساوي قرابة جنيهين إسترلينيين، وكنا كلما جلسنا نشرب الشاي في الكافيتريا، جاءنا زميل «مقطّع» هولندي او هندي او إنجليزي ويطلب منا عدم إلقاء أكياس الشاي في القمامة، ليقوم بجمعها ووضع عدد منها في كوب ويصب عليها ماء مغليا ويعد لنفسه «شاي سكند هاند».. ومن عجائب ذلك البيت أن عددا من الهنود صادقونا نحن أفراد المجموعة السودانية بزعم أنهم أفارقة.. أفارقة إزاي يا صاحبي وشعرك مثل الحرير وأنفك ربع أنف الأفريقي؟ كانوا شديدو الاعتزاز بأنهم تنزانيون وكينيون.. نعم من أصول هندية ولكنهم اتخذوا من دول إفريقية موطنا لهم جيلا بعد جيل، وكان هناك أوغنديون من أصول هندية ضحايا اللوثة التي أصابت ديكتاتور أوغندا السابق إيدي أمين دادا، فقرر طرد مئات الآلاف من مواطني بلاده ذوي الأصول الهندية في غضون شهر واحد وصادر ممتلكاتهم ولم يجدوا بلدا يؤويهم سوى بريطانيا.. وكان من أقرب الناس إلى مجموعتنا هاري ليشنر الأوغندي الهندي وسألته ذات مرة: ماذا تدرس فقال: سادلري yrelddas وكان أهله يقيمون في مدينة إبسويتش فقلت له ما معناه: الله يخيبك.. سايب بيتك وأهلك عشان تبقى سروجي؟ صانع سروج في بلد ليس فيه عربات كارو؟
jafabbas١٩@gmail.com
.
مقالات أخرى...
- يوم أصبحت «عربيقيا» - (13 يوليو 2012)
- في كفالة الكاثوليك - (12 يوليو 2012)
- أول حصة درس في السلامة - (11 يوليو 2012)
- الشاطر طلع غبي - (10 يوليو 2012)
- اليوم الأول تحت الأرض - (9 يوليو 2012)
- صدام الحضارات يتصاعد - (8 يوليو 2012)
- الصومالي و"الجنس على الجنس رحمة" - (7 يوليو 2012)
- بداية صدام الحضارات - (6 يوليو 2012)
- حفيد عنتر خاف من الإسكاليتر - (5 يوليو 2012)