الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٥٠ - الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٣٣ هـ

قضايا و آراء

من وحي شهر رمضان المبارك (٢)
خشية الله في حياة الإنسان







تعد خشية الله من اعلى مراتب الإيمان التي امتدحها الله في محكم كتابه العزيز بقوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم ملاشْفِقُون× وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ× وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ× وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون× أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"، ويتفاوت الناس في خوفهم وخشيتهم من الله، يتقدمهم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو يقول "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" ثم العلماء، ويتضح ذلك من قوله تعالى "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ". وخشية الله والخوف منه تقود الى عمل الخير وتحاشي الشر، واستذكار الاخرة قبل الإقدام على أي عمل له صلة بالآخرين، اي انها الرقابة الذاتية النابعة من الإيمان الحق، وهي العاصم من الزلل، والباعد عن المعاصي والمحرمات فلا يأكل مالا حراما، ولا يخلف وعدا ولا يخون عهدا ولا يغش في المعاملة، ولا يخدع المتعاملين معه ولا يمشي بالمضرة، ولا يطعن في الظهر، ولا يبطن خلاف ما يظهر، ولا تفارقه النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينشغل عن فروض الله وموجبات طاعته، ولا يضيع أوقاته في اللهو والغفلة بل نجده يشمر عن ساعديه ويجدّ، ويستثمر وقته في طاعة الله وخدمة عباده، وهذا ما عبر عنه خير البشر بقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله هي الجنة" لان المؤمن يعلم ان الله يراه ويعلم ما في نفسه، فقد قال تعالى "وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ". وان الملائكة تحصي وتقيد أعمال الإنسان، وانه سيخضع يوما ما إلى مدقق عادل، لا يفوته قيد منها، سواء أكان خيرا أم شرا، وان لا مهرب أمام الناس منه الا إليه. وفي ذلك قال تعالى "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ". وقال جل في علاه "ويحذركم الله نفسه". ومن حرصه تعالى على عباده ان دعاهم الى الفرار من سوء الأعمال والمآل بقوله تعالى "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين" والفرار الى الله يتم من خلال ترك المعاصي وتجنب الأعمال التي تصيب الناس بالضرر والبراءة منها فذلك هو الطريق القويم للنجاة والخلاص من عذاب الله. ويحدثنا التاريخ ان الصحابي عقبة بن عامر(رضي الله عنه) سأل النبي ذات يوم، ما النجاة من عذاب الله؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك". كما قال صلى الله عليه وسلّم في حديث آخر "ثلاثٌ منجيات: خشية الله تعالى في السرِّ والعلن، والعدل في الرِّضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر. وثلاثٌ مهلكات: هوىً مُتَّبع، وشحٌّ مُطاع، وإعجاب المرء بنفسه".

ان الذي يخشى الله لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولا يبرر امتناعه عن قول الحق اوفعله برغبة أمر أو توجيه مسئول، وذلك امتثالا الى قوله تعالى "فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ". اما الذي لا يخشى الله فهو ذلك المحروم من رضوانه وجنته، ذلك الذي لا يميز بين الحق والباطل، تحركه الشهوات والنوازع الضيقة والأحقاد الدفينة، لا هم له إلا نفسه ومنصبه ومكاسب الدنيا، وليس مهما لديه الضرر الذي تسببه قراراته ومواقفه للآخرين، المبرر جاهز عنده لاستلاب حقوق الغير والانتقاص منهم، وخلط الأوراق وانتهاك الحرمات، وفعل الكبائر والموبقات و الكبر والعُجب والغطرسة التي لا يدانيه فيها الا الشيطان، والرياء والحسد والكيل بمعايير مزدوجة، وإلحاق الظلم والحيف بغيره. ان الذي لا يخشى الله كالشر المستطير، قلبه شديد القساوة لا مجال فيه للرحمة، وفي أولئك يقول تعالى (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون). لذا فإن الذي لا يخشى الله خطر على المجتمع كما هو خطر على نفسه، انه مستعد لعمل أي شيء يحقق له المكانة التي يرغبها دون اعتبار للاضرار التي قد يلحقها بالناس والمجتمع الأمر الذي جعل من السلف الصالح يضعون في مقدمة معايير اختيار من يتولى مسئولية أمور الناس خشية الله على اعتبار انها العاصم وال

* أكاديمي وخبير اقتصادي











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة