أمريكا اللاتينية من بوليفار إلى جيفارا
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٠ يوليو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن أحمد عثمان
حسبما تتجدد المبادئ الانسانية والأممية في وجدان المناضلين.. فإن طالبي الحرية في كل مكان يحتفون بذكرى ميلاد أصحاب هذه "المبادئ".. بقدر ما ينحنون إجلالا ليوم رحيلهم أو استشهادهم.. ذلك تكريما لتضحياتهم الوطنية بنكرات ذواتهم التي وضعوها فوق الجراح بل تجاوزها الآلام.. واعتزازا بمواقفهم المبدئية والتاريخية التي من خلالها نسجوا أعظم الملاحم الفلسفية والوطنية والجماهيرية بأفكارهم وآرائهم وبأقلامهم وكلمتهم.. مثلما سطر هؤلاء العظماء أروع النضالات البطولية ببسالتهم ودمائهم وعرقهم وأرواحهم.. ليغالبوا أقسى الآلام المفصلية، فيركبون أمواج المخاطر.. وليواجهوا أبلغ المكابدات الموجعة، فيقهرون قسوة الدروب الوعرة.. فجاءت حصيلة تضحياتهم ونتائج نضالاتهم، بأن وجدوا مكانتهم عظيمة في قلوب شعوبهم، وأفئدة مجتمعاتهم ووجدان أمتهم.. بما يليق بمقامهم وتاريخهم، ويتماشى مع مكانتهم واعتبارهم.. إن مبعث هذه المقدمة الموجزة، هو رغبتنا التطرق الى إطلالة مناسبة وطنية ومبدئية، يحتفى بها وبمفاهيمها هذه الأيام شعوب دول أمريكا اللاتينية.. وهي مناسبة ميلاد كبير رموزها الوطنية، وأحد مؤسسي دول هذه الشعوب.. دول أمريكا اللاتينية.. هو الزعيم الوطني والأب الروحي (سيمون بوليفار)، الذي يصادف عيد ميلاده في اليوم الرابع والعشرين من شهر يوليو.. ولد هذا القائد الفاتح الفنزويلي في (٢٤ يوليو ١٧٨٣ ورحل في ١٧ ديسمبر ١٨٣٠) عن عمر قصير بلغ الـ (٤٧) عاما.. لكنه كان حافلا بأمجاد الحرية والتحرر والاستقلال الوطني.. بقدر ما كان صاحب هذا "العمر" مسكونا بأحلام شعبه وطموحات أمته.. بعد أن حرر دول أمريكا اللاتينية من احتلال الاستعمار الأجنبي وخاصة الاستعمار الاسباني.. وفي مقدمتها "فنزويلا وبيرو والاكوادور وبوليفيا".. ليبلغ هذا القائد مرتبة العظماء من الفاتحين التاريخيين والمحررين للشعوب والأمم وطالبي الحرية والكرامة الانسانية.. بشخصية كاريزماتية قيادية ونضالية، ألهبت مشاعر وحماس شعوب دول أمريكا اللاتينية، واستنهضت عزائمهم وارادتهم.. لطالما صاحب هذه "الشخصية" الزعيم (سيمون بوليفار) تشربت "ثورته التاريخية" من مبادئ الثورة الفرنسية التي اشتعلت شرارتها من اشعاعات المبادئ الوطنية والثورية والفلسفية، لرواد هذه "الثورة" وقادتها "دانتون وديدرو وفولتير وروسو".. بحملهم جميعا مشاعل الحرية ولواء التحرر وراية حقوق الانسان.. وبقدر ما تأثر محرر دول أمريكا اللاتينية القائد (سيمون بوليفار) بالثورة الفرنسية.. فإن أفكاره ارتبطت ارتباطا جدليا بمبادئ الثورة الامريكية التي انطلقت شرارتها بقيادة الزعماء التاريخيين (جورج واشنطن وابراهام لنكولن وجيفرسون وتوم بين) بترسيخ ارادتهم الوطنية وتعزيز مبادئهم التحررية، بمقاومة الاستعمار البريطاني، حتى التحرير والاستقلال الوطني.. لعل في ذات السياق فإن ما يبعث على القول فخرا انه حسبما تأثر محرر دول أمريكا اللاتينية (سيمون بوليفار) بالثورتين الفرنسية والامريكية.. فإن المناضل الأممي الارجنتيني (ارنستوتشي جيفارا) قد تأثر بوطنية وثورية الاب الروحي (سيمون بوليفار).. ذلك باتخاذه قدوة وطنية ومبدئية للنضالات الاممية.. هو حينما ترك (جيفارا) وطنه الارجنتين وترك زوجته وأولاده.. ومن هناك التقى برفاق دربه وعلى رأسهم (فيدل كاسترو).. منطلقين بثورتهم التحررية الكوبية التي أطاحت بنظام الديكتاتور (باتيستا) عام ١٩٥٩ واقامة النظام الاشتراكي في كوبا.. ولطالما هذا المناضل الاممي (جيفارا) عقد العزم على مواصلة نضالاته.. فإنه ترك كوبا.. متوجها الى عدد من دول افريقيا (والكونغو) على وجه الخصوص.. ليتجلى هناك بمرتبة القادة الامميين، وبمقام الثوار في الصفوف الامامية.. مناضلا صلدا وفارسا مقداما ومحاربا عنيدا في مواجهة الاستعمار البلجيكي هناك.. وتأتي المحطة الاخيرة لنضالات (جيفارا) الاممية.. حينما غادر (الكونغو) متوجها الى (بوليفيا) عام ١٩٦٧م.. دعما لحركة التحرر الوطني وفي مواجهة النظام الاوتوقراطي هناك.. متنقلا بين أريافها وقراها ساعيا الى تنظيم وتهيئة كوادر الثورة ومن أجل إعداد تلك الثورة.. ولكن الظروف (الذاتية والموضوعية) في بوليفيا جاءت على عكس خطة (جيفارا) سواء التكتيكية او الاستراتيجية.. ليتعرض للملاحقة والحصار، ومن ثم إعدامه أو بالأحرى اغتياله على أيادي "السي. اي. ايه" والعسكر البوليفيين.. وهكذا (ايليتش راميز سانشير) الملقب بـ (كارلوس) والذي يرزح الآن في السجون الفرنسية.. قد استرشد بخطى (جيفارا) الوطنية والنضالية والمبدئية.. حسبما من معين نضالات الاب الروحي لشعوب أمريكا اللاتينية (سيمون بوليفار) اقتداء بشجاعته الوطنية وتضحياته المبدئية.. لقد انطلق (كارلوس) في عقد الستينيات من القرن الماضي، متنقلا ما بين كوبا والاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية حينذاك.. ثم متنقلا في بعض دول المواجهة العربية مع اسرائيل.. اذ كان في أوساط المقاومة الفلسطينية في عقدي الستينيات والسبعينيات كادرا ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين.. لتمتد ضد المصالح الصهيونية والدول الغربية المساندة للعدو الصهيوني.. لعل على الصعيد ذاته يمكن القول انه مثلما تبوأ قادة امريكا اللاتينية المناضلون والثوار الفاتحون (بوليفار وجيفارا ) قمة النضالات الاممية والوطنية والمبدئية والجماهيرية.. فإن دول امريكا اللاتينية انطلاقا من (فنزويلا) مسقط رأس محرر دول امريكا اللاتينية (سيمون بوليفار).. قد كوّنت الزعامات والقادة التاريخيين، وكبار الشعراء والمفكرين المرموقين.. وفي مقدمتهم الرئيس التشيلي الاشتراكي مرشح الجبهة الوطنية (السلفادور الليندي)، المنتخب في ٤ سبتمبر عام ,.١٩٧٠ والرئيسة اليسارية (ميشيل باتشيليت) المنتخبة في ١٥ يناير ٢٠٠٦م، ومثلما أوجد واقع هذه الدول الزعامات الوطنية والرؤساء الماركسيين الملتزمين، في العديد من دول أمريكا اللاتينية.. فإن هذه الدول قد تجلت وارتقت بأبرز الشعراء العظام، وهو الشاعر والأديب والدبلوماسي التشيلي (بابلو نيرودا) والعضو في الحزب الشيوعي التشيلي وشاعر الشعب الأول.. بروائع ملحمته الأدبية والمبدئية "الانشودة الشاملة" التي تمثل المرجعية للمناضلين وطالبي الحرية في كل مكان.. لعل بهذا الإطار في نهاية المطاف، فإن ما يبعث على فخر الشعوب قاطبة.. هو يوم عيد ميلاد الأب الروحي لدول أمريكا اللاتينية ومحررها "سيمون بوليفار"، الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه بمكتسبات تضحياته وانجازات نضالاته وبتألق مبادئه وأفكاره، التي جميعها سكنت وجدان الشعب.. حسبما سجلها التاريخ في سجل الخالدين.
.