الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٣ - الاثنين ١٦ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

نقرأ معا


"الفتوة" في السينما المصرية





صدر حديثا ضمن سلسلة "كتاب اليوم" في مصر كتاب بعنوان "الفتوة في السينما المصرية"، للكاتبة الصحفية والناقدة السينمائية ناهد صلاح، وهو كتاب يقدم بحثا شائقا وجديدا عن شخصية "الفتوة"، ويتناولها من خلال تحليل الشخصية الإنسانية لها، ليخرج بها من شريط السينما إلى الواقع والحياة، وتوضح كيف جسدت الأعمال السينمائية دور المرأة، وكيف رسمت شخصياتها في الأفلام، التي كان محورها "الفتوة" و"الفتونة"، وهل هي دائما الشخصية التي تقود الفتوة البطل إلى الهاوية؟، ولماذا أصر صانعو الأفلام على أن يجعلوها رمزا للغواية والشهوة على طول الخط؟

وتتناول ناهد صلاح في كتابها عدة محاور مختلفة حول شخصية الفتوة تمثلت في (لماذا الفتوة الآن؟ الفتوة والبلطجي، من هو الفتوة؟ الفتوة على الشاشة، الفتوة ليس فتوة، المرأة والفتوة، شهادات وحوارات من صناع الفتوة).

وتقول الكاتبة نوال مصطفى، رئيس تحرير سلسلة "كتاب اليوم"، إن الناقد ناهد صلاح، نجحت في هذا الكتاب في أن تحافظ على تلك الشعرة الدقيقة الفاصلة بين "الفتوة" و"البلطجي"، فالفتوة كما وصفته هو "المعادل الشعبي للحاكم الشعبي"، ووجوده حاجة ملحة لضبط ميزان الأمن والأمان في مجتمع يعاني ظلم الحاكم وظلم الاستعمار والفقر المدقع.

وشريط السينما والأفلام المصرية شاهدة على التاريخ المصري، وكانت مؤيدة بحركة أدبية عظيمة من كبار أدباء مصر لذا فقد أبرزت في هذه الشخصية "الفتوة" وأسقطت عليها مناحي كثيرة من الحياة المعاصرة المصرية على طول التاريخ السينمائي منذ الأربعينيات حتى الثمانينيات، حيث نرى فيه دائما مثالا للمجتمع بكل ما فيه من عيوب، ومثالا للسلطة الغاشمة أو القامعة، أو يخرج إلى المشاكل الإقليمية والعربية والصراع العربي الإسرائيلي مثل فيلم "سعد اليتيم".

وتقول نوال مصطفى، إن هذا الكتاب يعد واحدا من الكتب المهمة لدارسي السينما وعلاقتها بالمجتمع المصري، فالشخصية المصرية التي تطورت ودخلت عليها عوامل عديدة منذ الاشتراكية إلى العولمة سيجدها أي عاشق للفن السابع مرسومة داخل سيناريوهات الكتاب وعلى شاشة السينما.

وتوضح أن من أكثر الفصول التي لفتت نظرها ودفعتها إلى قراءتها مرات هو "المرأة والفتوة" الذي تقدم فيه ناهد صلاح أنماطا من شخصية المرأة أو البطلة في أفلام الفتوات، التي انحصرت بين "اللعنة"، التي تصيب البطل الشهم الذي يمثل طغيان القيم الذكورية في المجتمع، أو الفتاة الريفية الساذجة، أو المرأة المحرضة المحبة للسلطة، وهي نظرة تفتقد الحقيقة ولا تستخدم المرأة إلا كمكون لتحريك الأحداث فقط لا غير.

وتجيب ناهد صلاح حول تساؤل لماذا الحديث عن فتوات قدمتهم السينما المصرية منذ أكثر من عشرين عاما، في مرحلة الثمانينيات تحديدا، نقلا عن أعمال أديبنا الكبير نجيب محفوظ، وخاصة "الحرافيش"؟ قائلة: هل لنثبت لأنفسنا أن الأيام الخوالي بكل ما حملته من قسوة وقهر كانت أهون وأجمل وأخف من سوط العنف الذي يلهب حياتنا في الزمن الحالي سواء على الصعيد العالمي أو العربي أو المحلي؟ أم لنؤكد القاعدة التي تقول إن التاريخ يعيد نفسه؟ فالكثيرون ينظرون للتاريخ بأنه مجموعة من الأحداث تكرر نفسها في الحاضر.

وتقول ناهد صلاح، إن انتشار ظاهرة العنف عالميا، وازديادها وخصوصا في السنوات الأخيرة، في ظل الهيمنة المطلقة لأمريكا على مقدرات الشعوب الأخرى، انطلاقا من مفهوم القوة بعد فوزها بالنبوت على القطب الثاني في الحرب الباردة، أفرز تعبيرات من نوع "الفتوة المعاصر" و"البلطجي الأمريكي"، وما إلى ذلك من تعبيرات أصبحت تسود الفضاء العالمي وتتعلق باستخدام نظرية "القوة تصنع الحق" باعتبارها النظرية التي تتعامل بها أمريكا مع العالم.

هذا التأثير الصارخ لأمريكا في العالم كله، فإنها بالطبع استطاعت أن تصدر ثقافة العنف لمجتمعنا المحلي عبر السينما الهوليوودية التي كرست لثقافة العنف بدءا من أفلام الكاوبوي حتى أفلام حرب الكواكب، فعاد نموذج الفتوة الذي تلاشى منذ سنوات بعيدة للوجود بقوة مرة أخرى في الشارع المصري، وإن كان لا يملك ملامح الفتوة، كما رأيناها على الشاشة الفضية أو على صفحات نجيب محفوظ، فنحن نستطيع أن نلاحظ أن هناك فرقا بين هذا النموذج الذي ولد من رحم مجتمع صار يفتقد القيم والأهداف، فهو بالأحرى "بلطجي" يطلقون عليه "الفتوة" في زمن افتقد فيه الشعب كل مؤهلات الثقة برجال الشرطة، وأصبح البديل الحالي للفتوة في العصر الرأسمالي هو "البلطجي" سواء على المستوى الدولي، كما نرى في ممارسات الهيمنة الدولية، أو على المستوى المحلي كما في حالات مثل "البودي جارد"، الذي يعمل لصالح بعض الأغنياء والنجوم والمشاهير بدون أية منظومة قيمية أو أخلاقية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة