الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٨ - السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عيادة الأصحاء.. بداية موفقة لتعزيز مفهوم الصحة للجميع







سعدت كثيراً بخبر تدشين (عيادة الأصحاء) بمركز بنك البحرين والكويت الصحي في الحد، ولدي شخصياً بنك من الأسباب التي تدعوني إلى الشعور بالسعادة بافتتاح هذه العيادة، لا شك انه سيكون من بينها وجود العيادة في مدينة الحد، التي هي مدينتي وتحتل وأهلها موقعاً خاصاً في نفسي وقلبي.

غير أن القلب يتسع لأكثر من الحد وأهلها، فهو بالتأكيد يتسع لكل أهل البحرين الذين أتمنى لهم ولصحتهم ما أتمناه تماماً لصحتي وصحة أبنائي وعائلتي.. وفي الحقيقة فإن هذا التوجه القويم والمشكور من وزارة الصحة نحو هذا النوع من العيادات، ونحو توسيع مفهوم الصحة، ما يتجانس تماماً مع اسم الوزارة وروح دورها وواجباتها من حيث إنها وزارة للصحة ولتعزيز الصحة وتقويتها وتنميتها والمحافظة عليها وليست وزارة لمحاربة الأمراض والحد من انتشارها فقط.

وإذا كان الأقدمون قد اختصروا مفهوم الصحة العامة بالعبارة الشهيرة (درهم وقاية خير من قنطار علاج).. فمن الأحرى بنا، أن نقيم للوقاية حيزاً كبيراً من رؤيتنا الصحية، لما في ذلك من وقاية للمجتمع كله من الأمراض؛ بل من مجرد الاستعداد للمرض. وتحضرني هنا مقولة للطبيب والحكيم العربي الشهير ابو القاسم الزهراوي، وهي أن (الاستعداد للمرض، مرض بحد ذاته).. واستدرك عليها بأن الاستعداد للصحة هي صحة بحد ذاتها.. ومن أجل ذلك أشعر بالسعادة لافتتاح (عيادة الأصحاء)، التي يكفيها ان يشتمل اسمها على كل هذه الايجابية، التي تقول لمن يراجع العيادة، أنت لست مريضاً.. ويجب أن تبقى كذلك، ودورنا وواجبنا أن نساعدك على أن تبقى صحيحاً ومعافىً في البدن والعقل والنفس.

إن كثرة عدد المستشفيات في بلد ما، قد يرى فيها البعض دلالة على ازدهاره.. ولكن ثمة رؤية أخرى ربما تكون أكثر حكمة، تقول إن البلد الذي لا يحتاج إلى مستشفيات كثيرة هو بالتأكيد أكثر صحة من الأول. ومع ذلك -أو لذلك- فإن تعزيز وجود عيادات الاصحاء، هو دلالة على الصحة أكثر منه دلالة على المرض.. لأن تعدد هذا النوع من العيادات يعني الانفتاح على ثقافة وطنية ومجتمعية تعنى بالصحة قبل عنايتها بالمرض، وترى في وقاية المواطن انجازاً يتقدم على ادخاله في دوامة ثقافة المرض والعلاجات والمعالجات، التي تتجه إلى التعامل مع الجزء المصاب من الانسان، بينما ترى ثقافة الصحة في الانسان كياناً متكاملاً (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).. وترى في المواطن عضواً في جسد وطني (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى).. أيضاً. وإذن فنحن لسنا امام ثقافة صحية جسدية فقط، بل ثقافة تتعامل مع مفهوم الصحة باعتبارها صحة للجسد والروح والمجتمع.. وصحة للوطن بأسره.. ولا أملك شخصياً إلا أن اتمنى أن يكون مفهوم (عيادات الأصحاء) في وزارة الصحة يشتمل على كامل هذه الرؤية وروحها ومفهومها الأوسع، ولا يتوقف عند العنوان فقط.. وعلى كل حال فهذا ما اتوقعه شخصياً من سعادة الوزير، الصديق صادق الشهابي، الذي اشار في افتتاحه للعيادة إلى انفتاحه والوزارة على الرؤية الحديثة في الصحة والتي تهدف إلى تشجيع الاشخاص لمراجعة الأطباء وهم بكامل عافيتهم ولا يعانون من أية أمراض صحية ظاهرة، مما يسهم في الكشف المبكر عن الأمراض إن وجدت وهي في مراحلها الأولية، وهو ما يؤدي إلى مُضاعفة فرص النجاح في معالجتها، بل والوقاية منها.

إن (عيادة الأصحاء) إضافة نوعية جديدة ومشكورة لشمولية دور الوزارة بما هي وزارة للصحة، وهي الولي الرسمي والطبيعي على صحة المواطنين.. وإن كان ثمة ما أتمناه هنا على الوزارة والوزير، فهو دعم هذه العيادة وشقيقاتها اللاحقات، بحملة توعوية تسهم في تكريس ثقافة الصحة في المجتمع البحريني، لتحل محل ثقافة المرض.



في الشأن الوطني:



من أجل ثقافة وطنية للصحة العامة كنا نقرأ -ونحن صغار- حكمة تقول إن اليد الواحدة لا تصفق.. واليوم أقرأ نفس الحكمة برؤية تتصل بموضوع مقالتي هذا الاسبوع، عن (عيادة الاصحاء).. فإن كان الهدف هو مجرد انشاء عيادة جديدة، فنحن لم ننجز شيئاً.. ولكن اذا كان الهدف هو الانتقال بثقافة المجتمع، وتكريس مفاهيم الصحة، فالأمر يحتاج إلى جهود جهات كثيرة إلى جانب الوزارة.. وكما سعدت بافتتاح (عيادة الاصحاء)، فقد أحزنني أن الإعلام الخاص والعام في بلدي اقتصر تناوله للموضوع على الحدث الرسمي نفسه، من دون اية جهود تسهم في تعميم مفهوم هذا النوع من العيادات، وهو مفهوم الصحة العامة.. كصحة للفرد والمجتمع والوطن.

















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة