الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٨ - الاثنين ٢٣ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أمريكا صديقتكم لكنها «عدوة» شعوبنا





«لو كان الأمريكان صادقين لوقفوا مع الشعب الفلسطيني الذي تنتهك حقوقه»، هذا جزء من الكلمة التي ألقاها القائد العام لشرطة دبي خلال مشاركته في مؤتمر «الأمن الوطني والأمن الإقليمي» الذي استضافته المملكة الأسبوع الماضي، فهذه يمكن أن تكون المرة الأولى التي يتحدث فيها مسئول خليجي كبير عن حقيقة السياسة الأمريكية وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء «صداقتها» لدول الخليج العربي وغيرها من الدول، فالمسئول الإماراتي قال بصريح العبارة «التجارب علمتنا أن الأمريكان ليس لهم صديق»، ومع كل هذه الصراحة وتاريخ العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الدول الخليجية لم تستوعب الحقيقة، بل واصلت الانسياق وراء السياسة الأمريكية في المنطقة وخاصة في علاقتها مع إيران وملفها النووي الذي يسيطر على اهتمامات الكثير من دول العالم.

فالولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تجر دول الخليج العربي وراء توجهاتها لمواجهة إيران وبرنامجها النووي، وقد تجر دول الخليج لهذه المصيدة التي لن تخدم شعوبنا على الإطلاق، وإنما أي حرب مع إيران فسوف تدفع شعوبنا ثمنها الباهظ فيما المكاسب ستصب في خزانة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بالضبط ما حذر منه قائد شرطة دبي، وحذر منه العديد من الشخصيات العارفة بأهداف أمريكا من وراء هذه الحرب.

من المهم لدول الخليج العربية أن تستحضر ملف جريمة غزو العراق قبل أن تفكر، مجرد التفكير، في الانجرار وراء المغامرة الأمريكية المتوقعة، فدول الخليج العربي شاركت وأسهمت بشكل كبير ومباشر في جريمة أمريكا تجاه العراق، بعد أن أغراها الهدف الأمريكي المعلن، وهو إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في حين كان الهدف الأمريكي الأكبر من ذلك هو إيصال العراق إلى الوضع الذي فيه الآن، حيث لا يملك ذلك التأثير الإقليمي الذي كان يملكه قبل جريمة الغزو مما أوجد مناخا مهيئا لصعود النفوذ الإيراني في العراق.

فأمريكا إذا ما قررت بالفعل الدخول في حرب ضد إيران، فإنها لا تضع أي اعتبار لمصالح الشعوب العربية في الخليج ولا حتى لمصالح الأنظمة السياسية الحاكمة التي تعتبر نفسها من أقرب أصدقاء أمريكا، وتعتقد، بل أقول تتوهم هذه الأنظمة إن وضعت نفسها في خانة أصدقاء أمريكا، فسوف تدفع ثمن هذه الثقة غير المبررة، كأن الأنظمة الخليجية لم تتعلم من التجارب التي أمامها، وكيف أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها سوى مصالحها ومصالح أصدقائها الحقيقيين، وتحديدا الكيان الصهيوني.

سوف تستغل أمريكا الخلافات السياسية بين العديد من دول الخليج العربية وبين إيران وعدم رضا هذه الدول عن السياسة الإيرانية التي تتهمها بالتدخل في شئون الدول الخليجية الداخلية واستغلالها جريمة الغزو الأمريكي للعراق للسيطرة غير المباشرة على مفاصل الحراك السياسي في العراق من خلال حلفائها من الأحزاب الشيعية في ذلك البلد، ولكن على دول مجلس التعاون أن تكون حذرة جدا من الوقوع في الفخ الأمريكي، ذلك أن أمريكا لن تخسر شيئا من الحرب ضد إيران، إذا ما وقعت، حيث من المرجح، إن لم يكن من المؤكد، أن دول الخليج هي التي سوف تدفع كُلَفها المالية ناهيك عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي ستلحق بدول التعاون.

فمنطقة الخليج العربي لم تهدأ من الحروب منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي إذ لم يمض أكثر من عام على توقف تلك الحرب المدمرة، حتى فوجئنا بالمغامرة العراقية التي تمثلت في احتلال دولة الكويت، وهي المغامرة التي جاءت كالهدية التي لا تقدر بثمن بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت فاتحة ما وصل إليه العراق حتى الآن، فهذه الحروب والمغامرات كلفت اقتصادات دول مجلس التعاون خسائر مالية ومادية يصعب تحديد أرقامها بدقة.

وما قاله القائد العام لشرطة دبي، إنما هو عين الحقيقة التي يجب أن تضعها دول مجلس التعاون أمام أعينها باستمرار خاصة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها المنطقة وتصاعد نغمة الحرب الأمريكية ضد إيران التي يلعب الكيان الصهيوني فيها دول المشعل لنارها، ذلك أن مثل هذه الحرب تخدم الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى، ناهيك عن خدمة المصالح الأمريكية من خلال استنزاف خزائن دول مجلس التعاون بأساليب عدة، فليس من مصلحة شعوبنا على الإطلاق أن تدخل منطقة الخليج في نزاع مسلح من جديد، مهما تكن الأسباب التي تتحدث عنها أمريكا، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني الذي تتحجج به الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى أهداف غير معلنة في المنطقة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة