لماذا.. الإسلام صالح لكل زمان ومكان ؟
 تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
سورة العصر، سورة عظيمة القدر، جليلة المكانة، جمعت فيها - رغم قلة آياتها - معاني كثيرة، بل أكدت هذه السورة الجليلة، ومنذ بداية القسم بالعصر الذي هو مطلق زمن، وقد يكون مقصودا بالعصر عند بعض العلماء هو وقت صلاة العصر، وذلك لعظيم شأنها، وجليل قدرها عند الله تعالى، فالكثير من المفسرين يقولون: إنها الصلاة الوسطى التي أشار إليها الحق تبارك وتعالى في قوله سبحانه: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" (سورة البقرة/٢٣٨).
ولكننا هنا نختار المعنى الشامل والمطلق لكلمة (العصر) بأنه الزمان على إطلاقه، وهذا يتناسب مع موضوع السورة التي تتحدث عن الشريعة الإسلامية، وأنها بهذا المعنى صالحة لكل زمان ولكل مكان لاستيعابها كل الزمان وكل المكان، ولاستقصائها كل شأن من شئون الإنسان مطلق إنسان هذا أولا، ولأنها شريعة إلهية خالصة من كل شائبة تشوبها، أو أي نقص يعتريها لأنه ليس لأحدٍ من سلطان عليها أو هوى او جاه يتحكم فيها، ويصرفها عن غاياتها النبيلة وهذا ثانيا.
ولأن الحديث عن هذه القضية، وهي صلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان جاء مختصرا في هذه السورة أردنا أن نبسط القول فيها بعد أن استحضرنا معظم النصوص إن لم يكن كلها التي تؤكد بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن الإسلام، والإسلام وحده هو الدين الوحيد الذي وصفه المولى القدير سبحانه وتعالى بالكمال، وحين يصف الحق تبارك وتعالى، وهو سبحانه الموصوف بكل الكمال والجلال والجمال المطلق، حين يصف الحق سبحانه شيئا أو منهاجا بأنه كامل فهذا يعني أن ذاك الشيء، وهذا المنهاج، بلغا الغاية في الكمال، وهذا هو حال الإسلام الذي جعله الله تعالى خاتم الرسالات، ومسك الختام في الشرائع الإلهية، قال سبحانه: "... اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا..." (سورة المائدة/٣).
وهذا الكمال الإلهي يقتضي عدة أمور منها: انه من مقتضيات هذا الكمال عالمية الرسالة، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (سورة الأنبياء/١٠٧).
ومن مقتضيات هذا الكمال أيضا عالمية الرسول (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" (سورة الأعراف/١٥٨).
ومن مقتضيات هذا الكمال الإلهي توثيق مصدر هذا التشريع، يقول سبحانه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (سورة الحجر/٩).
ومن لوازم هذا الحفظ صيانته من التحريف والتبديل والتغيير، يقول جل شأنه: "... وإنه لكتاب عزيز(٤١) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد(٤٢)" (سورة فصلت).
ومن ضرورات هذا الحفظ رده سبحانه كل المحاولات لإطفاء نوره، وإخماد جذوته المباركة، لأن نور الإسلام هو من نور الله تعالى، الذي أنار الوجود كله، قال عز وجل: "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" (سورة التوبة/٣٢).
وحتى يؤكد الحق سبحانه وتعالى لأهل الإسلام حمايته لهذا الدين من عبث العابثين، ومرادات الحاقدين قال تعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" (سورة التوبة/ ٣٣).
إذًا، فكيف يستطيع أعداء الإسلام وشانئوه أن يطفئوا نورا أراد الله تعالى له أن يبقى، وأن يسود؟
وكيف لقوة في الوجود أن تقف أمام دين الحق الذي أراده الله سبحانه خاتما للرسالات والشرائع السماوية؟
إن إرادة الله تعالى غالبة لا محالة، وإن مشيئته منتصرة لأنه سبحانه هو الغالب الذي لا يغلب أبدا، امره ونهيه بين (الكاف والنون) قال تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" (سورة يس/٨٢).
ولأن الإسلام وشريعته نور إلهي أضاء به الحق تبارك وتعالى الوجود كله، بل أضاء به الصدور قبل السطور، والوجدان قبل الأبدان، لأن الإسلام كذلك قال الله تعالى عنه: "الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم" (سورة النور/٣٥).
وهذا النور يصدر من بيوت الله تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال(٣٦) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار (٣٧)" (سورة النور).
ومن مقتضيات هذا الكمال الرباني لهذا التشريع الإلهي ضمان الجودة في التشريع، قال عز وجل: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" (سورة الإسراء/٩).
ومن مقتضيات هذا الكمال الرباني أيضا رفعه الحرج عن العباد، وتحقيق السعادة والهداية لمن عمل به، وأطاع أمره ونهيه، قال سبحانه وتعالى: "قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (١٣٣) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(١٣٤) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا(١٣٥) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى(١٣٦)" (سورة طه).
ومن مقتضيات هذا الكمال الإلهي أيضا بعض الحقائق التي ساقها القرآن العظيم، وأكدها، ومنها قوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام..." سورة آل عمران/١٩).
وقوله سبحانه: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (سورة آل عمران/٨٥).
ومن هذه الحقائق أيضا قوله سبحانه: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون" (سورة الأنعام/١٢).
ومنها اصطفاؤه سبحانه لهذه الأمة بعد أن اصطفى الرسول والرسالة والكتاب، قال سبحانه: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..." (سورة آل عمران/١١٠).
وقال سبحانه: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..." (سورة البقرة/١٤٣).
ومن مقتضيات هذا الكمال الإلهي للشريعة الإسلامية، واستيعابها للحياة ولما بعد الحياة، قوله سبحانه: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(١٦٢) لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين(١٦٣) قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون( ١٦٤)" (سورة الأنعام).
وقد يتساءل البعض: لِمَ أخرت الاستشهاد بهذه الآيات الجليلات وقد يكون فيها الكفاية للدلالة على ما نريد إثباته؟
وأقول لهذا المتسائل وأمثاله: اني أردت بتأخير الاستشهاد بهذه الآيات أن أجعلها مسك الختام في حديثي عن كمال الإسلام، وصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ولكل مكان، وللمحيا والممات، وأن تكون هي الحاكمة لكل ما يصدر عن الإنسان من: قول أو فعل أو خلق.
ثم أردت أن يكون قول الله تعالى: "قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء..." هو فصل الخطاب في هذه القضية التي طال حولها الجدل العقيم مع أن حقائقها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، بل أشد وضوحا من ذلك.
فالله سبحانه وتعالى هو ملك الملوك، وهو جل شأنه الرزاق ذو القوة المتين، وهو جل جلاله على كل شيء قدير.
إله بهذا الكمال والجلال والجمال المطلق كيف يعبد سواه؟ وكيف يحكم شرع غير شرعه؟ وكيف تذل الرقاب وتنحني الاصلاب وتمرغ الوجوه لغيره جل في علاه، وتقدست أسماؤه وصفاته لا إله إلا هو سبحانه وتعالى؟
ذلكم هو الإسلام الذي ندعو إلى التمسك به عقيدة وشريعة وعبادة ومعاملات وأخلاقا.
وبعد.. هل علمتم لماذا الإسلام صالح لكل زمان ومكان، بل لكل الناس مؤمنهم وغير مؤمنهم، وطائعهم وعاصيهم؟
.