الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨١ - الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


«الشئون الإسلامية» يقرع جرس الخطر





«ان الآثار السلبية المترتبة على تنامي خطاب الكراهية والعنف غير خافية على عاقل، مما يشكِّل خطورة عظمى على أمن الوطن والمجتمع والأواصر الراسخة التي ربطت بين أبناء الطائفتين الكريمتين في مملكتنا الغالية لقرون طويلة»، تلك كانت فقرة من البيان الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإٍسلامية أمس ودعا فيه إلى «لم الشمل وإعادة نسيج الوحدة الوطنية التي تحمي الوطن وتحافظ على مكتسبات أبنائه»، فهذا البيان جسد موقفا وطنيا موفقا من الوضع غير الصحي الذي يمر به شعبنا في الفترة الحالية، وهو الوضع الذي يمثل جزءا من التداعيات التي أفرزتها الأحداث التي تفجرت في الرابع عشر من شهر فبراير من العام الماضي، حيث تجاوزت التداعيات محيط الخلافات والاختلافات السياسية إلى محيط العلاقات المجتمعية فضربت خيوط النسيج الوطني بين أبناء الطائفتين الكريمتين.

بيان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية توجه مباشرة إلى رجال الدين مطالبا إياهم باستخدام مكانتهم المجتمعية لـ «تنقية الأجواء وتصفية النفوس وتهدئة الأوضاع بالحكمة والموعظة الحسنة»، وهي دعوة تنم عن شعور بمدى ما يمثله خطاب رجال الدين من تأثيرين سلبي وإيجابي في الأوضاع المجتمعية في البحرين، ذلك أن الخطاب الديني بين ثناياه تكمن بذور زرع الألفة والتسامح بين أبناء الطائفتين، وبين ثناياه أيضا تكمن بذور الفرقة والتناحر وتصاعد الاحتقان الطائفي وتنامي خطاب الكراهية الذي تسبب حتى الآن فيما نراه من وضع غير صحي بين جزء لا يستهان به من أبناء الطائفتين الكريمتين.

نتفق مع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فيما ذهب إليه من أن هناك آثارا سلبية كبيرة بسبب تنامي هذا الخطاب وأن تأثيره في النسيج الوطني ليس مخفيا على كل من له بصيرة أو ذرة من العقل، فبسبب هذا الخطاب تتصاعد وتيرة التناحر الطائفي عبر منابر التواصل الاجتماعي حيث يقشعر بدن الإنسان ويصاب بالغثيان حين تقع عيناه على تلك المفردات المستخدمة في تلك الخطابات، وهنا يقع اللوم بالدرجة الأولى على بعض من رجال الدين من الطائفتين الذين يتحملون جزءا كبيرا من مسئولية سقوط وانحدار لغة التخاطب إلى قاع مستنقع آسن.

جزء آخر من المسئولية يتحمله أيضا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي لم يتصد بما فيه الكفاية لخطاب الكراهية الذي ينبعث من على بعض منابر الخطابة الدينية أو من خلال تصريحات عدد من رجالاتها، الأمر الذي أسهم في تمادي أصحاب هذا الخطاب مستغلين المناخ غير الصحي الذي لف أجواء بلادنا منذ تفجر أحداث فبراير من العام الماضي حتى الآن، حيث كان بالإمكان لجم هذا الخطاب في مهده قبل أن يترك تأثيره السلبي في العلاقات بين فئات من أبناء الطائفتين السنية والشيعية.

ما يمكن قراءته في بيان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية هو أن المجلس قد استشعر الآن خطورة ما يمثله خطاب الكراهية من خطر على أمن المجتمع والوطن وأواصر العلاقة بين أبناء الطائفتين، فهذا الاستشعار، لا نقول انه جاء في الوقت الضائع، ولكنه أتى متأخرا، إذ ان بذور زرع الفتنة وبث الكراهية استمرت على مدى الأشهر التي أعقبت تفجر تلك الأحداث، ورغم التحذيرات التي أطلقتها القوى غير الطائفية والفعاليات الوطنية التي تمثل وتضم بين صفوفها أبناء البحرين من الطائفتين الكريمتين، فإن تحركا جادا من جانب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أو غيره من الجهات ذات التأثير المباشر في مصادر ذلك الخطاب لم يحدث.

فالمجلس الأعلى للشئون الإٍسلامية الذي توجه بمناشدته الأخيرة مباشرة إلى رجال الدين من الطائفتين الكريمتين، إنما يريد أن يقول، ولو بطريقة غير مباشرة - ان مصدر التفريق بين أبناء الوطن الواحد مرده إلى الخطاب الديني الطائفي، وهذا الخطاب لا يخرج إلا من محيط رجال الدين ومن يأتمرون بأوامرهم أو ينتهجون مضامين خطاباتهم الدينية، فهذا الخطابات هي التي تعزف على الأوتار الطائفية وهي التي تسببت حتى الآن في إحداث شرخ بين أبناء الوطن الواحد.

فالخطر الذي حذر منه بيان المجلس الأعلى للشئون الإٍسلامية بسبب انتشار خطاب الكراهية هو ملموس على أرض الواقع، ومن أبرز صوره: طأفنة العلاقات التجارية حيث تنفذ ما تسمى المقاطعة الاقتصادية القائمة على أسباب طائفية، وهي المقاطعة التي تقودها وتدعو إليها فئة من أبناء الطائفتين الكريمتين، وربما هذه أسوأ نتيجة سلبية تسبب فيها خطاب الكراهية الذي يتحدث عنه المجلس، فهذه الوضعية السلبية التي تمر بها العلاقات المجتمعية بحاجة إلى أكبر من مجرد مخاطبة رجال الدين، فإزالة الآثار السلبية التي ترتبت على تصاعد هذا الخطاب، بحاجة إلى برنامج عمل تشترك فيه جميع الفعاليات المجتمعية ذات المصلحة المباشرة في ترميم بيتنا الوطني وحمايته.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة