الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٢ - السبت ٧ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


الطابور الأمريكي الخامس





تحدثت في المقال السابق عن سر حملة الارهاب السياسي التي تشنها الادارة الامريكية هذه الايام على السلطات المصرية بسبب قيامها بتفتيش مقار منظمات ومؤسسات امريكية ومصرية اهلية، وكيف انها تخشى افتضاح تفاصيل الدور التخريبي المشبوه الذي تقوم به هذه المؤسسات الامريكية وعملاؤها في مصر.

في الايام القليلة الماضية تدخلت الادارة الامريكية على اعلى المستويات في محاولة لاجبار السلطات المصرية على اغلاق ملف القضية، والى حد ارسال فيلتمان في مهمة عاجلة الى مصر لهذا الغرض.

يجب ان نلاحظ هنا ان هذه الشراسة الامريكية في انتقاد السلطات المصرية ومحاولة ارهابها، هي في حد ذاتها تثبت الدور المشبوه الذي تقوم به المؤسسات الامريكية، وتقوم به معها المنظمات الأهلية المصرية التابعة لها والتي تتلقى التمويل الأمريكي وتعمل وفق الأجندة الامريكية.

نعني انه لو لم يكن في عمل هذه المنظمات والمؤسسات ما يثير الشبهات، ولو كانت اهدافها وانشطتها مشروعة وليس فيها ما يريب، فما الذي يضيرها في ان تخضع للقانون المصري والاجراءات القانونية التي تتخذها السلطات المصرية وتخضع للرقابة الرسمية المصرية؟

ومن اخطر الجوانب التي ارتبطت بالقضية، ما كشف عنه رد فعل المنظمات المصرية التي ادانها تقرير لجنة تقصي الحقائق وجرى تفتيشها. وهي منظمات تعمل في اغلبها في مجالات حقوق الانسان ودعم الديمقراطية وما اشبه ذلك من انشطة مزعومة.

المسئولون المصريون عن هذه المنظمات، كما كان متوقعا بالضرورة، وجهوا بدورهم اشنع الاتهامات الى المجلس العسكري والسلطات المصرية المسئولة، واتهموها كما فعل الامريكان بقمع الحريات والعمل على اسكات اصوات المدافعين المزعومين عن حقوق الانسان، وما شابه ذلك من اتهامات، ووصل بهم الامر الى حد التهديد برفع القضية الى الامم المتحدة والمنظمات الدولية.

هؤلاء تجاهلوا تماما جوهر القضية، وهو ان المسألة تتعلق بتطبيق القانون وبوقف التعدي على السيادة المصرية، ومواجهة انشطة مشبوهة تضر بالأمن الوطني يتم تمويلها من امريكا.

لماذا يفعلون هذا؟

موقف هؤلاء على هذا النحو لا علاقة له في حقيقة الامر لا بحرص على حقوق الانسان والديمقراطية، ولا بأي شيء من هذا القبيل.

المسألة الخطيرة هنا، والتي اثرناها منذ فترة طويلة، ان هؤلاء في هذه المنظمات التي تمولها امريكا، اصبحوا ضمن «نخبة» تابعة لأمريكا مباشرة وملتزمة بتنفيذ اجندتها في مصر.

وهؤلاء انتفعوا في السنوات الماضية انتفاعا كبيرا بالتمويل الأمريكي، واصبحوا مرتبطين مصلحيا وسياسيا بالدوائر الامريكية.

بعبارة اخرى، هؤلاء في المنظمات الأهلية المصرية المرتبطة بالأمريكيين سياسيا وماليا، انتهى بهم الامر الى انه لم تعد تعنيهم الأجندة الوطنية المصرية، والمصلحة المصرية العامة.

بعبارة ثانية، حين يظهر التناقض بين الأجندة المصرية الوطنية والأجندة الأمريكية، ينحازون بلا تردد الى الأجندة الامريكية. وهذا بالضبط ما فعلوه منذ ان تفجرت القضية الأخيرة.

والقائمون على هذه المنظمات الأهلية المصرية لو كانت الاجندة والمصلحة الوطنية تعنيهم، ما الذي يضيرهم في الخضوع للقانون المصري؟.. لو لم يكونوا يفعلون شيئا مشبوها او يخفون شيئا يضر بالمصلحة العامة، ما الذي يزعجهم في ان تقوم السلطات بشكل قانوني بتفتيش مقارهم؟

وقد تصادف تفجر القضية والحملة الامريكية الشرسة على السلطات المصرية في الايام الماضية، مع قيام صحيفة مصرية هي صحيفة «المصريون» بنشر ما جاء في بعض البرقيات السرية للسفارة الأمريكية في القاهرة عن لقاءاتها مع عدد كبير من الشخصيات العامة والقائمين على هذه المنظمات.

ولم يكن غريبا ان الاسماء التي وردت في هذه البرقيات والتي ارتبطت بعلاقات منتظمة مع السفارة هي نفسها التي تشن اليوم الحملة على السلطات المصرية دفاعا عن الاجندة الامريكية.

الصحيفة اطلقت على هؤلاء تعبير «الطابور الخامس». وهم بالفعل كذلك. هم طابور امريكي خامس في مصر.

الأمر الجيد حتى الآن ان السلطات المصرية لم تخضع لهذا الارهاب السياسي الذي تمارسه الادارة الامريكية، واعلنت انها مصرة على المضي قدما في التحقيقات التي تجريها، وانها سوف تعلن كل التفاصيل قريبا.

يبقى، كما كتبت مرارا من قبل، ان هذا الاختراق الامريكي في مصر، هذا الطابور الامريكي الخامس في مصر، هو ظاهرة لا تقتصر على مصر وحدها، وانما موجودة في كل الدول العربية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة