خيارات أوباما بين إسرائيل وإيران
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢
بقلم: توماس فريدمان
يراودني سؤال واحد لا غير: هل باراك أوباما أكثر الرؤساء تأييدا لإسرائيل في التاريخ أم تراه فقط أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييدا لإسرائيل؟
لماذا؟
لأن المسألة المتعلقة بما إذا كانت إسرائيل في حاجة أو يحق لها أن توجه ضربة وقائية استباقية للمنشآت النووية الإيرانية تعتبر اليوم من أكثر القضايا الحساسة المثيرة للجدل في العالم.
إنها أيضا مسألة محفوفة بالأخطار سواء لإسرائيل أو لليهود الأمريكيين فلا أحد منهم يريد أن يتهم بالسعي لجر الولايات المتحدة الأمريكية لحرب جديدة، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بحرب قد تزيد من إضعاف اقتصاد عالمي يعاني أصلا الهشاشة وانعدام الاستقرار.
لقد عبر الرئيس باراك أوباما ؟ من خلال الحوار المطول الذي أجراه معه جيفري جودلبرج من مجلة مونثلي أتلانتك والخطاب الذي ألقاه في مؤتمر لجنة العلاقة الأمريكية الاسرائيلية «إيباك»، اللوبي المؤيد لإسرائيل ؟ عبر عن أكبر دعم يقدمه رئيس أمريكي لإسرائيل، لقد أعاد رسم المسألة الإيرانية، فقد قال بكل جلاء ووضوح ان المسألة الإيرانية لا تتعلق فقط بالأمن القومي الإسرائيلي بل إنها تتعلق أيضا بالأمن القومي الأمريكي والأمن العالمي برمته.
لقد فعل الرئيس باراك أوباما كل ذلك عندما أوضح أن السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية ومن ثم العمل على «احتوائها» ؟ على غرار ما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية من قبل مع الاتحاد السوفيتي ؟ لا يمثلان خيارا صائبا، فإذا ما امتلكت إيران الأسلحة النووية فعلا فإن كل الدول المجاورة لن تبقى مكتوف الأيدي بل إنها ستسعى بدورها للنسج على ذات المنوال والحصول على الأسلحة النووية. هذا التصعيد من شأنه أن يحول الشرق الأوسط إلى منطقة نووية كما أنه سيشجع دولا أخرى في العالم على الإخلال بالتزاماتها المنصوص عليها في معاهدة منع الانتشار النووي. إن هذا التصعيد من شأنه أن يشجع السوق النووية السوداء وقد نشهد انبلاج فجر عالم جديد أكثر خطورة.
قال الرئيس باراك أوباما في حواره مع مجلة «مونثلي أتلانتك»:
«إن منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية ليس فقط مصلحة إسرائيلية بل إنه من صميم المصالح القومية والحيوية الأمريكية، فإذا ما امتلكت إيران الأسلحة النووية فإن ذلك سيتناقض بشكل كامل مع سياستي القائمة على منع الانتشار النووي، هناك مخاطر حقيقية من احتمال وصول سلاح نووي إلى أيدي المنظمات الإرهابية.
إن ذلك سيعطي إيران قدرة إضافية على حماية ودعم وكلائها لتنفيذ عملياتهم الإرهابية لأنهم سيصبحون أقل خوفا من رد الفعل الانتقامي.. إذا ما امتكلت إيران الأسلحة النووية فإن هناك ما بين أربع وخمس دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط قد تعمد بدورها إلى إطلاق برامج نووية وستنتج الأسلحة النووية في منطقة تعاني أصلا التوترات والشروخ والتصدعات الخطرة. عندها يمكن أن يتضاعف الخطر القائم بين الهند وباكستان خمس أو عشر مرات في منطقة الشرق الأوسط».
يجب على كل إسرائيلي أو صديق لإسرائيل أن يشكر الرئيس باراك أوباما على إعادة رسم المسألة الإيرانية بهذه الطريقة. إن هذه الخطوة تكتسي أهمية استراتيجية كبيرة لإسرائيل لأنها تؤكد أن التصدي للبرنامج النووي الإيراني لا يمثل مشكلة إسرائيل وحدها. إن هذه الخطوة مهمة جدا أيضا من الناحية السياسية لأن مسألة مهاجمة إيران على خلفية برنامجها النووي تتقاطع مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فآخر ما تريده إسرائيل أو أصدقاء إسرائيل من الأمريكيين هو أن يعطوا الأعداء فرصة كي يزعموا أن الدولة العبرية تستخدم نفوذها السياسي من أجل جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب ليست في صالح الولايات المتحدة الأمريكية.
قد يحدث هذا الأمر بكل سهولة لأن الدعم الذي تحظى به إسرائيل اليوم أصبح مسيسا أكثر من أي وقت مضى. لقد حاول الجمهوريون خلال الأعوام القليلة الماضية أن يجعلوا من مسألة تأييد إسرائيل مطية أو ورقة للحصول على نسبة أكبر من أصوات الناخبين اليهود وتبرعاتهم الكبيرة، التي تذهب تقليديا في أغلبها إلى الحزب الديمقراطي. لقد تسبب هذا الوضع ؟ أي الأصوات والتبرعات - في تأجيج صراع محتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين لإبداء التأييد الأكبر لإسرائيل، من ذلك مثلا ما صرح به المترشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية نيوت جنجريتش من أن الفلسطينيين «شعب مُخْتَرعٌ».
قد يحدث هذا الأمر بكل سهولة لأن المال السياسي لم يكن في الماضي بمثل هذه الأهمية التي أصبح عليها اليوم في تمويل وإدارة الحملات الانتخابية البرلمانية والرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك لم يسبق أن تمتع اللوبي الإسرائيلي ؟ والأجنحة الانجيلية المسيحية المؤيدة لإسرائيل والصهيونية ؟ بمثل هذا النفوذ حتى انه أصبح قادرا تماما على توجيه التبرعات والتأثير في فرص كل مرشح في الانتخابات.
لا أحد يريد إذاً أن تمتزج الاعتبارات الانتخابية والسياسية الداخلية بقرار حساس يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية. لذلك فقد حرص الرئيس باراك أوباما على إعادة رسم المشكلة النووية الإيرانية وتصويرها على أنها تتعلق بمسألة الانتشار النووي في العالم بأسره كما أنها تمثل خطرا يتهدد مستقبل السلام والأمن والاستقرار الدولي.
لقد أفادت التقارير الواردة من مؤتمر لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية ؟ إيباك ؟ أن الأطراف المنادية بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية هي التي كانت الأعلى صوتا.
أود أن أدعو جيمع هؤلاء من ذوي الأصوات العالية الى التفكير في تلك العواقب الوخيمة وغير المنتظرة، التي نجمت عن الغزو العسكري الأمريكي للعراق سنة ٢٠٠٣ والغزو العسكري الإسرائيلي للبنان قبل ذلك، اي سنة .١٩٨٢ أنا لا أنادي بالجمود والشلل وعدم القيام بأي شيء بل أنا أشدد على أهمية الاهتمام بالدعوة التي أطلقها الرئيس باراك أوباما من أجل تكثيف الجهود الدبلوماسية وإعطاء الفرصة كاملة للعقوبات كي تحدث الأثر اللازم من دون استبعاد خيار اللجوء إلى القوة العسكرية في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني إذا ضاقت كل السبل وسقطت كل الخيارات في الماء ولم تؤت بالتالي أكلها.
إذا تفاقمت الأوضاع ووصلت الأمور إلى حد الحرب فإن المسؤوليات سيتحملها الملالي في طهران الذين فضلوا التضحية بكامل اقتصاد بلادهم من أجل امتلاك السلاح النووي كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ؟ الدولة الوحيدة القادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني ؟ ستجد نفسها مضطرة للتحرك من أجل حماية النظام العالمي وليس إسرائيل فقط.
أنا أدرك أن هذه المسألة تكتسي خطورة كبيرة على مستقبل إسرائيل ؟ التي تملك كل الحق للتحرك بشكل انفرادي ؟ غير أن الرئيس باراك أوباما نجح في بناء قضية سياسية واستراتيجية قوية بما يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من أخذ زمام الأمور وتولي الدور القيادي.
.
مقالات أخرى...
- أخطار التدخل في سوريا - (13 مارس 2012)
- هل تنجح العقوبات في شل الاقتصاد الإيراني؟ - (12 مارس 2012)
- هكذا يمكن التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد - (11 مارس 2012)
- الأمــــــــــــم المتحدة والأزمة السورية - (10 مارس 2012)
- ما جدوى العقوبات المفروضة على إيران؟ - (8 مارس 2012)
- «الربيع العربي».. من «الثورة» إلى «الثورة المضادة» - (5 مارس 2012)
- سنوات الجمر في سوريا - (5 مارس 2012)
- سوريا من حماة ١٩٨٢ إلى حمص .٢٠١٢ من شابه أباه فما ظلم - (4 مارس 2012)
- خبايا الموقف الروسي من الأزمة السورية - (1 مارس 2012)