الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٥٠ - الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٣٣ هـ

قضايا و آراء

العلاقات العربية - الأمريكية:
تصدّع مزمن ومصداقية ضائعة







كانت العلاقات الأمريكية - العربية مادة خصبة للنقاش في عشرات الموائد المستديرة والندوات، ولاسيما بعد أن أصبحت المرجعية التاريخية للعلاقة هي فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، كأن ما قبلها لم يكن تاريخا.

غير أن التقارير والدراسات التي صدرت حاملة هم البحث في ثنايا العلاقة الملتبسة ومحاولة تفكيكها، ظل معظمها حبيس الأدراج، الأمر الذي بات معه السؤال مصاحبا لكل دراسة تصدر وتتناول هذه العلاقة عن أي مصير ينتظرها، وما إذا كان بعض توصياتها سيجد مجالا للتطبيق.

آخر هذه الدراسات أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن وهي معنونة بـ "من الصدام إلى التعاون". وإدراكا من المركز لكثافة الدراسات التي تناولت هذه العلاقة، قام المركز بدعوة عدد من المسئولين في الإدارات الأمريكية السابقة والأكاديميين ورجال الأعمال، وجمعهم للتفكير حول سؤال محوري: ما هو الأمر الذي تقوم به الحكومة الأمريكية، وما الذي يجب أن تفعله لخدمة المصالح الأمريكية في العالم العربي؟ هذا هو السؤال الذي طرحه المركز على خبراء السياسة الأمريكية، وقد ظلت اللجنة على تواصل مع فاعلين عرب أو شركاء في العالم العربي بحسب من سمتهم الورقة البحثية، وأن التفاعل معهم أثرى النقاش.

تدشن الدراسة باعتراف قل نظيره من قبل أحد المراكز البحثية ولاسيما تلك القريبة من الإدارة الأمريكية الحالية، وهو أن العلاقات العربية - الأمريكية وصلت إلى أدنى مرحلة لها منذ عقود مضت، وأن الولايات المتحدة تواجه معارضة غير مسبوقة في المنطقة، وأن عدد المواطنين العرب الذين باتوا يزورون الولايات المتحدة للدراسة وللأعمال والرعاية الصحية يتناقص بشكل مطرد، كما أن الخوف والغضب والإحباط هي العناوين الرئيسية التي باتت تحكم العلاقة الأمريكية - العربية.

ويؤكد الباحثون أن الحرص على تصحيح هذه الأوضاع لا يأتي من باب نظرة مثالية ما، بقدر ما هو إدراك واقعي لأن الشرخ في العلاقات العربية -الأمريكية من شأنه أن يهدد مصالح وأمن الطرفين فترة طويلة.

ثمة اعتراف تعكسه الدراسة بأن إدارة الرئيس اوباما في الفترة المنتهية تواجه تحديات هائلة وملحة في منطقة الشرق الأوسط، وقد حددتها بـالعراق والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والوضع السوري المتفجر والملف الإيراني الشائك. وإذا استمر الوضع في العراق يراوح مكانه في ظل تزايد العنف، فإن هذا الأمر من شأنه أن يعطي مصداقية للأصوات التي حذرت من أن الولايات المتحدة تتدخل في العالم العربي بحجة إحداث التغيير، بينما لا تترك خلفها سوى الفوضى. وقد بينت الأحداث انه بوجود القوات الأمريكية على الأرض أو بعدم وجودها، وفي ظل حكومة تابعة لكل من الأمريكان وإيران، فان العنف لم يتوقف ولن يتوقف أبدا، بل الأخطر من ذلك أن التدخل الأمريكي في العراق مع التورط الإيراني الطائفي قد اديا إلى تدمير الهوية الوطنية العراقية الجامعة التي تتهددها الفوضى الطائفية.

وتعترف الدارسة بأن الأزمة في العراق والصراع العربي الإسرائيلي ليسا فقط التحديين اللذين يواجهان الولايات المتحدة في المنطقة، وإنما هناك حزمة مهمة من التحديات الخطرة، وليس بالإمكان الانتظار حتى يتم التعاطي مع الشأنين العراقي والفلسطيني.

هذه اللجنة التي أنيط بها البحث في السبل التي تسعى إلى إصلاح ما أفسدته سياسات الإدارة الأمريكية الحالية بحق العلاقات العربية - الأمريكية، تشكلت من أشخاص لهم صفة الاستشارية وهي لجنة غير حزبية. هدف اللجنة كما تقول ليس البحث عن إصلاحات سريعة أو أن تغلف آراءها في صورة نصائح عمومية كما هو الحال مع العديد من الدراسات التي تناولت هذه العلاقة، بل إن ما يميز هذه الدراسة عن غيرها كونها أعطت أهمية للرؤية العربية من خلال الاهتمام بآراء الشركاء العرب ونظرائهم الأمريكيين.

واعتمدت الدراسة في استقاء معلوماتها من مقابلات تمت مع نحو مائتين من قادة الرأي في العالم العربي بمن فيهم مسئولون حكوميون وصحفيون، وقد سجلت اللجنة النقاط التالية:

١- الإحباط والغضب حيال الأفعال الأمريكية في الصراعات الإقليمية وإن العرب من كل القطاعات حذرونا من أنه إذا لم تنخرط الولايات المتحدة بشكل جدي وواضح في عملية السلام، فإن كل هدف تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيقه في المنطقة سيظل محل شكوك. العراق بالنسبة إلى الذين قابلتهم لن يكون مثالا لبقية الدول العربية بل تحول إلى حالة كارثية، وان تصحيح الأوضاع بالعراق خطوة ضرورية وإن لم تكن كافية لإعادة بناء مصداقية الولايات المتحدة في العالم العربي.

٢- كيف ينظر القادة العرب إلى الولايات المتحدة؟

اعتبرت الغالبية العظمى ممن استطلعت آراؤهم من العرب أن التصور السائد هو أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع العالم العربي بل الإسلام نفسه، وأن الإدارة الأمريكية لم تستطع أن تواجه هذا الزعم وتفنده وأنها قد تقلصت مصداقيتها كوسيط نزيه في المنطقة، وهي ليست لديها الرغبة للاستماع للآخرين، بل هي في حال إصدار أوامر وعلى بقية العالم أن يستمع.

٣- بناء علاقة تتعدى الأمن:يتساءل معدو الدراسة عن الكيفية التي يمكن بها بناء علاقة متوازنة مبنية على الأمن والشراكة الدبلوماسية اللذين يركزان في الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهناك حماسة متزايدة بين قطاعات واسعة من القادة العرب للتعاطي مع قضية الإصلاح، ولكن ليس ثمة اتفاق بينهم على ماهية الإصلاحات المطلوبة وكيفية تنفيذها.

وقد أجرت الدراسة استطلاعا للرأي في عدد من البلدان العربية وكانت نتائجها كالتالي:

التصرفات العربية الغاضبة ليست سوى رد فعل على السياسات الأمريكية وليست للقيم الأمريكية، وفي خمس من ست دول استطلع آراء مواطنيها، كانت النتيجة أن الآراء العربية المعادية للولايات المتحدة تشكلت عبر السنتين الماضيتين، ولاسيما في البلدان الأكثر تحالفا مع الولايات المتحدة، مثل مصر والمغرب والأردن، وأن أولئك الذين تم استطلاع رأيهم قالوا: ان السياسات الأمريكية كانت هي أهم بمرتين في تشكيل استجاباتهم من القيم الأمريكية، وفضلوا أن تكون هناك مساعدات أمريكية باتجاه حل الصراع العربي الإسرائيلي وتحسين ظروف إيجاد عمل والتعليم والرعاية الصحية أكثر من رغبتهم في التدخل من اجل الإصلاح السياسي.

لقد خلص كاتبو الدراسة إلى أن حماية المصالح الأمريكية في المنطقة ستتطلب نهجين يسيران بالتوازي مع بعضهما بعضا: أولهما: عمل شراكة ثنائية قوية مع الحكومات العربية، وثانيهما: الاستثمار المتواصل مع الجيل الجديد من المواطنين وقادة الرأي العام، وكلا النهجين لابد من أن يسيرا معا لأن النهج الواحد لن يكون كافيا.









.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة