الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٧ - الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ما أكثر النساء المخزوميات !





يُروى في تاريخنا الإسلامي، في باب العدالة والإنصاف أن امرأة من بني مخزوم اعتادت أن تستعير المتاع من الناس ثم تجحده، أي تقوم بسرقته. فلما اكتشف أمرها، وتقرر عقابها وتطبيق الحدّ الشرعي عليها، وكان ذلك في غزوة الفتح؛ آلم قريش أن تُقطع يد هذه المرأة على اعتبار أنها من الأشراف وسادة القوم، فتلفتوا إلى من يستطيع أن يكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أمرها ليجري العفو عنها واستثناؤها من العقوبة المقررة لها.

رأوا أن الصحابي الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنه، الذي كان يُكنّى بحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هو خير من (يتوسط) لهذه المرأة المخزومية. وبالفعل قام أسامة بن زيد بهذه المهمّة وكلّم الرسول الكريم بشأنها. فما كان من عظيم هذه الأمة، صلى الله عليه وسلّم إلاّ أن غضب، بل وتلوّن وجهه الشريف غضباً من هذا الطلب، وقال عليه الصلاة والسلام لأسامة: أتشفع في حد من حدود الله؟ ! فقال له أسامة أستغفر الله يا رسول الله.

وتواصل الرواية فتقول أنه لما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس حيث أثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها «انتهت القصة التي مضى عليها قرون وقرون لكنها ظلت لعظمتها نردّدها إلى يومنا هذا، ونلجأ إلى سردها والتذكير بها كلّما افتقدنا في ممارساتنا ومعاشنا العدالة، أو كلّما آلمنا وحزّ في نفوسنا مظاهر كبيرة أو صغيرة لعقوبات وجزاءات لا يتساوى الجميع فيها أو كلّما صُدمنا بأن فلانا أو علاّنا إنما هو استثناء من بين الناس يفعل ويهدر ويُعطى و(يبلع) ما يشاء. أو كلّما رأينا أو تكاثر بيننا أشخاص هم على غرار تلك المرأة المخزومية ولا يختلفون عنها في شيء سوى غياب غضب وحزم رسولنا صلى الله عليه وسلّم عنها.

العدالة قيمة تحتاج إليها المجتمعات على الدوام، والتفريط فيها هو المدخل لشتى أنواع الظلم والفساد مثلما أن الحزم في تطبيقها مصدر عز واستقرار وأمان، وما من مجتمع نقُصت فيه هذه القيمة أو اختلّت أوزانها إلاّ كان الخراب رديفاً له. وكلّما كثرت في مجتمع ما الاستثناءات و(العطيّات) لمن لا يستحقونها كان هذا المجتمع أقرب إلى الهلاك والفناء، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ».

نحتاج في ظل أزمتنا الراهنة الى أن نعلي شأن العدالة كقيمة تعيش معنا في بيوتنا وداخل أعمالنا، ونحتاج إليها ممارسة في وزاراتنا وسائر مؤسساتنا الحكومية، ونحتاج إليها ميزاناً نحتكم إليها قادة ووزراء ونوابا، ونحتاج إليها معياراً للفصل بين الناس ومعرفة أقدارهم ومخلصهم والتفريق بين صادقهم ومنافقيهم و(متمصلحهم). نحتاج إلى عدالة المولى عز وجل على النحو الذي طبّقها المصطفى صلى الله عليه وسلّم لنحفظ وطننا وأمننا واستقرارنا.

ملاحظة:

لا يعتقد أحد أني أقصد هنا فقط حكم النقض في الإعدام الذي صدر مؤخراً وإنما تلفتوا من حولكم ومن بينكم لتكتشفوا أنه ما أكثر النساء المخزوميات اللاتي (أو الذين) يعيشون بيننا، وقد يكونون سبباً في هلاكنا.

سانحة:

قال تعالى: (وضرَبَ اللَّهُ مثَلاً قَريةً كانت آمنةً مطْمَئنةً يأْتيها رزقُها رغدًا من كلِّ مكان فَكفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَها اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوع والخَوْفِ بِمَا كَانوا يصنَعونِ(



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة