الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٢ - الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ما يصح إلا الصحيح





الكثيرون، وأنا واحد منهم، على ثقة تامة بأن الألوان الرمادية التي تغلف أجواء البحرين في الوقت الحاضر واستمرار العزف على أوتار الطائفية وتأجيج الاحتقان بين أبناء الوطن الواحد، ليست سوى محطات عابرة في تاريخ البحرين وشعبها الذي لن يقبل إطالة أمد هذه الأوضاع والسماح لمفتعليها بتحويلها إلى سمة ملازمة لحياة البحرينيين، فأبناء هذا الوطن عاشوا وتعايشوا على مدى قرون عدة من الزمن وتداخل أبناء الطائفتين عائليا، بحيث تحولت صورة المجتمع البحريني إلى فسيفساء جميلة ومثال يحتذى في التسامح والتآلف، وعليه نقول: إن الصورة الكئيبة التي نشاهدها الآن على وجه بحريننا، ليست الصورة الحقيقية التي يعرفها أبناء البحرين وغيرهم.

قد يرى البعض أن أمد هذه الأوضاع غير الطبيعية والمؤسفة بحق، قد طال أكثر مما كان متوقعا، وأن منافذ الخروج من هذه الأوضاع آخذة في التقلص، الأمر الذي من شأنه أن يصعب من عملية التعامل معها أو إيجاد المنفذ للخروج منها بأقل الخسائر، وفي هذه النظرة شيء من الصحة، إذ لم يألف أبناء البحرين على مدى تاريخهم الحديث، «خصاما طائفيا» بالحدة التي عليها الآن، ولكن رغم نبرة التشاؤم التي تساور البعض، فإن العلاقات بين أبناء البحرين من مختلف الأعراق والطوائف ستعود إلى حالتها الطبيعية المألوفة.

يمكن القول: إن «الخصام الطائفي» الذي نتحدث عنه هو خصام مفتعل، وقد نجح مفتعلوه في تحويله إلى واقع يطبع علاقات أبناء الطائفتين مع بعضهم بعضا، وفي الحقيقة فإن هذا الخصام المفتعل ليس له وجود إلا لدى فئات قليلة جدا في أوساط الطائفتين الكريمتين اللتين تشكلان جناحي الطائر البحريني، أما الغالبية العظمى من أبناء الطائفتين، فهم يرفضون القبول بوجود خصام طائفي ويصرون على قدرة البحرين على تجاوز هذه الحالة غير الطبيعية بفضل تمسك السواد الأعظم من أبنائها بوحدتهم الوطنية وتغليب مصالح الوطن على كل المصالح الفئوية الأخرى.

ولكن ما يجعل الصوت الشاذ مرتفعا، ليس كونه صوتا فعالا ومؤثرا، وإنما لأن صوت العقل والمنطق وأصوات الوحدة الوطنية ليست مرتفعة النبرة بما يتناسب والتحديات التي تواجه الوحدة الوطنية، الأمر الذي تسبب في ترك الساحة خالية للأصوات النشاز التي عملت على افتعال «الخصام الطائفي» لأهداف أنانية ضيقة تتناقض كليا مع الأهداف السامية للغالبية الساحقة من أبناء الطائفتين في البحرين، مثل هذه النتائج يمكن أن تحدث في كل مكان، فحين يغيب أو يضعف صوت العقل، يطغى صوت الفتنة والتخريب.

هذه الحالة التي نعيشها الآن، هي حالة عابرة في تاريخ بلادنا، ومن المؤكد أن أبناء البحرين قادرون على الخروج منها أكثر تماسكا وقوة وإيمانا راسخا ببناء مستقبل «وطن لا يرجف فيه الأمل»، يرفض أبناؤه التخلي عن سمات الألفة والتسامح التي شكلت خيوط نسيجهم الوطني على مدى قرون طويلة من العيش المشترك تحت سقف الوطن، فمن يحلم ويؤمن ببناء مثل هذا الوطن، لا يمكن له أن يصغي إلى صوت الفتنة أو السير وراء مفتعلي الخصام الطائفي، لأن السير في هذا الطريق محفوف بالمخاطر الجمة التي تهدد مستقبل الوطن وجميع ابنائه من الانتماءات والأعراق كافة.

نسيجنا الوطني وسمات التسامح والألفة شوهتهما الأصوات النشاز وعبثت بخيوطهما أصابع التخريب، وقد نجحت في تحقيق جزء من نياتها الشريرة حيث هناك من يستمع إلى نبرات أصواتها وينساق وراءها، خاصة، وهنا يكمن الخطر، أن بعضا من تلك الأصوات يخرج من على منابر دور العبادة، ولكن مع ذلك نقول: إن الغالبية العظمى من أبناء شعبنا لم تنطل عليهم تلك الألاعيب والحيل، فأخذت أصوات هذه الفئة (الغالبية) ترتفع في الآونة الأخيرة فاضحة مفتعلي الخصام الطائفي ورافضة الزج بأبناء هذا الوطن في صراعات مذهبية ليست لها مقومات ولا أسباب أصلا.

آن الأوان كي تخرج الغالبية العظمى، وجلها صامت حتى الآن، عن حالة الصمت التي تلف موقفها وأن تتصدى بكل وضوح وصراحة لمفتعلي الفتنة والخصام الطائفي بين أبناء البحرين، فهذا الوطن لا يمكن أن يسير إلى الأمام إلا بوقود أبنائه من جميع المكونات، وهؤلاء هم القادرون على تحقيق أهدافه في التنمية والتطور، وهم وحدهم الذين يشكلون صمام الأمان في وجه جميع المخاطر التي تهدده، أما مفتعلو الفتنة فإن مستقبل هذا الوطن لا يعنيهم بشيء، فمصالحهم الضيقة والأنانية تسمو على جميع المصالح بما في ذلك مصالح الوطن.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة