الربيعُ العربي والخريفُ الإيراني
 تاريخ النشر : الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
فيما تتقدم قوى الأمة العربية لتتصدر المشهد السياسي المتحول في المنطقة نجدُ حكامَ إيران في مآزق تاريخية لا يعملون للخروج منها.
شعوبُ الأمةِ العربية ثارت على أنظمةٍ شبيهة بالنظام الإيراني، وربما كان بعضها أفضل في جوانب مهمة منه، ودخلت ما يُسمى بالربيع الذي نرجو ألا يتحول لما يشبه الخريف الإيراني الراهن فيما بعد.
انقلب النظامُ على الثورة الشعبية الإيرانية وخطفها المذهبيون السياسيون المحافظون وجعلوا الحياة الإيرانية أكثر تقليدية وقمعاً.
ثم وسّع النظامُ نفوذَهُ ودوره في المنطقة وصّدرَ نموذجَه الطائفي المحافظ، رافضاً أن تتوحد الطوائف الإسلامية وتتطور باتجاه الليبرالية والديمقراطية.
العديد من الشعوب العربية التي تغلغلتْ فيها تأثيراتُهُ تفككت وانقسمت ويجرى خطف أقسامٍ منها.
الحالة السورية الراهنة تعكس مأزق الخط الشمولي الإيراني ووصول دولتي المحور إيران وسوريا إلى الفشل السياسي الذريع.
إن العناصر الفاشية في الثقافة الإيرانية المحافظة التي تغلغلت في الوعي المذهبي وتحولتْ لشموليةٍ حادة لم تستطع أن تكون محوراً قوياً على الطريقة النازية الألمانية الإيطالية.
إن تكوينَ دولةٍ ضخمة عسكرية وتوسعها من خلال نظام صديق كالنظام السوري أو من خلال حركات مذهبية مسيّسة تبعاً لهذا الخط الرئيسي، فثمة خطوطٌ أخرى ثانوية، وإثارة الزوابع والتمردات لخلق دولٍ تابعة أو جيوب، والتوجه للأسلحة النووية، وقمع الشعب الإيراني بقسوة، هذه كلها تعرضت في الربيع العربي لأزمةٍ شديدة ولبدءِ انهيارٍ كما يتجلى ذلك في الحدث السوري.
إن الارتباك الإيراني في تقييم الربيع من تأييده والقول إنه نسخة من الثورة الشعبية المخطوفة من قبل القوى المحافظة الإيرانية نفسها، ثم اكتشاف خطورة هذا الربيع الذي وصل لنظام دكتاتوري صديق، ومن ثم التنديد بنضال الشعب السوري والطلب منه عبر وسطاء وزعماء آخرين بالتخلي عن الثورة ثم المشاركة في قمعها وتوسيع صفوف القوى العالمية الدكتاتورية الأخرى كروسيا والصين في تحالف عالمي ضد الشعب السوري، كل هذا مزق قناع الثورة المزعومة في إيران، وبيّن تطورَ العناصر الدكتاتورية نحو الفاشية الصريحة الصارخة في سحل الشعب السوري الأعزل.
إن قمعَ المحافظين المذهبيين السياسيين لنسائهم وأخواتهم وعمالِهم وفلاحيهم لا يمكن أن يؤدي لوطنية وثورية ولتعزيز القيم النضالية في الدين، أو لمساعدة الشعوب المناضلة، لأن الذي يقمعُ شعبَه لا يستطيع أن يساعدَ الأحرارَ في العالم، بل تتحول سياساتُهُ لعنفٍ أهوج حين تتزعزع السلطات في بلدها أو لدى حلفائها كما فعل هتلر لإنقاذ موسوليني.
ولهذا فإن محاولات السلطة الإيرانية تأجيج الصراع السياسي في البحرين هو جزء من مسلسل الإخفاق المتصاعد وهزيمة قوى المحور في المنطقة.
إن هيمنةَ (سيدِ القرية) ورفضه للتنوع الديمقراطي داخلها ورفضه الحداثةَ والوحدةَ الإسلامية النهضوية المشتركة وتطور حريات النساء وحق الفلاحين في الأرض، واعتبار ذاته عليا مطلقة، تم فرضها على إيران ككل، وخاصة على المدن منتجة الديمقراطية والحرية، ثم قام بتصديرها إلى البلدان الأخرى وخاصة البقاع القروية التي تعيشُ نفسَ البنيةِ الاجتماعية المحافظة.
ومستوردو هذه النسخة يصعب عليهم النضال كذلك من أجل الديمقراطية والدخول في الربيع العربي، ولم يلاحظوا خريفية هذه النسخة وشموليتها، لأن الوعي السائد لديهم هو نفسه الموجود في المركز.
إن المذهبيين المحافظين وهم عبر تشبثهم بنسخِ التجربةِ الإيرانية والعيش في برامجها الخائبة المفكِكةِ للوحدات الوطنية، ولنضالات الشعوب، جلبوا النسخةَ الخريفية الإيرانية ولم يدخلوا الربيع العربي.
الربيعُ يتطلبُ وحدةَ الشعوب والنضال السلمي والانفتاح العقلاني وهي عناصر سحقها النظامُ الإيراني واستيرادها والتداخل معها بتكتيكات متعددة مستمرة، لا يؤسسُ ربيعاً، بل هو الخريف القادم لهذه الرؤية التقليدية العاجزة عن الفهم والتحليل والاستقلال والتلاحم مع القوى الشعبية الواسعة والعصر الحديث.
وأخطر الظواهر التي برزت هي تضخم العنف وعبادة مظاهر القوة والنار وسحل الأبرياء، فكيف لإنسان أن يرى ذبحَ الشعب السوري ويسكت؟ أو أن يتسمر في تأييد تحالف وضحت أخطاره الكبيرة على الشعوب.
هذا درسٌ لجماهير الربيع العربي ألا يكرروا أخطاء الاختطاف الإيراني للسلطات والشعوب وتكريس الشموليات الدينية، وإنتاج دكتاتورية الريف من قلبِ المدن العربية المكتسحة خلال عقود من هذه الهجرات الريفية.
إن تآكلَ النموذج الشمولي الإيراني هي فرصة كبيرة للعمال والجمهور الشعبي عامة الذين تضرروا من هذه العمليات السياسية الخريفية فتفككت صفوفُهم وتراكمت مشكلاتُهم وتفاقمتْ أوضاعُهم سوءًا، أن يعيدوا النظرَ في هذا النموذج السياسي الشمولي.
يُفترض في سيدِ القريةِ المطلق أن يدرسَ ما جرى من مشكلات من هذه السيادة المضادة للتاريخ والعصر، ويدخل الربيع، ويدع المدنَ الديمقراطية تقود، لأن حدوث نموذج سوريا لديه سيكون مدمراً، وخروجه من على مسرح التاريخ من خلال الحرب له أسوأ الآثار في شعبه وشعوب المنطقة.
.
مقالات أخرى...
- الخيارُ الثالثُ الصعب - (29 مارس 2012)
- غموضُ خطابِ (الطبقةِ) الوسطى البحرينية (٢-٢) - (28 مارس 2012)
- غموضُ خطابِ (الطبقة) الوسطى البحرينية (١-٢) - (27 مارس 2012)
- الليبراليون والطائفيون - (26 مارس 2012)
- المعبرون عن الشعب - (25 مارس 2012)
- الظهورُ التحديثي المتبادل - (24 مارس 2012)
- مرجعيةُ الواقعِ لا مرجعية النصِ الأصفر - (23 مارس 2012)
- خطأُ المركز - (22 مارس 2012)
- الثورةُ السوريةُ وتباينُ مواقف الشيوعيين - (21 مارس 2012)