الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٥ - السبت ١٠ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الخطر يطرق ناقوس «الشئون الإٍسلامية»





ارتفعت في الفترة الأخيرة نبرات خطاب التأجيج الطائفي واستخدام مفردات تسيء إلى العلاقات بين مكونات الشعب البحريني، خاصة بعد أحداث فبراير من العام الماضي وما تلاها من إجراءات وتداعيات أضفت بظلالها القاتمة على النسيج الوطني وأساءت إلى العلاقات بين جزء لا يستهان به من هذه المكونات، ولم يكن ارتفاع هذه النبرات واتخاذها منحى طائفيا خطيرا يعود إلى تلك الأحداث وحدها، بكثر ما كانت مناسبة مواتية استغلها أصحاب ذلك الخطاب، الذي أخذ يشكل أخطر تهديد للنسيج الوطني، خاصة وأنه ينطلق من على منابر الخطابة الدينية، كما حدث قبل أسبوع تقريبا من قبل أحد خطباء الجمعية حين تعمد الازدراء من مكون رئيسي من مكونات الشعب البحريني.

ما حدث قبل أسبوع من على منبر الخطابة الدينية ليست الواقعة الوحيدة من هذا النوع ولم تكن منابر الخطابة الدينية هي المنطلق الوحيد لمثل هذه الخطابات ، بل أننا بتنا نسمع ونقرأ يوميا تقريبا عبارات الازدراء وكأن هناك إصرار متعمد من أصحاب هذا الخطاب لإبقاء الاحتقان الطائفي على وتيرته التي آل إليها بعد أحداث الرابع عشر من فبراير العام الماضي، بل وتصعيده باستخدام مفردات استفزازية، أو بأي وسيلة متاحة تسهل أو تساعد على تحقيق ذلك الغرض المقيت.

في أعقاب الخطاب الذي صدر عن أحد خطباء المساجد الجمعة قبل الماضية وما أثاره من امتعاض واشمئزاز ليس وسط أفراد الطائفة التي حقرها ذلك الخطيب من على منبر الخطابة، وإنما وسط أبناء مختلف مكونات الشعب البحريني التي ترفض المساس بالنسيج الوطني الجميع الذي غزلته أنامل الجدات والأجداد والأمهات والآباء من مختلف هذه المكونات على مدى عقود متواصلة من العيش المشترك، في أعقاب ذلك من يتردد بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية خلال اجتماعه الأخير، عن التعبير الصريح والقاطع عن رفضه المساس والازدراء بأي من طوائف المجتمع والتوجيه للتحقيق في تلك الواقعة.

كثيرة من مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات تعج بشتى المفردات اللغوية البذيئة التي تستهدف النسيج المجتمعي البحريني وتستهدف زرع الفتنة بين مكونات هذا النسيج، وهي بلا شك ممارسات خطيرة وتحمل في طياتها تهديدات جادة وأثرت بكل تأكيد على هذا النسيج خاصة وأنها تأتي في مناخ مهيأ لاحتضان مثل هذه المفردات بعد الأحداث الأخيرة، ولكن يبقى خطر مثل هذه المواقع محدودا إذا ما قورن بخطر مفردات الازدراء التي تصدر من على منابر الخطابة الدينية، لذلك جاء موقف المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سريعا وصريحا.

من المهم أن يذهب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إلى أبعد من موقف الرفض، فمن الطبيعي والمطلوب أيضا أن يرفض المجلس مثل هذا الخطاب كون المجلس يقدم نفسه على أنه يقف على مسافة واحدة من المكونين المذهبين الرئيسيين في البحرين وبأن الواجب الوطني والديني يفرضان على المجلس وغيره من الجهات الحريصة على وحدة هذا الشعب وتآلفه، رفض مثل هذه الخطابات التي تنم عن عدم مسئولية تجاه المرتكزات الأساسية للمبادئ الوطنية غير القابلة للمس، باعتبار هذه المبادئ خطوطا حمراء يحرم الاقتراب منها أو المساس بها.

فالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية مسئول قانونيا عن وقف مثل هذه التصرفات، وهو مطالب في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى بعدم التهاون مع كل خطيب ديني، لأي طائفة ينتمي، حين يتعدى على الثوابت الوطنية وفي مقدمتها عدم الحط والازدراء وتحقير أي من طوائف المجتمع ومكوناته المختلفة، إسلامية كانت أم مسيحية أم يهودية، أو أي معتقد ديني وانتماء عرقي، فهذه المكونات التي يتشكل منها شعبنا والتي ترابطت خيوط نسيجها على مدى قرون من الزمن، لا يجب أن تترك لعبة تتقاذفها الأيدي غير المسئولة.

فرجال الدين، كما يقولون هم أنفسهم، يعتبرون دعاة إصلاح وبناء وأن تكون خطاباتهم، خاصة تلك التي تصدر من على منابر الخطابة الدينية، داعية وداعمة للوحدة الوطنية والألفة بين مختلف المكونات التي يتشكل منها المجتمع، لا أن تكون خطابتهم أداة هدم وتفتيت للمجتمع وزرع بذور الشقاق والفتنة بين مكوناته، مثل هذه الخطابات لا يجب أن يكون لها مكان على منابر الخطابة الدينية، فهذه مسئولية تقع على عاتق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وغيره من الجهات المسئولة عن تسيير وإدارة المساجد والجوامع التي مع الأسف، تحول بعضها إلى مصادر للفتنة الطائفية، وهي «فتنة أشد من القتل».



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة