الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢١ - الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٣ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الليبراليون والطائفيون





الليبراليون يعبرون عن الطبقة الوسطى في كمونها كفئاتٍ وتطورها كقوةٍ اجتماعيةٍ سياسية وطنية.

الطائفيون يعبرون عن طوائف، عن المادةِ الخام للدين بما أُنتجَ تعبيراً عن فئاتٍ وسطى قديمة تحللَ وجودُها وهيمن عليها الإقطاع.

الطائفيةُ كحالةٍ اجتماعية هي تسييسٌ لهذه المادةِ الخام ضد التطور التوحيدي لديانةٍ ما.

فهي الإبقاءُ على التفتت، والصراعاتُ الدينيةُ المعتمدةُ على إرث يُفسرُ بأشكال تعصبيةٍ مغلقة تقودُ إلى تحللِ الأمم والشعوب.

إن العناصرَ الديمقراطية في الدين لم تتطورْ لأسبابٍ تعودُ لتوجهِ أموالِ الخراجِ العامة للبذخ، ولم تستطعْ الحِرفُ أن تعوضَ عن ذلك، وتمد العلومَ بتطورٍ واسع عميق.

لهذا حدث تفسخٌ للامم الإسلامية، فتمزقت، وتفتت، وسيطرت عليها القبائلُ الصحراوية وقوى التعصب الديني والأفكار السحرية، وتقوت الطوائف بأشكال متحجرة.

الليبرالية في الماضي الإسلامي لم تتطور كثيراً، وأفكارُها حول الدين والحريات وتوحد الأمم الإسلامية لم يتعمق، وجثمتْ الطوائفُ بموادها الفكرية الخام، وبتكريسها للنصوص بأشكال سطحية.

الآن ثمة آفاق كبيرة لليبرالية لكن الوجود الاجتماعي الخام هو للطوائف التي تشدلا الناسَ للماضي وتكريس نفس الشعارات والعقليات القديمة.

مصدرا القوة المادية يحددان مدى تطور الاتجاهين وتداخلهما مع الديمقراطية العصرية، فمن يملكُ الشركات والبنوكَ ومصادرَ العيش هو الذي يوجهُ التطورَ لسياقهِ الخاص، وهو يتطور معه من أشكال دنيا إلى أشكال عليا.

كذلك فإن تفاسير الدين التقليدية التي تعيش في الأجهزة الحكومية وفي المنظمات السياسية والاجتماعية والمتداخلة مع تملك الموارد العامة والخاصة تلعبُ الدورَ الآخر المكرس للطائفيات المختلفة المتصارعة.

مدى قوة البيروقراطيات الحاكمة المتغلغلة في القطاعات العامة تعرقلُ تطورَ الليبرالية، التي تكشف عن عدم توجه (الخراج) المعاصر وهو القيم الفائضة إلى إعادة الانتاج الوطني الموسع وتطوير حال الشغيلة الجانبان المترابطان مع الثورة الصناعية والتقنية العالمية.

تطورت الليبرالية في العصر العباسي بمحدودية من خلال التجارة والحِرف والصناعات البسيطة، وكان جزءٌ يسيرٌ من الخراج يدعمها ومتعلقا أغلبه بسوق الدولة والقصور وإصلاحات الري فيما كان أكبر الدخل الاقتصادي يذهب للبذخ.

والآن تنامت الليبرالية من التجارة فكان تناميها ضعيفاً، لأن الاقتصاد مازالَ في يد الدول، فكانت الليبراليةُ السياسيةُ شعاريةً ونظرات جزئية للتحرر، وجاءت سيطرة القطاعات العامة لتزيل ذلك فيما سمي المرحلة الاشتراكية أو رأسماليات الدول الشمولية المختلفة، ثم عادت التجارة شبه الحرة وتنامت الصناعاتُ الخاصة في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تطورِ الليبرالية وتداخلها مع المذهبيات السياسية المختلفة.

التداخل بين الاتجاهين يعبرُ عن استمرارية سيطرة القطاعات العامة بيد القوى البيروقراطية التي تستنزفُ الثروات، وما الثورات العربية سوى تعبير عن تجاوز ذلك فيما تريدهُ الجماهيرُ الشعبية التي خاضتْ تلك المعارك العظيمة، لكن ما تريدهُ الأحزابُ والبيروقراطيات هو أمرٌ سيظهر في التطبيقات العملية.

تطور الاتجاهات السياسية باتجاه الحداثة والديمقراطية والعلمنة والتعبير الحق عن المسلمين والمواطنين، هو الذي سوف يوسعُ السيطرة الشعبية على الأموال العامة لأن تلك الأسس أساس توحيد الشعوب، فيتم توجيهها نحو الصناعات والعلوم والزراعة، أما تفتت القوى السياسية وخاصة المذهبية والليبرالية فسوف يؤدي إلى تجاهل حقوق الجمهور الشعبي الذي ضحى وأوصل هذه القوى لسدات الحكم، وهو تفتيت للحريات وعدم رقابة عميقة على الأجهزة، وإبقاء ركائز الإقطاع في العائلة والريف والثقافة، وهو يضر بمكونات الوعي من ليبرالية ومذهبية سياسية ولا يوجههما نحو التعبير عن الطبقات، بل يوجههما نحو التعبير عن المناطق والقبائل والطوائف، فلا يحدثُ مركزيةً للسلطات الديمقراطية المنتخبة ويغيب التحكم الوطني الشعبي في الموارد نحو إعادة تغيير كل خريطة اقتصادية وطنية لصالح مختلف الطبقات.

فتظل هناك قوى توجه الموارد أو بعضها نحو رفاه الأقسام البيروقراطية والحاكمة أو نحو حروب جديدة، فحتى الدول الغربية المتطورة في الديمقراطية تعيش أزمات البذخ عبر أزمات شراء المساكن، ولهذا فإن الليبرالية والطائفية المختلفتين والجزئيتين تعبران عن عدم اكتمال نماذج الطبقات الوسطى في كل بلد عربي، وعدم تطور أقسامها الداخلية من تجار وعلماء ومثقفين وصناعيين للوحدة السياسية الحديثة الديمقراطية، وعدم إزاحة التناقض بين الماضي والحاضر، بين الدين والحرية، بين الإسلام والعلمانية، بين الشرق والغرب.

لأنهما تقومان على مرحلةِ ما قبل التصنيع الخاص والعام الواسعين الديمقراطيين، وبقاء أقسام كبيرة من الجماهير فيما كان يقيمُ فيه أجدادُهم من زراعةٍ بسيطة وحِرفٍ والعيش في ظلِ الدولِ والأسواقِ المهيمنة، بدلاً من الأسواق الحرة والشركات الخاصة العملاقة، وانتشار اكتشافاتهم وتفجيرهم للثروات.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة