نحو وقفة تقويمية لسياسات تعزيز الوحدة الوطنية وكبح جماح النزعة الطائفية (١)
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يناير ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد حمود السعدون
نقترب من مرور عام على الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكتنا الحبيبة والتي تميزت بأبعادها ومحركاتها وأهدافها وارتباطاتها الطائفية مما استدعى معالجات عميقة تتجاوز الحلول السياسية والدفاعية التقليدية وذلك ناجم عن خطورتها ليس على النظام والأمن الوطني الراهن فحسب بل على الوحدة الوطنية والتركيبة الاجتماعية والنظام القيمي والثقافة الجمعية للمجتمع البحريني حاضرا ومستقبلا، وقد أدركت قيادة البلاد ذلك بشكل مبكر وحذرت من تداعياته، وما فتئت توجه بضرورة السعي الجاد والتلاحم المخلص بين كل القوى الوطنية لكبح جماح النزعة الطائفية أيما كان مصدرها. كما أن القوى الطليعية التي انخرطت في حوار التوافق الوطني كان تجاوز المحركات والتداعيات الطائفية نصب أعينها في جميع قراراتها الهادفة إلى ترصين البناء الوطني سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو التربية أو الثقافة أو غيرها من المجالات. وبعد تسلم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى وثيقة مرئيات حوار التوافق الوطني وجدت طريقها إلى التنفيذ رغبة وإيمانا من قيادة البلاد بأهمية تسريع تحقيق الإصلاح الاقتصادي والإداري والسياسي والحقوقي والاجتماعي الشامل الذي يؤمن بان الإصلاح ليس مجرد شعارات ترفع لتحريك المشاعر وكسب الولاءات وتنظيم التظاهرات التي تنتهي بمزيد من التخريب ليس للبنية التحتية للمملكة وإنما للنفوس والمشاعر والضمائر وتؤدي إلى المزيد من الضحايا والاحتقانات الطائفية والأسرية، بينما الإصلاح كما تعارف عليه العالم هو استراتيجية غايتها تعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي للموارد البشرية والاقتصادية المتاحة وتحقيق تنمية مستدامة أداتها الرئيسة ومبتغاها المواطن الواعي والمؤهل والمتعلم والقادر والراغب في المشاركة الفعلية لبناء بلاده. فكانت مجموعة القرارات السياسية والاقتصادية والمالية والتشريعية المترافقة مع حزمة من الإجراءات الإدارية بما فيها الحرص على تنفيذ جميع توصيات لجنة التحقيق الدولية التي أمر جلالة الملك بتشكيلها ومنحها كامل الحرية للتقصي عن حقائق الأحداث فضلا عن الدعوات الصادقة والمخلصة إلى مزيد من التسامح وتجاوز مبررات التشنج والتباعد وفتح كل الأبواب والمنابر للمزيد من الحوار الهادف إلى تعزيز الوحدة الوطنية. كما أن تسارع وتيرة النشاط والجهد التنموي المشهود رافقه توجيهات اعتبارية داعمة من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء رعاه الله، منها ما يتعلق بضرورة انفتاح الوزارات على المواطنين، وتسهيل إجراءات لقاء الوزير المواطن، وفتح أبواب وكلاء الوزارة للقاء المواطنين علاوة على توجيه سموه بإنشاء جهاز لمكافحة الفساد بمختلف صوره وأشكاله من خلال توسيع صلاحيات الإدارة المختصة بالجرائم الاقتصادية بوزارة الداخلية، وتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية في الأجهزة الحكومية .
وقد لعبت الصحافة الوطنية دورا ايجابيا في الدعوة إلى التلاحم الوطني وقدمت مئات إن لم يكن آلاف المقترحات البناءة الهادفة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتعظيم النتائج المتوقعة من تنفيذ مرئيات حوار التوافق الوطني وأكدت أن النجاح في تحقيق ذلك لا يتوقف على مساحة واتجاهات وأبعاد وآليات تنفيذ مرئيات الحوار فحسب وإنما لابد من تبني استراتيجية جريئة شاملة تأخذ بنظر الاعتبار الإطار البيئي والمؤسسي والاجتماعي المرافق لها، استراتيجية تركز في التشخيص السليم لادوار مختلف القوى والعناصر والمؤثرات التي اسهمت بشكل او بآخر في تطور الأحداث التي شهدتها المملكة وترجمة ذلك إلى خطط ومشاريع وبرامج تؤدي فعلا إلى تحقيق الأمن المجتمعي والسياسي والاقتصادي وتحول دون تمكن تلك القوى والمؤثرات من تكرار تلك الأحداث، بحيث يتم إعادة تنميط نظم التربية والتوجيه السياسي والوظيفي والاقتصادي والمجتمعي بما يعزز معايير الولاء والوحدة الوطنية، كما أكدت أهمية استنهاض القطاع الخاص للمشاركة الجادة والفاعلة مع الحكومة في تنفيذ تلك المرئيات لاسيما في الجوانب المتصلة بمزيد من التحسين بالأوضاع المعيشية والإسكانية للمواطنين عبر زيادة المرتبات وتحسين ظروف العمل والتوسع في التشغيل وإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وتجاوز عقدة تفضيل الأجنبي، ووضع آلية مناسبة لتوفير السكن للمواطنين العاملين في شركات القطاع الخاص. فضلا عن الدور المهم للشعب بمؤسساته التشريعية في الإشراف والرقابة وسن القوانين واقتراح المشروعات ومتابعة تنفيذها، والمجالس البلدية، ومنظمات المجتمع المدني، في اقتراح المشروعات وتوجيه المواطنين لدعم المنجزات وحفظ الملكية العامة من التخريب وتعزيز روح المواطنة الحقة وتجسيد أعلى قيم الوحدة الوطنية التي كادت الأحداث الماضية النيل من متانتها.
وبعد مرور عام على تلك الأحداث لابد من وقفة تقويمية لنرى المستوى الحقيقي للتنفيذ ومؤشرات النجاحات المتحققة على الرغم من إدراكنا المسبق أن هذه المدة الزمنية غير كافية لإطلاق الأحكام والتقويم النهائي لكنها في الوقت نفسه تعطي مؤشرات أولية للاتجاهات العامة للنجاح أو الإخفاق المتحقق مما ييسر على متخذ القرار إصلاح الخلل وتجاوز الأخطاء مبكرا، فهل ستسعى الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني إلى تقويم إجراءاتها وسياساتها المتخذة خلال المدة الماضية وتبين لجمهور المواطنين ما النجاح المتحقق؟ وهل هي مستعدة لتسمع وتناقش الآخرين في مستوى أدائها المتعلق بهذا الشأن؟ وهنا ندعو الوزارات والمؤسسات الحكومية أولا والمؤسسات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات السياسية بمختلف توجهاتها السياسية ثانيا إلى عقد مؤتمرات علنية يشارك فيها أعضاء مجلس النواب والمواطنون والإعلاميون لتقويم إجراءاتها الهادفة إلى تعزيز الوحدة الوطنية والحد من النزعة الطائفية ولاسيما أن هذا النمط من النشاط والمشاركة والتواصل والتلاحم بين الوزارات والمؤسسات ومكونات المجتمع يعزز من شفافيتها ومصداقيتها السياسية والإدارية علاوة على انه قادر على الإسهام في تمكين المملكة من تجاوز أثار المؤامرة والتخريب وتحقيق أهداف حوار التوافق الوطني. كما ينبغي الإشارة إلى أهمية إشاعة أجواء من التفاؤل بالنجاحات المتحققة في الفترة القصيرة الماضية، والأهداف النبيلة التي سيحققها المزيد من التنفيذ لمرئيات حوار التوافق الوطني، والاستعداد والمرونة والانفتاح الذي تبديه مختلف الأطراف لمراجعة توجهاتها وسياساتها وإجراءاتها بما يعزز الوحدة الوطنية.
* أكاديمي وخبير اقتصادي
.