الاحتلال الصهيوني: "أملاك الغائبين" نموذجا
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٠ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد عبدالرحمن
بات جعل مدينة القدس (العاصمة الكبرى لإسرائيل) واحدا من أهم الأهداف والركائز التي يقوم عليها المشروع الصهيوني. وفي التقرير العلمي الأحدث، الذي أعدته منظمة التحرير الفلسطينية، وتم فيه رصد السياسات الاسرائيلية الأحادية في القدس الشرقية المحتلة والدعم المطلوب لمواجهة سياسة التهجير للإنسان والمؤسسات من "زهرة المدائن"، تطرق التقرير إلى عنوان كبير هو تطبيق قانون ما يسمى "أملاك الغائبين"، الذي أقره الكنيست في ١٩٥٠، واستهدف أساساً أراضي من وصفهم القانون بالغائبين، فاستطاع اليهود بموجبه الاستيلاء على منازل الغائبين وحوانيتهم وأموالهم ومشاغلهم ومخازنهم وحتى على أثاث بيوتهم. وخلال الفترة التي تلت حرب ١٩٤٨، تم التوسع الاستعماري/ "الاستيطاني" بواسطة سلسلة من القوانيـن - زاد عددها عن ثلاثين قانوناً - يكمل بعضها البعض بشكل يتيح للدولة الوليد الاستيلاء على الأرض الفلسطينية التي هجرها ساكنوها وأراضي من بقي منهم فيها. وقد هدفت هذه القوانين إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال الذي تم بفعل القوة والاغتصاب، مثلما أنها ضمنت السيطرة على ما بقي من أراضي الفلسطينيين، تحت سـتار الأمن والمصلحة العامة.
يبرز قانون "أملاك الغائبين" كواحد من أغرب القوانين في العالم. فهو يسمح للمحتل بمصادرة أملاك من تركوا أرضهم خوفاً من الحرب، حتى وإن كانوا قد انتقلوا إلى قرية مجاورة لبضع ساعات فقط، أو أولئك الذين مازالوا يعيشون كمواطنين شرعيين في دولة الاحتلال. ويحتوي القانون على بنود تعسفية تعطي المحتل صلاحية وضع اليد على الأراضي، وهو قانون عنصري من الدرجة الأولى، وإجراء ترفضه جميع القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، كما أنه يشكل خرقاً رسميا وصريحا لنص قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في .١٩٤٧ خلاصة القول إنه قانون يوضح، بدون أدنى شك وبصورة قطعية، الموقف الإسرائيلي الرافض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم خلافاً لما قضت به قرارات الأمم المتحدة.
في عام ١٩٦٧، أحصى الاحتلال الإسرائيلي السكان الفلسطينيين في القدس، وأجبرهم خلال ٣ أشهر على الحصول على بطاقات هوية إسرائيلية واعتبر كل من لم يكن موجوداً آنذاك في حكم الغائب، سواء من كان في الضفة الغربية أو في قطاع غزة أو أي بلد آخر، واعتبر أرضهم "متروكة"، وسارع إلى تطبيق قانون "أملاك الغائبين". وفي الوقت ذاته، باشرت "مؤسسة القيم على أملاك الغائبين" الإسرائيلية تنفيذ مخطط يقضي وضع اليد على أملاك "الغائبين المقدسيين" وإيداع هذه العقارات في أيدي الجمعيات "الاستيطانية"، إما بتأجيرها وإما ببيعها لها في مسعى لتهويد "زهرة المدائن" باعتبارها (العاصمة الأبدية الكبرى لدولة إسرائيل!).
وفي السياق، أوضح تقرير جديد لـ (الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق المقدسيين) "أنه منذ عام ١٩٦٧، تم إقامة خمس عشرة مستوطنة يهودية في شرقي القدس، وأنه حتى يومنا هذا يعيش حوالي أكثر من ٢١٠ آلاف مستوطن في الشطر الشرقي من المدينة. وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي صادرت ٣٥% على الأقل من أراضي القدس لصالح الاستيطان وبناء المستوطنات تحت حجة المنفعة العامة"، مشيرا إلى أن "٤٠% من المستوطنات أقيمت على أراضٍ فلسطينية خاصة الملكية ومصادرة". كما بين التقرير أن "٢٢% من أراضي القدس مصنفة كأراضٍ خضراء، وأن ٣٠% أخرى مصنفة كأراضٍ غير مخططة مما يترك ١٣% فقط من الأرض للاستخدام الفلسطيني". وختم التقرير: "نتيجة لذلك، فإن الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس تعاني من نقص حاد في عدد الوحدات السكنية يبلغ ٤٢٠٠٠ وحدة، وأن ٨٧% من أراضي شرقي القدس لا يمكن استخدامها من قبل الفلسطينيين المقدسيين"، مشيرا إلى أن سياسة الاحتلال "عملت على الحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة بواقع ٧٠% يهود، و٣٠% عرب، حيث يبلغ عدد السكان الفلسطينيين في القدس ٣٠٧٠٠٠ نسمة".
إن تطبيق قانون "أملاك الغائبين" ليشمل الممتلكات المحجوزة من قبل المؤسسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة يندرج في سياق مخططات صهيونية للإطباق على المدينة وتهويد كافة مناحي الحياة وصولا إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح الوجود اليهودي في المدينة. فضلا عن ذلك، أضفى القانون "صفة قانونية" على مصادرة الممتلكات الفلسطينية وحوّل تلك الأرض لاستخدام اليهود فقط، من دون دفع أي تعويض للمالكين الفلسطينيين الأصليين، هادفا جعل العرب المقدسيين في القدس أقلية لا تتجاوز نسبتهم ١٢% من سكان المدينة في .٢٠٢٠ وفي ظل جدار الفصل العنصري، بالتوازي مع تطبيق "أملاك الغائبين" على مدينة القدس، فإن المؤسسات "الاستيطانية" باتت قادرة على تنفيذ القانون المذكور لمصادرة الأرض الواقعة إلى الغرب من الجدار وعدم دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين، حتى ان مساحة الأراضي التي ستتأثر بتطبيق القانون لا يمكن معرفة حجمها، منذ استيلاء الاحتلال على سجلات كل الأراضي الفلسطينية المستأجرة في القدس المحتلة بعدما تم إغلاق بيت المشرق في أغسطس .٢٠٠١
تثبت الوقائع والحقائق على الأرض وجود عمليات إسرائيلية للنصب والاحتيال وتزوير ملكية أراضٍ وعقارات وممتلكات في القدس، وبالذات في البلدة القديمة والشيخ جراح وسلوان وشعفاط وبيت حنينا. وقد أصبح هذا القانون بمثابة السيف المسلط على رقاب المقدسيين. فكل عقار أو أرض لها أهمية أو قيمة إستراتيجية تقوم دولة الاحتلال بامتلاكها في إطار خدمة التوسع الاستعماري/"الاستيطاني" أو إيجاد تواصل ما بين البؤر والمستعمرات في المدينة. ولقد كشفت صحيفة "هآرتس" مؤخرا عن بدء تسجيل الأراضي التي استولى عليها "المستوطنون"، بشكل التفافي، إلى "الطابو"، من أجل منع الفلسطينيين من الاعتراض على تسجيلها. كما أكدت الصحيفة حصولها على وثائق تثبت أن عملية تسجيل الأراضي واسعة جدا وتمت مناقشتها على أعلى المستويات بسبب حساسيتها السياسية والقضائية فباتت تحظى بتأييد القائم بأعمال المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، والمستشار القضائي لوزارة الامن، ورئيس "الإدارة المدنية"، ومستشار وزير الأمن لشؤون الاستيطان، رغم أن هذه الأراضي تم الاستيلاء عليها لأسباب أمنية، وأقيمت عليها معسكرات للجيش ومن ثم جرى تحويلها إلى المستعمرين لبناء "المستوطنات"! فأين أنتم من كل هذا، يا معشر المسلمين والعرب؟!
.