الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٥ - الخميس ٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير



السفير الأمريكي:

أين موقعه من استراتيجية بلاده الجديدة؟ (٢ - ٢)





أي سفير في أي بلد كان، هو لا يصنع القرار الاستراتيجي في بلده، وانما هو ينفذه، حتى لو كان ناقلا لتقارير يضعها من خلال مراقبته لأوضاع البلد الذي يعمل سفيرا لبلاده فيه.

وهو أيضا كـ (منفذ سياسات) وكمراقب وكاتب تقارير وملاحظات وأحيانا توجيهات، لا يملك أن يغير في استراتيجيات عليا رسمها أصحاب القرار له، لكي يمشي على طريقها ولكي ينفذ تعاليمها وربما لكي يضيف الى «تكتيكاتها».

لذلك فإن السفير الأمريكي في البحرين لا يختلف عن أي سفير آخر، وان كانوا جميعهم لديهم قرون استشعار لتوجيه بلدانهم حول ما تتعرض له الاستراتيجية المرسومة من عوائق أو مخاطر أو انكشاف مفضوح وأهمية مراجعة أو تبديل «التكتيك».

{ واذا كانت الاستراتيجية الأمريكية لرسم خريطة الشرق الاوسط الجديد، قائمة على التحول في التحالفات وعلى «الفوضى الخلاقة» وعلى دعم المعارضات التي تثبت قدرتها على مشاكسة حكوماتها والتمرد على قوانينها وما يحفظ هيبة دولتها، فان السفير الأمريكي في البحرين ليس بيده الا تنفيذ هذا الدعم وتلك الخطة، ومراوغة الدولة البحرينية مثلا لتهيئة ظروف أنسب لنجاح المعارضة التي عليها العين الأمريكية كأداة خلخلة، واستخدام كل خبراته ودهائه وامكانياته في تحقيق ذلك، والايهام بمسك العصى من المنتصف ان لزم الأمر، وحسبما تبديه الدولة من قوة أو ضعف، ولذلك - وكما قلنا في المقال السابق - من الطبيعي أن تأتي التصريحات متلونة أو متناقضة، مع ما يقوم به من ممارسات على ارض الواقع، في اتجاه التنسيق ودعم المعارضة اياها، مهما خرجت عن خط القانون أو اتجهت نحو مباركة ورعاية العنف والتخريب أو الارهاب، ففي نهاية الأمر كل ذلك يصب في المخطط الأمريكي، لكأن السفير يخاطب نفسه ويقول:

- ماذا اعمل، هذه هي استراتيجية بلدي وأنا هنا لكي أنفذها؟

ثم يقول لنفسه متأملا:

- المسألة ليست مسألة منطق أو انصاف أو نقل لحقيقة ما يحدث، انما المسألة هي ان استخدام كل امكانياتي ودهائي وخبراتي لانجاح ما تريده بلادي مني وتحقيق مصالحها.

وربما بعدها يبتسم ابتسامته الماكرة ويتأمل قليلا بشكل آخر سقف غرفته أو بياض أوراقه التي يضع عليها خطة تحركاته أو تقريره الجديد ويقول:

- يبدو ان المهمة في البحرين اصعب مما كنت اتوقع، وبالتالي فهي تحتاج إلى «تكتيكات» اخرى، وهذا سبب وجودي هنا رغم رفض غالبية الشعب البحريني وجودي في بلادهم.

{ هذا الرجل هنا لينفذ سياسة بلده ومخططها الذي سقط عنه القناع ايام الدوار، أتذكرون؟ اذاً مهمة الشعب البحريني المخلص ليست مجرد الغضب على وجوده، كرجل محنك قادر على ان يهندس للطائفية أو الفتنة، كما بدأت ملامحها تتضح شيئا فشيئا، وانما المهمة هي في الواقع مهمتان احداهما على الدولة البحرينية والاخرى على الشعب البحريني:

أما مهمة الدولة، فهي ألا تركن إلا إلى قوتها الذاتية ووحدتها الخليجية بعد اعتمادها على الله، وألا تفوت تحت اي نصيحة - مهما تكن باسمة أو ضاغطة - أهمية وقيمة تمسكها بغالبية شعبها المساند لها ورأيه وهي الغالبية التي زادت بعد اتضاح الأجندات والمخططات، وكانوا ابناء الفاتح فأضيف لهم كل من تلقى الصدمة من أداء المعارضة اللاوطنية.

مهمة الدولة أن تنشر الحقائق وتتحرك ليس فقط بحكمة وانما بذكاء وبهمة في كشف تلك الحقائق في كل مكان، لتشكل ضغطا خليجيا لا مفر منه على اي دولة كبرى أو اقليمية، تريد العبث بالمصائر الرسمية والشعبية في البحرين والخليج العربي، وفقا لاستراتيجياتها المهددة للأمن والاستقرار، والا تنتظر من الولايات المتحدة او سفيرها انصافا أو منطقا أو نزاهة أو وضع اعتبار لحقيقة ما يدور على ارض الواقع، فذلك كله ينسف المخطط المرسوم الذي ينتظر اصحابه فرصة جديدة للانقضاض فحسب.

{ أما مهمة الشعب البحريني المخلص - وكما قلنا في مقال سابق منفرد - فهي توحيد الصف خلف الدولة، وعدم الانسياق للاستفزازات الطائفية، والصبر اكثر في هذه المرحلة الزمنية تحديدا على ما يراه من اساليب او اخطاء من الدولة لا تعجبه ويريد التمرد عليها، فالوقت هو وقت ابداء الرأي بشكل حر، ولكن بما يفيد الوطن والدولة، والشعب ككل، من دون ان يكون ذلك الرأي عامل شحن أو تأجيج أو تمرد او استفزاز، فهذا ما يريده المخططون وما يريده المنفذون، وهو مدخلهم لخلق ازمة كبيرة اخرى، ان يصوروا ان الشعب كله غير راض ومتمرد، أو أن اطرافه قد قبلت الدخول في فتنة الطائفية والاحتراب وحان وقت التدخل الجدي.

قد تبدو المسألة صعبة، وما تحمله الشعب المخلص في هذا المجال هو الانجاز الحقيقي الذي اذهل العالم كله، وليس بالطبع ما يدعيه المخربون والارهابيون من سلمية زائفة.

{ على كل الوطنيين والمخلصين في هذا البلد ايضا بذل المزيد لكشف الحقائق، ودراسة الحدث البحريني دراسة مستفيضة، وتوحيد الرأي في طرائق وأساليب المواجهة، فالمخططات مستمرة، وهي بحاجة الى توعية شعبية دائمة، والى دور مختلف للقائمين على مواقع و«قروبات» التواصل الاجتماعي، مثلما هو الدور على الكتاب والصحفيين والمثقفين في هذه المرحلة دور نوعي وكبير، اكشفوا الحقائق ووحدوا الارادة وواجهوا بوعي النيات الخبيثة والماكرة التي تحيط بنا، بعدها لا تهم لا تحركات السفير الفلاني أو العلاني، ولا مخططات هذه الدولة او تلك، مهما عظمت أو طمعت، او زرعت ادوات أو كوادر.

شعب يحمي وطنه بوعي، ليس بامكان احد أن يتلاعب به بسهولة، خاصة اذا كان الاتكال على الله صحيحا ثم الأخذ بالوسائل مستمرا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة