الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٢ - الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


لا ضرر للبحرين





بدأت هذه الشركة بمشروعها العقاري الرائد الذي رصدت له ميزانية فاقت الثلاثمائة مليون دينار بحريني ووصل بها الحال الآن إلى أنها توقفت عن إنهاء ما يفوق ربع المشروع تقريباً مما كان مخططا تنفيذه بسبب الفساد وسوء التخطيط، مقروناً بسوء الإدارة والإهمال الجسيم واللامبالاة.

فقد باتت الشركة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المقاولين الذين أنجزوا ثلاثة أرباع المشروع تقريباً، علما بأن المبلغ المطلوب للوفاء بالتزامات الشركة مع المقاولين عشرون مليون دينار بحريني، فأي ميزانية هذه التي بات العجز فيها عشرين مليوناً، فهل هو ثقب أسود؟ أم هل هي محفظة سوداء التي بلعت الميزانية؟ أم هل هو إهمال جسيم وسوء إدارة؟

ولو استعرضنا بعض المشاكل التي يعاني منها المشروع للاحظنا أن الفلل التي تباع مرهونة لبنك تجاري كبير في البحرين فحتى لو دفع صاحب الفيلا قيمتها كاملة فإمكانية حصوله على فيلته مشكوك فيه ليس إلا لسبب أن البنك يحمل الآن حق الامتياز على الفلل.

وإن أكبر مساهمي المشروع وهو مصرف استثماري يواجه مشاكل عدة في البحرين وفي خارجها، ومن الظاهر أن التلاعب يشوب عمليات المصرف والشركة. فتعيين شقيق الرجل الثاني في المصرف رئيسا تنفيذيا للشركة، وشقيق الرجل الأول في المصرف مديرا في الشركة تحوم حوله علامات استفهام عدة تستوجب طرحها، ومن ثم نقل الرئيس التنفيذي للشركة الى مشروع ثان لعدم إنجازه الهدف المرجو منه خلال فترة العامين اللذين قضاهما في المشروع، حيث باع من المشروع ما يقل عن ٤% فقط، مساءلة أخرى تستوجب الرد. ثم تعيين أجنبي محل الأخ الفاضل والذي بدأ يبيع ما يعادل ٤,٣% شهرياً وبالتالي وبقدرة قادر إرجاع الأخ الكريم إلى وظيفته مساءلة ثالثة.

وعندما جهزت بعض فلل العرض في المشروع رفضت الشركة العروض المقدمة من شركات الديكور والتأثيث وإحداها شركة "أرماني" العالمية التي قدمت عرضاً مجانياً بغرض أن يتم ترشيحها لتأثيث باقي الفلل وأخرى شركة مؤهلة محلية، ولكن المناقصة الوهمية رست على شركة بحرينية أخرى امتلكت من المقومات والمؤهلات ما لم تمتلكه الشركتان الأخريان لان مالكها هو الشقيق الآخر للرجل الثاني في المصرف والرئيس التنفيذي، والذي كان عرضه، طبعاً، أعلى من أقرب عرض له بما يعادل ٥٠% من السعر.

وتتوالى المفاجآت فالرئيس التنفيذي وأخوه المصرفي يحجزان تسع فلل بأسمائهم وبأسماء أفراد أسرهم وفي مكان مرموق من المشروع وبتخفيض معتبر في السعر المعروض وبعد فترة من الزمان وعند ركود السوق وعدم رغبة المشترين في المشروع قرر الأَخَوان التخلص من الفلل أحسن من الإبقاء عليها وبالذات حيث إن الفلل لم تكن قائمة بعد، وكانت محجوزة على الورق فقط.

وهنا لعب الأخ المصرفي دور المنقذ ليشتري الأراضي، وقد فعل ذلك على مضض وهو يردد "مرغم أخاك لا بطل"، وطبعاً كان سعر الشراء ثلث السعر السوقي لأراضي المشروع. ولم لا فهذه أرض والأرض لا تموت ومردها ستدر عليه الأرباح يوما ما فالسعر الذي اشترى به سعر بخس و يشهد الله أن نواياه كانت حسنة، وعلى فكرة فإن أهلهم الذين كانوا قد حجزوا الفلل فضلوا الانتقال إلى فلل أخرى جاهزة، وكان لهم ما اشتهوا، وتقديراً لتنازلهم الكريم حصلوا على تخفيض إضافي ليبلغ إجمالي التخفيض الممنوح لهم ١٥% من السعر تقريباً إضافة الى التخفيض الممنوح على الأراضي، وما زلنا سيداتي وسادتي نتساءل لماذا خسر المشروع؟ أهو ثقب أسود أم محفظة سوداء؟

ومن مظاهر التلاعب والفساد وسوء الإدارة والإهمال وُقع عقد استشارة مع شركة استشارية بمبلغ مليوني دينار في حين أن هذه الشركة الاستشارية لم تقدم أية خدمات إلى الشركة والمبلغ تم دفعه بالكامل، ولتناط عملية إنجاز الخدمة المطلوبة إلى شركة أخرى محلية وبثلث السعر المدفوع للشركة الأولى فماذا يا ترى حصل للمبلغ الأول المدفوع؟ وهل شارك في الغنائم والسبايا من شهد الغزوة؟

والآن تظلم الشركة عددا لا بأس به من الموظفين، انتقى منهم الرئيس التنفيذي من هم ليسوا من عائلته أو أقاربه بل كل من كان يعمل بضمير، وفصلهم تعسفيا وبغير وجه حق بدافع أن الشركة متعثرة، وكأنه لم يكن هو وزمرته من أسباب تعثرها، و حالياً ترفض الشركة استلام احضارية وزارة العمل التي تريد أن تفصل في مسألة حقوق المفصولين، بأمل أن تُصفى الشركة أو أن يستحوذ عليها البنك الذي يحجز على غالبية أصولها أو أي واحد من كبار المساهمين، وبهذا تكون القضية العمالية مشكلة الغير.

وهكذا تضيع حقوق من أفنوا أنفسهم لخدمة الشركة ورفعتها ليستفيد عدد من الفاسدين وقليلي الخبرة ممن وُضعوا في مناصب ليس إلا لصِلة قرابتهم، علماً بأن تعويض المفصولين لا يتعدى قيمة فيللا واحدة أو بطريقة حسابية أخرى ١٠% تقريبا من قيمة يخت الحبر الأعظم للمشروع.

إن من المضحك المبكي في هذا المشروع العقاري أن كل موعد نهائي تم تحديده لإنهاء المشروع لم يتم الالتزام به، علما بأن ما لا يقل عن ثمانية مواعيد نهائية تم تحديها، وإن أول مشتر في المشروع مازال ينتظر الفرج حيث إنه لم يستلم فيلته بعد، علما بأن ثلاثة أرباع المشروع بيع حتى الآن.

ولمن يريد أن يتحقق في مسألة التلاعب الدائرة في هذه الشركة فلينظروا الى أكبر أصل على دفاترها والذي يقدر سعره بعشرين مليون دينار والذي تم تحويله الى المصرف المالك للنسبة الكبرى من المشروع بقيمة ١,٥% من سعرها الأصلي والسؤال هو: هل تمت عملية مقاصة الأصل المنقول ضد قرض كان المصرف قد قدمه إلى الشركة أم لا؟ وهل سبب ذلك لتتواصل عملية ظهور القرض على دفاتر المصرف ليكسب المصرف أكبر حماية ممكنة ضد دائنيه.

هذا وإن لم تخني ذاكرتي فقبل برهة من الزمان رفع وزير خليجي تقريراً إلى عاهل الدولة التي ينتمي إليها، بين فيها كيف أن أحد مواطنيه المعينين في شركة كبرى في البحرين كان أيقونة للفساد وكيف أنه وبعض شركائه من البحرينيين كانت رائحة الفساد تفوح منهم، وعليه طلب من عاهل بلاده الموافقة على التعامل الصارم مع هذا الفاسد، وخوفا من العاهل على سمعة البحرين وبخاصة شركاء إبن بلدهم علق على التقرير بثلاثة كلمات "لا ضرر للبحرين". وفي حين أنه لا يسعنا هنا إلا أن نشكر نخوة وشهامة العاهل الخليجي المَععني، فإننا نقول، إن كانت تلك نخوة وشهامة جار الدار أليس الأجدر برب الدار أن يضع حداً للفساد والتلاعب والإهمال الجسيم؟ هذا والله من وراء القصد.

محام ومستشار قانوني



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة