الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٨ - السبت ٣ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الوئام الوطني ضحية للخطاب الطائفي





ليس هناك أدنى شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا لا يستهان به في تأجيج التلاسن الطائفي وزيادة درجة الاحتقان والتأثير السلبي في العلاقة المجتمعية بين مختلف مكونات الشعب البحريني خلال الأحداث المؤسفة التي عصفت بالبلاد منذ الرابع عشر من شهر فبراير من العام الماضي، وما أعقبها من تداعيات أسهمت هي الأخرى في تعميق الانقسام المجتمعي ووفرت الأرضية الخصبة للعابثين كي يمارسوا دورهم التخريبي، فكانت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل بالنسبة إليهم فضاء واسعا وآمنا لمواصلة ممارساتهم الضارة بالنسيج الاجتماعي غير آبهين لما تحمله مثل هذه الممارسات من مخاطر مستقبلية تهدد النسيج المجتمعي برمته وتدفع بالوطن إلى مزيد من الانحدار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

لكن المواقع الالكترونية للتواصل الاجتماعي ما كانت لتؤثر بقوة وتجلب الكثير من المشاركات الضارة بالنسيج الوطني لو لم يكن هناك صوت تخريبي مسموع قادته أصوات مسعورة استخدمت الوتر الطائفي في نهجها التخريبي، مثل هذه الممارسات الممثلة في الأصوات الطائفية المسموعة عبر منابر مختلفة، وأخطرها المنبر الديني، كان تأثيرها السلبي في العلاقات المجتمعية ومساهماتها في تأجيج التوتر والاحتقان الطائفي يفوقان بكثير تأثير قنوات التواصل الاجتماعي.

يعرف الجميع أنه من الصعوبة بمكان التحكم في وسائل التواصل الاجتماعي ومنع أو محاصرة الأصوات التخريبية التي تستخدم هذه التقنية العلمية الجبارة في أعمال تسيء إلى شعبها ومختلف مكوناته، مع الانتباه في الوقت نفسه لأهمية استخدام وسائل الاتصال هذه في توضيح الحقائق وحشد رأي عام أوسع يرفض المساس بالوحدة الوطنية والإساءة إلى أي من مكونات الشعب البحريني، ولكن العمل الأهم المطلوب هو التصدي لأصوات التأزيم المسموعة والعمل على محاصرتها ومنعها من مواصلة أعمالها التخريبية عبر استمرارها في بث خطاب الكراهية والتحريض الطائفي المقيت.

ثم أن الطريق الأقصر لمعالجة مسببات التوترات الطائفية هو وضع اليد على مصدرها المباشر، وهنا أعني الخطاب التحريضي العلني، وليس الالكتروني، فالخطاب الأول يمكن وضع اليد عليه مباشرة ومساءلة مردديه قانونيا، ذلك أن العمل الذي يقومون به يعتبر وفقا للقانون جريمة، بل انها جريمة لا تغتفر حيث انها تستهدف الوطن برمته وليس أفرادا أو مكونا من دون غيره، والتخاذل في مواجهة هذا الخطاب يضع المعنيين بالأمر في موقع المسئول عن التسبب في تخريب النسيج الوطني.

فالعلاقات المجتمعية بين مكوني مجتمعنا الرئيسيين بعد الأحداث الأخيرة ليست في أحسن حالاتها، ولم يكن أحد يتوقع أن تصل العلاقات إلى المستوى الذي نشاهده ونسمعه ونقرؤه في الوقت الحاضر حيث التراشق البذيء لا يتوقف خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث يمارس الشخص كامل حريته في اخراج ما في باطنه من نيات وأفكار تعكس حقيقة موقفه وما يؤمن به، يضاف إلى ذلك التحريض على المقاطعة الاقتصادية بين فئات من أبناء الوطن الواحد، وهو حالة سلبية جديدة تسبب فيها خطاب التجزيء الطائفي من دون غيره.

فالحالة التي وصلت إليها العلاقات المجتمعية بين مكونات مجتمعنا لم تكن بفعل الأحداث التي مرت بها البلاد وتمر بها في الوقت الحاضر وإنما المتسبب الرئيسي في ذلك هم أصحاب الأصوات الشريرة ودعاة الفتنة الطائفية ومروجو خطاب الكراهية الذين وجدوا في تلك الأحداث فرصة مواتية لإخراج ما في قريحتهم من نيات خبيثة، هدفها ليس فقط تخريب النسيج الوطني الجميل، وإنما التمصلح الذاتي من وراء ذلك.

لا شك أنه من شأن استمرار هذه الأصوات في ممارسة التخريب المجتمعي وتركها تعبث كما تشاء بهذا النسيج وعدم محاصرتها بخطاب وطني جامع وشامل يستند إلى الحقائق المجتمعية التاريخية القائمة والراسخة في تربة البحرين، من شأن ذلك كله أن يلحق الضرر بجميع مكونات المجتمع البحريني الذي عاش عقودا من الزمن في وئام وتلاحم وطنيين رغم كل الصعاب التي مر بها على مدى عقود من تاريخه المشترك.

فالأحداث وما رافقها من تداعيات وممارسات خاطئة بالإمكان معالجتها بغض النظر عن المدة الزمنية التي تستغرقها عملية المعالجة ولكن مهما يكن حجم أضرارها المادية والسياسية، فإنها لن تترك جرحا غائرا في المجتمع البحريني، فمثل هذه الأحداث تقع في مختلف دول العالم، خاصة في الدول ذات الحراك السياسي مع وجود أحزاب سياسية ذات منطلقات فكرية وعقدية مختلفة ومتناقضة أحيانا، أما الجرح الذي يسببه الخطاب التحريضي في الجسد الوطني فمن الصعب معالجته بين ليلة وضحاها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة