الجمعيات السياسية ونشراتها التنظيمية
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يناير ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن أحمد عثمان
لقد اطلعت على مقالة الدكتور حسن مدن، المنشورة بجريدة «الأيام» بتاريخ ٤ يناير ٢٠١٢م، والمعنونة بـ «مواقع الجمعيات السياسية ونشراتها»، وما تمخض عن ماهية هذه المقالة المهمة التي استرسل من خلالها كاتبها قائلا: «خطوة ايجابية قامت بها «هيئة شئون الاعلام»، باعادة فتح المواقع الالكترونية المحجوبة لعدد من الجمعيات السياسية المسجلة.. هذه الخطوة الايجابية بحاجة إلى استكمال بأن تعيد هيئة شئون الاعلام النظر في قرار آخر سبق لها ان اتخذته بسحب تراخيص أربع جمعيات سياسية، في شهر سبتمبر من العام الماضي ٢٠١١م.
بادئ ذي بدء يمكن القول ان «الجمعيات السياسية الوطنية» هي «المعارضة الوطنية التقدمية، والديمقراطية العقلانية».. وحسبما تمثل هذه «الجمعيات الوطنية».. «الدعم المحوري» لمؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها «السلطة التشريعية».. و«المرتكز الاساسي» للنهوض بمؤسسات الدولة وعلى رأسها «السلطة التنفيذية».. فإن أدبياتها المتمثلة في مواقعها الالكترونية ونشراتها التنظيمية، قد تجسد روح هذه المعارضة الوطنية المتسمة بالضمير اليقظ، الناطقة بلسانها، المعبرة عن أفكارها ونهجها ومبادئها على وجه الخصوص، مثلما تعبر تعبيرا صادقا عن وجدان الشعب وهموم المجتمع، وأحلام الناس البسطاء كافة على وجه العموم، الذين ينشدون روافد الحياة الحرة الكريمة، في ظل مناخ الحريات الذي يسعون الى تحقيقه، وأجواء الديمقراطية التي يتوق اليها.
وفي ذات السياق يمكن القول ان أجواء مملكة البحرين التي يعيشها ويعايشها الشعب البحريني، هي أجواء اتسمت بالمكتسبات الوطنية والديمقراطية، واتصفت بالمنجزات المجتمعية والتنموية، استوجبت ان تكون أداة لحفز وتشجيع المؤسسات الرسمية كافة، على ان تتبنى مبدأ الشفافية، بما ينسجم والمشروع الاصلاحي، وتؤمن بمفاهيم الديمقراطية التي هي الوجه المشرق لمبدأ الانفتاح على الرأي الآخر والموقف المختلف، والايمان بهذا الرأي وذاك الموقف، واحترام مفاهيمهما وصون حقائقهما، والسماع الى مغازيهما والاستماع الى معانيهما ودلالاتهما، هما ذلك بحق المشاركة الفعلية الفاعلة والفعالة «الفردية والجماعية».
وحينما أسلفنا القول انه يستوجب على المؤسسات الرسمية ان تقتدي بمبدأ الشفافية والديمقراطية للمشروع الاصلاحي.. فإننا وددنا مناشدة «هيئة شئون الاعلام» باعادة النظر في رفع الحجب والحجر عن نشرات الجمعيات السياسية المعنية بهذا الشأن، والسماح لها بالعودة ثانية للصدور.. وعلى الصعيد ذاته يمكن القول إن وجود «الجمعية السياسية» في ظل غياب نشرتها الحزبية، تظل كالانسان الابكم ذي اللسان المقطوع، لا يستطيع الكلام، فاقدا القدرة على التحدث، فيظل مشلولا عن الحوار مع الآخرين، عاجزا عن التعبير عما تجيش به دواخله وأغواره.. وهكذا تظل «الجمعيات السياسية» بلسانها المقطوع، مشلولة النشاطات السياسية والفعاليات الثقافية والفكرية والادبية، مثلما تكون منغلقة في عنق الزجاجة، مركونة في زوايا النسيان، في ضوء غياب نشرتها التي هي الاخرى تبقى بمعزل عن الحروف التي تصوغ الصفحة البيضاء الى هدف يسمو بمغازي الحياة والمجتمع والوجود.. وبمعزل عن نشر الكلمة الحرة التي تجد طريقها الى عقول أفراد المجتمع.. وبمعزل عن القلم الذي يستميح قراءه العذر عن توقفه عن الكتابة.. بل بمعزل عن تجسيد الفكر والرأي، بقضايا المجتمع وأهداف الشعب. من هذا المنطلق فإن موافقة «هيئة شئون الاعلام» على السماح بالصدور ثانية لنشرات «الجمعيات السياسية» ورفع الحجب عنها.. فإن «عملية الموافقة» هذه ستمثل «الحلقة المحورية» ما بين أفكار «المعارضة» وأفكار «المجتمع» وبتلاحق هذه «الافكار» بعضها بعضا.. بل ستعكس «همزة الوصل» ما بين البنيتين (الفوقية والتحتية) وما بين الرأيين (الشعبي والرسمي).. وما يتمخض عن هذا التجسير من تحقيق سمو الطموحات، ونبل الاهداف، المتمثلة في تعزيز المصالحة الوطنية، وترسيخ صياغة الوحدة الوطنية وتجسيد اللحمة المجتمعية.. ولطالما ان «الجمعيات السياسية» تمثل الانماط الحزبية، ومبدأ التعددية السياسية، وخاصة «جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي»، التي تجسد «المعارضة الوطنية التقدمية العقلانية والمستنيرة»، والتي بلغت من النضج السياسي والفكري والوعي الاجتماعي، ما ينسجم وتراثها الوطني.
ويبقى القول صحيحا بهذا الصدد انه حسبما تظل «جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي» طبقا لـ (قانون الجمعيات السياسية) تعبر عن الانتماء الحزبي الوطني، والانتماء الجماهيري الشعبي.. فإنها تعكس مفاهيم (الحزب السياسي والمبدئي).. ولطالما «جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي» وغيرها من (الجمعيات الوطنية) تجسد صفة (المفاهيم الحزبية).. فإن هذه (الجمعية الوطنية) أو تلك، قد تستمد أفكارها ونهجها، وخضم فعالياتها وأنشطتها.. بل وجودها وديمومتها، من معين (نشراتها الشهرية أو الدورية) التي تحمل ما بين طيات صفحاتها وثنايا سطورها، النتاجات الفكرية والابداعات الثقافية والانساق السياسية، وما يترتب عليها من طرح (قضايا وأفكار) تهتم بالدرجة الاولى بالشأن العام، من خلال توجيه كلمة النقد الايجابية البناءة، «النقد الاجتماعي والنقد السياسي».. وذلك كله من أجل النهوض بالمشروع الاصلاحي، وترسيخ مقومات المجتمع المدني، وتعزيز مفاهيم الديمقراطية في مملكة البحرين.
في نهاية المطاف نستطيع القول بذات السياق ان الآمال معقودة على موافقة «هيئة شئون الاعلام» على اصدار قرار برفع الحجب والسماح بصدور نشرات «الجمعيات السياسية» من جديد.. لأن هذه النشرات التنظيمية، هي روح هذه (الجمعية الوطنية).. فإن غابت هذه (الروح) غابت الحياة عن (الأم) التي هي (الجمعية السياسية الوطنية).
.