الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٧ - السبت ١١ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


تطويرُ الأنظمة (٢-٢)





إن كون الجماعات المذهبية من فئاتٍ وسطى صغيرة مضطربة بين أقصى اليمين وأقصى اليسار جعلها غير قادرة على طرح أفكار سياسية ديمقراطية تحولية.

فنظراً لكون الجماعات السياسية الشيعية قد ارتبطت بصعود النظام الإيراني فإن أفكارها السياسية لم تتجه لتطوير أوضاع الفئات الوسطى لتتحول إلى قوى ديمقراطية وطنية.

النظام الإيراني نفسه لم يتشكلْ من خلال صعود برجوازية وطنية تحديثية، فأوجد مؤثرات محافظة في طائفته الممتدة عبر الحدود تشابه نظامه، ومثّلَ لها مركزاً استراتيجياً، ولهذا فهي لا تستطيع أن تندمج في الطبقات الوطنية في البلدان الأخرى وتبتعد عن الشكل المذهبي السياسي وتنمو بأشكالٍ مستقلة خاصة أن المذاهب دوائر هائلة من التراث والمعرفة والأساطير يمكن إستغلالها بشتى الطرق وهي تعبر عن واقع المجتمعات في العصور الوسطى حيث لا توجد مركزية تصهر المجموعات المناطقية المفككة والثقافات ذات العناصر العقلانية والعناصر غير العقلانية والسحرية وغيرها، وهي جذور تجعل التكوين السياسي المذهبي يتعدد في أدواره من دون أن يقدر على إنتاج سياسة موضوعية لطبقةٍ ذات قدرة على بلورة علاقات إنتاج عصرية فيتأزم المجتمع وينقل تأزماته إلى المجتمعات المتأثرة به.

وهذا ما حدث في أشكال الأفكار الشمولية كافة سواء في بعض الدول العربية أم في روسيا والصين وغيرها، وكانت امتداداتها معروفة وإشكالية.

وهذا ما جرى كذلك لبعض القوى المذهبية السنية، فنجد أن الاخوان المسلمين عبر تجربة طويلة من الصراع مع نظام شمولي مصري أو سوري، استطاعوا أن يقاربوا الفئات الوسطى الوطنيةَ في بلدانهم، وراحوا يعبرون عن المسلم بمذاهبه أو المسيحي، لكونهم ركزوا في الأهداف السياسية الديمقراطية التي تهملا كلَ مواطن، لكنهم واقفون حتى الآن عند مسائل الوحدة الوطنية ولم ينتقلوا إلى كيفية تشكيل النظام الديمقراطي الحديث.

فيما السلفيون يرفضون ذلك، ويرفضون مختلف الحريات الاجتماعية مما يعبر عن تجربة لم تنمُ في حياة مصر الديمقراطية، ولهذا فإن الدينيين يعجزون هنا عن تشكيلِ طبقةٍ برجوازية وطنية مصرية تقوم بالتعاون مع العاملين على إنشاء تجربة ديمقراطية تحديثية عميقة.

إن عجزَ الدينيين عن تكوينِ طبقات برجوازية قائدة لعمليات التحويل الديمقراطية التحديثية للبلدان العربية والإسلامية، يتجلى في إيران ومصر ودول الخليج والعراق وغيرها من البلدان، وهي أمورٌ تعود لضخامة الرساميل العامة وتحولها إلى بيروقراطيات نازفة للموارد، ونظراً للحروب التي نتجتْ عن الصراعات السياسية المبنية على أسس الحياة القديمة، وعيش الفئاتِ الوسطى في أحضان الدول، فقد غدت الأفكارُ الليبراليةُ والديمقراطية هامشية، فيما تضخمت الأفكارُ المذهبية السياسية، ولكن تضخمها عبّرَ عن نزاعات سياسية وتنافس بين القوميات والدول العربية والإسلامية.

إن تضخمَ الآراء المذهبية السياسية كان أغلبه مصنوعاً ولم يأتِ من النمو الطبيعي في هذه الدول، فنظراً لموارد ماليةٍ تضخمتْ فجأة، وتضخمتْ معها السياسات الحكومية الذاتية، وغابت الديمقراطيات داخل هذه الدول المحددة للمال العام وتوزيعه، فقد غلبت المصالح الذاتية للنخب.

فيحدث هذا التعجيل بين السياسات الحكومية المتنفذة وكيانات المذاهب الاجتماعية القابلة للتسييس وبسبب العامة التي تعيش في هذه الكيانات من دون درس عميق للدين وللأفكار السياسية، مما يسبب قفزات على الحدود الوطنية واضطرابات بين المسلمين أنفسهم وبقية الأديان والأفكار.

هي دولٌ كبيرة لديها موارد ضخمة ومأزومة وتنقل أزماتها إلى الدول الأخرى، بدلاً من حل مشكلاتها وإنتاج ديمقراطيات داخلها.

غدا الموروث الإسلامي مؤدلجاً حسب مصالح وطموحات الدول الذاتية، فهي تقوم بضخه حسب مصالحها ونمو أجندتها، فتتحول إلى فرقة بدلاً من أن تكون دولةً حديثة، كما لو كانت تعيشُ في العصر الوسيط.

والفرقةُ توزعُ الخيرات على جماعتها، ونرسخ الحرمانَ والفقر في المجموعات الأخرى التي لم تنضم للفرقة وتغدو السياسات صراعية ذاتية خطرة، لا تُنتجُ من طبقةٍ حديثة ذات مشروع تحديثي ديمقراطي، ضدها أحزابٌ متنافسة، تتبادل السلطة، وتعارضها أحزاب يسارية تمثل القوى العمالية والفقيرة والقوميات الأخرى، وبهذا يتشكل النظام الحديث.

مستقبل الجناحين الشيعي والسني السياسيين غامض، فجناحٌ يعاني خروجه عن الحداثة وقوانينها، وجناحٌ لم يدخلها بقوة حتى الآن ويقف على العتبة. والمهماتُ العامةُ تتعلقُ بالجناحين عبر تعضيد حضور برجوازية إيرانية حديثة تفككُ نظام العسكر المذهبي، وتنقلهُ إلى مرحلةٍ جديدة، وهو أمرٌ يترافق الآن مع نهوض (البازار) واستيائه من الحصار والنفق الذي قادتهم إليه الفئاتُ ماقبل الرأسمالية التقليدية، ومعارضة الشعب الواسعة للظروف الخانقة، كذلك فيمكن التأثير داخل البلدان التي انتصرت فيها الثورات لسلوك هذا التحول الحداثي، وهو أمرٌ سيضع الأسسَ العامةَ للتقارب التحديثي بين العربِ وبين المسلمين ويُوجد أسساً جديدة لنمو الأمم الإسلامية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة