تدخلات إيران في خليجنا
 تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
يجب أن نعترف بداية بأن إيران على الرغم من الضغوط الأجنبية والحظر المفروض عليها من الغرب تظل قوة إقليمية يعمل لها ألف حساب، ومع أن التركيز فقط على برنامجها النووي وقوتها العسكرية المتنامية، وهي بلا شك إنجازات كبيرة، إلا أن ما يعوق إيران عن لعب دورها الطبيعي في الإقليم أو في العالم هو هذه النزعة التي لم تعد تنتمي إلى العصر وهي نزعة تصدير الثورة ومحاولة التدخل في شؤون دول الجوار وفقا لشعارات إسلامية، في حين أن محركها الرئيسي هو مصالح قومية وتسلطية لا علاقة لها بالإسلام، حيث ما تفتأ النخبة الإيرانية الحاكمة في طهران ومناصروها يؤكدان أن إيران هي دولة إسلامية تنطلق سياستها من البعد الديني المناصر للمحرومين وللمظلومين في الأرض في مواجهة مملكة الشياطين التي يقودها الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن المراجعة الدقيقة للسلوك الإيراني تجعل تلك المقولة محل نظر، حيث لاحظ المراقبون والنقاد ان هناك خطا مستمرا ثابتا لا يتغير بتغير الحكومات والعهود في طهران منذ قيام الثورة الايرانية عام .١٩٧٩
وهذا الثابت المستمر يتمثل في ان النخبة الحاكمة تتصرف كأنها دولة إسلامية تمثل المرجعية الايديولوجية عنصرا مهما من عناصر التأثير في السياسة الخارجية الايرانية ولكن المؤثر الرئيسي والحاسم في تلك السياسة الخارجية هو البعد القومي. ومن هنا يمكن تفهم صدور دعوات عن أحد قادة النظام الايراني تطالب بعودة دولة مستقلة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة وهي البحرين اليها، كجزء من الأراضي الفارسية، ومن ثم فإن إيران تنطلق من منحى قومي، حتى تحالفاتها ليست إسلامية بالضرورة بدليل تعاملها مع الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الأولى، بل تعاملها مع إسرائيل، ونلاحظ أن تحالفها الرئيسي في المنطقة مع سوريا التي يحكمها حزب البعث السوري وهو حزب علماني.
كما أن الخطاب السياسي الذي يستخدمه الرئيس محمود أحمدي نجاد (الذي يمثل التكنوقراط المتحالفين مع رجال الدين والممثلين لطلائع تطوير إيران والمدنيين الأوفياء للمذهب الشيعي) هذا الخطاب السياسي العالي النبرة الذي يعلي من شعارات المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة والحملة الدعائية الضخمة التي يتزعمها، لا تنطلق من منطلق إسلامي، إنما منطلقها أن إسرائيل تمثل خطرا على إيران، ومن دلائل المرتكز القومي الطائفي لإيران هو دعمها للشيعة في القضاء على السنة العراقيين، ولذلك فإن مصالحنا كعرب تختلف مع المصلحة الإيرانية لأن الأخيرة تستهدف ألا تقوم قائمة للعراق حتى تحمي حدودها من كل الجوانب.
كما تنظر إيران إلى العراق باعتباره الساحة الخلفية لها، وقد حلت الآن محل الولايات المتحدة كقوة ذات نفوذ كبير هناك، وهو ما يتيح لها أن تلعب دورا رئيسيا في رسم مستقبل العراق.
وعندما يتحدثون عن إيران يصفونها بالقوة الإقليمية العظمى، هم لا يتحدثون عن شراكة اقليمية بل يتحدثون ويعنون نظاما اقليميا يكون لهم فيه اليد العليا في السيطرة والهيمنة أو القوامة عليه، كما أن قطاعا عريضا من النظام الحاكم يقاسم الرئيس الايراني اعتقاده الشديد أن إيران هي محور الارتكاز في منطقة عريضة من الشرق الأوسط، وبإمكانها المحافظة على مواقع مستقلة ثابتة. ويدعم نظرتهم هذه انهم المستفيدون الرئيسـيون من الحرب على الإرهـاب في منطقـة الشـرق الأوسـط، فقـد أزالت الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها حكومتين إقليميتين كانتا منافستين لإيران، هما حركة طالبان في أفغانستان في نوفمبر ٢٠٠١، ونظام صدام حسين في العراق في ابريل ٢٠٠٣ ولكنها فشلت في إحلال محلهما نظاما سياسيا مستمرا ومستقرا في كل من البلدين.
وهذه ليست دعوة إلى العداء مع إيران الموجودة جغرافيا في المنطقة العربية ولكن يستهدف القول اننا كعرب تختلف مصالحنا مع إيران في امور كثيرة وتتفق مصالحنا في أمور أخرى، لذا من المهم عمل تقدير موقف حقيقي وعملي من إيران وبناء على تحديد المصالح والأهداف يتم التعامل مع القضايا المختلفة بشكل واقعي.
.