الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٧ - الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


تحفظات على التعجل بإسقاط متأخرات الكهرباء!





تمحورت مطالبات السادة النواب عند مناقشتهم قضية قطع الكهرباء عن المتأخرين في سداد ما عليهم من مستحقات خلال جلسة الثلاثاء الماضي حول مطلب رئيسي وكبير وهو إسقاط هذه المستحقات.. كانوا يقصدون بالضرورة أن تعتبر الدولة الـ «٦٩ مليون دينار» المتأخرة كأن لم تكن.

لم يفت السادة النواب أن يسوقوا المبررات والمسوغات التي تبرر هذا المطلب الكبير.. ومن بين هذه المبررات كما قال أحدهم إن ثمن بيع قطعة أرض واحدة من الأراضي البحرية المدفونة بمنطقة السيف تكفي لحل المشكلة.. وقال آخر لماذا سكتنا عن ضياع قرض الـ ٤٠٠ مليون دينار الذي حصلت عليه طيران الخليج.. ولماذا سكتنا عن القروض المعدومة في كثير من المواقع؟

وطبعا قالوا ما هو أكثر من ذلك، وهو من النوع الذي من الصعب ترديده.. لكن لي بعض التحفظات على طلب الاستجابة لهذا المقترح على إطلاقاته.. ذلك أن تنفيذه على وجه السرعة لابد وأن يعيدنا الى المربع الاول.. وأعني بهذا المربع هو اننا بهذا الإسقاط سنكافئ الممتنعين عمدا مع سبق الاصرار عن السداد رغم مقدرتهم الكبيرة عليه.. وفي نفس الوقت ستعاقب المنتظمين في السداد ومعظمهم للأسف من عامة الشعب ذوي الدخل المحدود.. ومن المتعففين الذين يحافظون على سمعتهم، ولا يرغبون في أكل حقوق أحد حتى ولو كانت هذه الحقوق مستحقة للدولة.

لذا وحتى أكون أكثر وضوحا فإنني لا أعترض على تطبيق هذا المطلب شبه الجماعي من السادة النواب.. ولكنني أرجو تأجيله، لماذا؟!

هناك توجه لبدء تحصيل المتأخرات من الموسرين ومن القطاعات التجارية والصناعية والسياحية والاستثمارية وغيرها.. فعلينا أن نبدأ فورا في جمع هذه المستحقات في صرامة وعدالة وعدم مجاملة لأحد.. وهنا ستكون المفاجأة.. إذ ان ما يناهز الـ ٨٠ من الـ ٦٩ مليونا المتأخرة موجودة في ذمة رجال الأعمال والصناعيين والسياحيين والمستثمرين في مختلف المجالات.

وهنا وبعد ان ينتهي تحصيل المتأخرات من المقتدرين والمتأخرين عن السداد عمدا.. تبدأ مكرمة إسقاط المتأخرات عن عامة الشعب، حيث إن النسبة العظمى منهم من غير القادرين على السداد.. فإذا استبعدنا المسددين منهم فعلا فإن ما سيتم إسقاطه عنهم ليس بالكثير.. ثم ان هذا الإسقاط واجب.. وبهذا فإننا نحمي الدولة من إسقاط مبالغ كبيرة هي في حاجة إليها من أجل مشاريع الإسكان والمشاريع الخدمية الأخرى.. وهي كثيرة.

ولا يفوتني هنا ان أؤكد على الدكتور عبدالحسين ميرزا وزير الطاقة ضرورة الوفاء بوعده الذي أخذه على نفسه في جلسة أمس الأول لمجلس النواب من حيث تشكيل لجنة للتحقيق في التجاوزات التي تم ارتكابها في مدينة عيسى عند تطبيق قرار القطع.. ذلك لأنني لا أستبعد وقوع كل ما ذكره السادة النواب في الجلسة من حيث إهانة المواطنين ومهاجمتهم عنوة ومن دون استئذان.. ثم ان المسألة لها علاقة أكيدة بسمعة البحرين وبدرجة تحضرها.. فالكثيرون مازالوا لا يصدقون ان ما حدث يمكن أن يحدث.

لا أحد يقوى على الانكار بأن آلية الأسئلة التي يوجهها السادة النواب للوزراء هي من الآليات أو الأدوات الدستورية المهمة جدا والتي لا يجوز الاستغناء عنها.. حيث إنها تدخل في صميم الأدوات الرقابية التي تمارسها السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية.

لكن عندما نقول ان «آلية الأسئلة» من الأدوات النيابية المهمة التي لا يجوز الاستغناء عنها فهذا لا يبرر المبالغة فيها.. أو الاستسهال في ممارستها.. أو السماح بطغيان هذه الآلية على غيرها من الآليات الأخرى.. وبينها أهم الآليات جميعها ألا وهي آلية التشريع.

لوحظ في الفصل التشريعي الثالث وقوع تجاوز كبير من السادة النواب في استخدام آلية الأسئلة الى درجة انه قد أصبح يوضع على جدول أعمال الجلسة الواحدة ما بين ٦ و٧ أسئلة وهذا لم يكن يحدث أو يسمح به من قبل.

والحق يقال: إن السيد رئيس المجلس يضيق صدره كثيرا بهذا البند، وبالتمادي في اتساع رقعته ويصاب بنوع من عدم الرضا عندما يرى ان هذا البند يستحوذ على الجزء الأكبر من وقت الجلسة، وخاصة ان ممارسة هذا البند يعني السماح بتمزيق المهمة النيابية.. كما ان طرح السؤال خلال الجلسة يشل جهود ودور جميع السادة الأعضاء فيما عدا عضو واحد فقط وهو موجه السؤال الذي يستغرق وحده حوالي نصف ساعة من وقت الجلسة وإن لم يكن أكثر.

هذا من ناحية.. لكن هناك العديد من النواحي الأخرى التي يتم الجور عليها.. ومنها بالضرورة السماح بضياع وقت الوزراء وتشتيت جهودهم في معظم الأحيان وخاصة عندما يقتصر السؤال على طلب معلومات أو بيانات كان يمكن الحصول عليها بسهولة لو تم توجيه السؤال إلى الوزير أو إلى الوزارة بالطرق المعتادة.. أو عندما تتكرر الأسئلة خلال الجلسة الواحدة.. وقد حدث ذلك كثيرا في الآونة الأخيرة، وناحية اخرى وهي ان الخلاف والتصدع وتعكير صفو العلاقة الذي يمكن ان يحصل بين النواب والوزراء تنطلق شرارته في الأعم الأغلب من بند الأسئلة.. ذلك ان موجه السؤال لا بد ان يستعرض عضلاته!

وفي النهاية أقول إن خير الأمور الوسط.. وان المعقول مستحب.. والمعقول هنا هو عدم السماح بزيادة الأسئلة التي تطرح في كل جلسة عن سؤالين فقط.. فهل تستجيب هيئة مكتب مجلس النواب لهذا الاقتراح المتواضع؟!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة