عن الجهالة الأممية!
 تاريخ النشر : السبت ٣ مارس ٢٠١٢
جعفر عباس
لم تغب عن ذهني قط وقائع تعود إلى بضع سنوات عندما اعتقلت الشرطة في العاصمة العراقية بغداد، امرأة في الأربعين من العمر، بتهمة قتل طفل دون الثالثة، وأكل كبده! وبررت فعلتها بأن عرافا ابلغها بأن فرصتها الوحيدة للحمل والإنجاب هي ان تأكل كبد طفل صغير، فكان أن فعلت ما فعلت، وقرر القضاء أنها ليست أهلا لحمل بيبي، بل قضى بأن «تحمل» في جيدها حبلا يؤدي إلى خروج روحها من جسدها فيما يشبه خروج الطفل من بطنها، وأذكر أنني في عيد اضحى ذاته في مدينة ابوظبي كنت منهمكا في مساعدة جزار تولى ذبح أضحيتي أمام مسكني، عندما اتى شاب آسيوي بائس الحال رثّ الثياب وجلس يراقبنا، فقمت بعد فراغنا من مهمتنا، بمناولته كيسا به كمية من اللحم الطيب، ولكن الشاب رفض الهدية، واشار بيده إلى النفايات المتبقية من الخروف فحسبت انه يريد جلد او رأس الخروف فقلت له: خذ منها ما تشاء، فقام من موضعه وتناول خصيتي الخروف وهز رأسه دليل امتنان فأوقفته وأبلغته ان بامكانه ايضا ان يأخذ معه كيس اللحم، ولكنه شرح لي بغيته: انا ما في يولد بتشا (عيال) وهذا مال خروف زين حق نفر ما في بتشا! غلا الدم في عروقي: هذا الحيوان يرفض اللحم الحلال ويريد اكل خصيتي الخروف لانه يعتقد ان ذلك سيزيل ما به من عقم.. كدت من الغيظ ان اهوي على عنقه بالسكين ولكنه فر بغنيمته.. وددت لو أسأله: هل هناك تطابق بين جيناتك وجينات الخروف؟ أم انك تحلم بإنجاب طفل ذي مواصفات بهيمية مثلك؟ ولكن هيهات ان تقنع من رضعوا الجهالة والخرافة كابرا عن كابر بأنه حتى لو زرع خصية خروف في جسده فان ذلك لن يزيل ما به من عقم، بينما قد تكون هناك اقراص دوائية ناجعة المفعول تحل مشكلته في كل البلاد العربية تتكرر المأساة المتمثلة في موت شخص ضربا على يد من يزعم انه يعاقب العفاريت او الجان التي تسكن بدن الشخص المريض، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان لا يقدم على أي عمل قبل ان تستشير بعلته نانسي عراف البيت الابيض الذي نهى ريغان كلية عن القيام بأي عمل في يوم الأربعاء، (أهلنا في منطقة النوبة السودانية يتشاءمون من يوم الأربعاء، ولا يعقدون القران فيه، وأسوأ أيام الأربعاء عندهم هو «أون أباق» أي الذي يأتي بعد انتهاء دورة ظهور القمر مباشرة) وكانت والدتي كلما وفدت واحدة من الغجر إلى بلدتنا تضع أمامها القطع النقدية لتقرأ لنا البخت، فتقول الغجرية لأحدنا: عمرك طويل، أجلك قصير، فتتيه أمي فرحا وسعادة لأنها كانت تحسب أن قصر «الأجل» أمر طيب، وطالما ان الأمريكان يؤمنون بالخرافات فلا تثريب على أمي الأمية، ومن عجيب المفارقات ان الذين يستعينون بالعرافين لا يدركون انه لو كان للعرافين مصداقية لما لجأوا إلى الناس يقبضون منهم الأتعاب لتوفير المال اللازم لضروريات الحياة، ومرتين كل اسبوع يستضيف تلفزيون بي بي سي البريطاني عرافة لتدل الجمهور على الأرقام المرشحة للفوز بالملايين في اليانصيب ولم يسأل احد من الأغبياء الذين يتابعونها نفسه مرة: لماذا لا تكسب العرافة النقود لنفسها بدلا من تتقاضى اجرا زهيدا من بي بي سي؟ او لماذا يتابعها الناس اسبوعا بعد اسبوع رغم انه لم يحدث قط ان فازت الأرقام التي دلت الناس عليها؟ ومن طريف دنيا التنجيم ان المؤتمر السنوي للعرافين والمنجمين في أمريكا عام ١٩٩٩، تأجل بحسب البيان الصادر عن سكرتارية المؤتمر بسبب أحوال جوية طارئة حالت دون وصول معظم المشاركين!! فهمت يا......!
jafabbas١٩@gmail.com
.
مقالات أخرى...
- عمالة مترهلة وكمبيوترات متعطلة - (2 مارس 2012)
- عن الأيتام والجرسونات - (1 مارس 2012)
- عدم الجليد «نعمة» - (29 فبراير 2012)
- حب إيه اللي أنت..... - (23 فبراير 2012)
- وللثراء ثمن قد يكون فادحاً - (22 فبراير 2012)
- الشلوت والإبرة والبطة - (21 فبراير 2012)
- دنيا عجيبة - (20 فبراير 2012)
- الإضراب عن الكتاب - (19 فبراير 2012)
- العبث اللغوي عن غباء أم جهل؟ - (18 فبراير 2012)