غموضُ خطابِ (الطبقة)
الوسطى البحرينية (١-٢)
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٧ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
لا شك أن الاتجاهات المذهبية السنية أقرب للوسطية وخاصة الحنفية والمالكية والشافعية، لكن هذه التقسيمات الفقهية لم تعدْ موجودةً بوضوح فيما يتجسد التباينُ بين اتجاهين فهناك الاتجاه الاقرب للحداثة وهو الإخوان المسلمون والاتجاه التقليدي السلفي.
وعُرفَ عن هذه الاتجاهات الارتباط بالدول الخليجية المحافظة وسياساتها ولم تنتج ليبراليةً مهمة، في حين ظهرتْ الليبراليةُ في الاتجاهاتِ القومية الأولى حين كانت فئات تجارية حرة في زمن الاستعمار البريطاني، ثم توقف نمو الليبرالية فيها مع تداخلها بأنظمةِ الرأسماليات الحكومية العربية والبحرينية، التي سحبتْ الأبسطةَ من تحت الاتجاهات الليبرالية والديمقراطية مما أدى إلى تصاعدِ الاتجاهاتِ المذهبية السياسية التي راحت تعبرُ عن الدول الإسلامية الكبيرة وخاصة السعودية وإيران، حيث توافقت هاتان الدولتان في زمنٍ ثم تصاعدَ التباينُ بينهما مما ولّدَ انقساماً بين الحركات المذهبية السياسية وانقسامات في الحركات السياسية المختلفة البحرينية والخليجية عامة.
ولهذا فإن آراءَ الجماعات المذهبية السنية لم تكن مؤثرةً في تطور الحركة الديمقراطية البحرينية، وكانت تؤيدُ المواقف المحافظة، ومع خفوت دور الحركات الوطنية اليسارية، وتصاعد دور القوى المذهبية السياسية، اكتسبتْ الحركاتُ السياسيةُ الشيعية طابعَ المعارضة بديلاً عن دور المنظمات الوطنية السابقة، لكن مع الارتباط بالسياقين الحكومي والمعارض الدينيين الإيرانيين.
هذا جعل من دور الجماعات السنية السياسية ملتبساً أكثر ولم تستطع تجاوزَ الدور الرأسمالي الحكومي الشامل، عبرَ تصعيدِ دور الفئاتِ الوسطى والعمالية نحو الاستقلال السياسي والنمو الديمقراطي.
تكونت قواعدُ الجماعاتِ السنيةِ من البرجوازية الصغيرة في الغالب مع تناميها في الفئاتِ الأكثر غنىً وفي المناطق المدنية، فيما جاءتْ أغلبيةُ قواعد الجماعاتِ الشيعية من العمال والبرجوازية الصغيرة وفي المناطق القروية الغالبة.
يغلبُ على الجماعاتِ المذهبية المختلفة الارتباط بالنظام التقليدي، من هيمنة الدول والذكور المطلقة والقراءة المحافظة المحدودة للمراجع الإسلامية، وهذه مشتركة أساسية بين هذا الجماعات التي تولدتْ مع تحول الحضارة الإسلامية نحو التقليد والجمود وعدم تحولها للرأسمالية الديمقراطية، أما الاختلافات الفقهية فهي جزئية لا تدخلُ في المضمون العميق لها، وجاءَ الصراعُ في المنطقة بسببِ الصراع القومي العربي الفارسي أكثر منه تبايناً فقهياً. ومع حل هذا الصراع يمكن أن تتطور الأوضاع السياسية باتجاه الديمقراطية بصورة أعمق، لكن لا يمنع هذا من القيام بنضالات في هذا السبيل.
ولهذا فإن غيابَ التوحيد الاسلامي وبروز الصراع بين اتجاه ليبرالي لدول مجلس التعاون لم يتبلور بعد ولم ينضج في صعود طبقات وسطى قوية، وبين النظام العسكري الإيراني عبر رأسمالية دولة شمولية حادة، أدى إلى تعثرِ مشروعاتِ النهضة الديمقراطية العميقة في كل هذه الدول.
الاتجاهان السياسيان العربي والإيراني المختلفان في مسائل جوهرية كالموقف من دول الغرب والديمقراطية والحداثة، انعكسا في الاتجاهين المذهبيين السياسيين الرئيسين، حيث مالت المذهبياتُ السنيةُ نحو مقاربةِ الليبرالية فيما توجهت الجماعاتُ الشيعيةُ نحو الشمولية والتجاور مع القوى اليسارية والقومية المتشددة.
لا شك أن أوضاعَ الفئاتِ الوسطى الصغيرة والمتوسطة التي تكوّنُ مجملَ الفئات السنية والتي تعطيها ظروفَ عيشٍ أفضل، وبتقارب مع المؤسسات الحكومية، تراوحتْ مواقفُها السياسية بين المحافظة والانفتاح، ولم تستطع أن تطرح مشروعاً وطنياً ديمقراطياً جامعاً.
ولهذا حين ظهرتْ في السياسة بشكلٍ جماهيري لم يكن لهذا الشكل جذوره في الشارع ولم يُعدْ اللحمةَ الوطنية الفاعلة.
الفئات الوسطى والبيوتات التجارية المتقاربة مع الدولة والجماعات السنية لم تعضد كثيراً مشروع الليبرالية والديمقراطية، وظلت متخندقة في مصالحها وهذا إحدى البؤر الكبرى في ضعف مشروع الديمقراطية وتكون الطبقة الوسطى.
نجد أن أغلبية العمال الأجانب يعملون لدى هذه الفئات التجارية والمالية الكبيرة:
بحسب تصريح لوزير العمل الأسبق سنة ٢٠١٠، بلغت نسبة العمال كالتالي: (وصل عدد العاملين البحرينيين في القطاعين العام والخاص إلى ١٥٠ ألفاً، ولدينا ٤٥٠ ألف عامل أجنبي).
(وبحسب إحصائيات رسمية استحوذت العمالة الأجنبية على نسبة تتراوح بين ٨٥ و٩٥ في المائة سنوياً من إجمالي الوظائف التي يولدُها القطاعُ الخاصُ من ٢٠٠٦ حتى ٢٠١٠)، جريدة الوسط، ٧ ديسمبر، .٢٠١١
هذه البنية العمالية الأجنبية تجعل من حضور العمال البحرينيين ودعمهم لليبرالية والديمقراطية محدوداً، في حين تستطيع الاتجاهات المغامرة أن تستميلهم عبر تصعيد خطابات الانقسام وغياب أي تحول اجتماعي سياسي على الأرض.
ويأتي نشر البروليتاريا الأجنبية الدنيا عاملاً آخر في إيجاد فرص أقل أمام العمال البحرينيين:
(أما الوظائف التي تقل عن ٥٠ ديناراً، فتركزت في قطاع الإنشاءات بأكثر من ٢٠ ألف وظيفة، وقطاع تجارة الجملة والسلع الشخصية بأكثر من ١١ ألف وظيفة، وكذلك قطاع الصناعات التحويلية بأكثر من ١١ ألف وظيفة، يليها قطاع الفنادق بنحو ٤ آلاف وظيفة.)، المصدر السابق.
هذا إذا تغاضينا عن الذين لا يتسلمون أجوراً ويعيشون على الخدمة ويُنشرون بشكل فوضوي في الأسواق والشوارع.
هذه الظروف وغيرها تكوّن انقسامات في البناء الاقتصادي الاجتماعي ولها تأثيراتها الكبيرة في الوعي السياسي.
.
مقالات أخرى...
- الليبراليون والطائفيون - (26 مارس 2012)
- المعبرون عن الشعب - (25 مارس 2012)
- الظهورُ التحديثي المتبادل - (24 مارس 2012)
- مرجعيةُ الواقعِ لا مرجعية النصِ الأصفر - (23 مارس 2012)
- خطأُ المركز - (22 مارس 2012)
- الثورةُ السوريةُ وتباينُ مواقف الشيوعيين - (21 مارس 2012)
- الثوراتُ والإتجاهات الدينية - (20 مارس 2012)
- أثوارٌ أم عملاء؟ - (19 مارس 2012)
- غيابُ البنيةِ الموَحّدةِ وغيابُ الليبرالية - (18 مارس 2012)