الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٨ - الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


اللهم نجنا من مصير ييتس





لا أنكر انني معجب بالغرب لإنجازاته العلمية، ولحبه للعمل، ولكنني لست معجبا بمعظم أساليب الحياة في الغرب، بل أسال الله ان لا يضطرني إلى العيش في أي دولة غربية أكثر من بضعة أسابيع، فرغم إيجابيات الحياة الكثيرة هناك، وربما بسببها، تحول الإنسان في الغرب إلى ما يشبه الروبوت، فهو معني فقط بعمله وزيادة دخله المادي وما عليه بأم او أب او خال او عمة، وإيقاع الحياة في الغرب لا يسمح لشخص شرقي مسلم ان يعيش ويمارس النشاط الاجتماعي الذي نشأ عليه، وأذكر أنني خلال عملي في (بي بي سي) في لندن كنت اخرج من البيت في السابعة والنصف صباحا ولا اعود اليه قبل حلول المساء وبالتالي لم يكن لدي وقت للتواصل مع من في لندن من أقارب واصدقاء، ولهذا فإن كثيرا من الغربيين يفضل مصادقة كلب او قطة على مصادقة البشر، وتجد صغارهم يربون الفئران والضفادع والسحالي ويأنسون إليها لأنه لا وجود ملموسا لأب او لأم او أقارب في حياتهم، وبسبب فقدان الحنان والأمان تظهر في المجتمعات الغربية مثيلات أندريا ييتس.

سأسرد حكايتها بالتفصيل الممل عسى ان تمثل صدمة للذين يحلمون بالهجرة نهائيا إلى أمريكا أو أوروبا: السيدة اندريا ييتس زوجة وأم امريكية، كانت متفوقة في مراحل الدراسة وتنشط في مجالات الخدمة الاجتماعية وشديدة التدين، وتذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد، وتجمع التبرعات للأعمال الخيرية وزوجها راسل ييتس مهندس مرموق في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وقد قررا منذ اليوم الأول لزواجهما ان ينجبا عددا كبيرا من الأطفال وان يتوليا تربيتهم وتعليمهم من دون عون خارجي، أي من دون الاستعانة بخادمة أو دادة أو إحدى الجدات، وهكذا كرست اندريا كل وقتها لتعليم عيالها مبادئ القراءة والكتابة في البيت، وكانت تحرص على زيارة والدها المريض يوميا لتغير له ثيابه وتنظف جسمه، وذات يوم نادت ولدها لوك البالغ من العمر سنتين ليستحم، وما ان دخل الحوض (البانيو) حتى أمسكت به بعنف وخنقته وغمرت رأسه تحت الماء حتى مات، ونادت بول الذي يكبره بسنة وقامت أيضا بقتله خنقا تحت الماء، ثم جاء الدور على جون وتبعته ميري ذات الأشهر الستة، وبعد ان تأكدت ان أربعتهم ماتوا غرقا، حملتهم ووضعتهم في نفس الفراش وغطتهم جيدا وكأنها تخاف عليهم ان يصابوا بالبرد ثم اتصلت بالشرطة وزوجها لتبلغهم بما حدث.. الاطباء النفسانيون يقولون انها مصابة بنوع نادر من الاكتئاب، يحمل اسم mutraptsop يصيب عادة النساء بعد الإنجاب مباشرة، ولكنهم يعترفون بان ارتفاع معدلات الأمراض النفسية بين الأمريكيين عموما، ناتج عن تسارع وتيرة الحياة وازدياد الضغوط على الناس بعد ان اصبح لكل دقيقة قيمتها وبعد ان أصبحت الحياة منافسة في غابة الكترونية، البقاء فيها لمن يتحمل ساعات عمل اطول، ويضحي بحياته العائلية والاجتماعية ولا يعرف الترفيه الا مرة كل سنة او اثنتين عندما يأخذ اجازة.

وقد استوردنا من الغرب ضمن ما استوردنا نمط الحياة السريع رغم انه لا قيمة للوقت عندنا: نتحرك بسيارات ذات محركات صاروخية ونتناول وجباتنا خلال دقيقة او اثنتين،.. إلى عهد قريب كان من «العيب» أن يأكل الانسان وهو يمشي في الشارع، واليوم صرنا نأكل ونحن نقود سياراتنا، وصرنا نتبادل تهاني العيد بالمسجات السكند هاند (عادة أنتظر حتى تصلني رسالة معايدة حلوة لأقوم بتحويلها على المعارف والأهل)، وفي زمان العجلة ع الفاضي إذا اتصلت أم الواحد منا معاتبة: ليه يا ولدي لك اسبوعين ما اتصلت فينيني وانا وياك في نفس البلد قال لها: مشغول يا يمه أجيك في العيد ان شاء الله! ثم نتساءل لماذا بدأت بلداننا تعرف الانتحار.

ن





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة