الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٧ - الأحد ١ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


هل الرئيس الإيراني نجاد رئيس بلا سلطة فعلية؟





بيروت ـ من: أورينت برس

لم تحقق أطياف المعارضة الإيرانية مطالبها في عام ٢٠٠٩ عندما خرجت إلى الشوارع في مختلف انحاء البلاد للطعن في شرعية نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي اسفرت عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية.

ورغم الدعوات المتتالية للإطاحة بالرئيس «الفائز»، والاتهامات المتواترة بالتلاعب بنتائج الانتخابات، بقي نجاد جالساً على كرسيه، ومتحدياً رغبة الملايين من مواطني الجمهورية الاسلامية.

لكن بعد نحو ثلاث سنوات على الثورة الخضراء التي راح ضحيتها الكثير من القتلى والمعتقلين، يمكن القول ان الانتخابات البرلمانية الاخيرة لاختيار ٢٩٠ نائباً في المجلس النيابي للجمهورية الاسلامية، قد حولت الرئيس الايراني إلى بطة عرجاء وحدت الكثير من صلاحياته، محققة ولو جزءا بسيطا من دعوات المعارضة.

«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:

يعتقد المراقبون السياسيون ان الانتخابات البرلمانية التي جرت في إيران في ٢ مارس، قد ادت بشكل او بآخر إلى اسقاط محمود احمدي نجاد ولو رمزيا من سدة الرئاسة الإيرانية، فمع فوز الفريق المحسوب على المرشد الاعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي، مقابل خسارة معسكر نجاد المتمرد، تحول نجاد إلى ظل في كرسي الرئاسة لا اكثر مع غياب للكثير من الصلاحيات.

نجم يتلاشى

على مر العام الماضي، سجلت الكثير من الانشقاقات داخل معسكر المحافظين في ايران، فبعد الخلاف الذي دار بين خامنئي ونجاد على اكثر من قضية، وفي اعقاب اعتقال الكثير من المقربين من نجاد بتهم عدة ليس اقلها الخيانة والالحاد، حقق خصوم نجاد مكاسب عدة.

وكان قد بدأ نجم نجاد يتلاشى في العام الماضي بعد ان تعدى على السلطات المطلقة الممنوحة للمرشد الأعلى علي خامنئي وحاول ان يعارضه وان يكوّن لنفسه قاعدة جماهيرية مستقلة، فما كان من خامنئي الا ان انتقده وحجمه علناً في اكثر من مناسبة. اما محاولات محمود احمدي نجاد المستميتة للحفاظ على سلطاته ومكانته السياسية فقد تعرضت لضربات قاصمة حولته وبشكل متزايد إلى رئيس ضعيف ومعزول ولاسيما بعد ان اختار الكثير من المحافظين الوقوف إلى جانب خامنئي والتبرؤ من نجاد تماماً. وقد وصفت الكتلة المحافظة المقربة من خامنئي فريق نجاد بأنه فريق «منحرف وشيطاني»، واتهمته بالعمل على تقويض المؤسسة الدينية.

إلى جانب ذلك، اعتقل أقرب مستشاري وحلفاء محمود أحمدي نجاد، يأتي في مقدمتهم ساعده الايمن وكبير مستشاريه اسفنديار رحيم مشائي الذي ارتبط اسمه بأكبر عملية احتيال مصرفية تشهدها البلاد. كما حكم على مستشاره الاعلامي، علي أكبر جوانفكر، بالسجن بتهمة إهانة القائد الأعلى للجمهورية. إلى جانب ذلك، تعرض الرئيس الايراني للإهانة بدوره عندما تدخل خامنئي في ابريل الماضي واعاد وزير الاستخبارات، حيدر مصلحي إلى منصبه بعد أن حاول نجاد فصله.

واخيرا، وجراء الانتخابات يبدو ان مسيرة نجاد السياسية قد شارفت على الانتهاء.

نتائج الانتخابات

فقد اظهرت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الإيرانية فوز أنصار خامنئي بنسبة ٧٥ في المائة، في مقابل تراجع كبير لأنصار نجاد، مما كشف عن المزيد من الانقسامات العميقة في صفوف الطبقة الحاكمة في إيران، وتحديدا بين نجاد وخامنئي، أعلى سلطتين في نظام الحكم في إيران.

وعلى الرغم من أن المنافسة في الانتخابات الأخيرة انحصرت بين فصائل التيار المحافظ في ظل غيبة الزعيمين الإصلاحيين مهدي خروبي ومير حسين موسوي، اللذين يخضعان للإقامة الجبرية في منزليهما، فإن فوز الجبهة المتحدة للأصوليين المؤيدة لخامنئي، على جبهة ثبات الثورة الإسلامية المساندة للرئيس نجاد، يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل الرئيس الإيراني الحالي، ومدى تأثير هذه النتائج في صلاحياته، والأسباب الكامنة وراء خسارة أنصار نجاد لصالح أنصار خامنئي، وتأثير هذه النتائج في الانتخابات الرئاسية المقبلة في .٢٠١٣

ضربة قاضية

بحسب المراقبين: «لا شك ان نتائج الانتخابات البرلمانية الحالية وإن لم يكن لها تأثير واضح في السياسة الخارجية الإيرانية أو في تطوير برنامجها النووي، الذي يملك فيه خامنئي القرار النهائي، إلا أنها تعزز من هيمنة التيار الأصولي بقيادة خامنئي على السلطة، وتبقي على نجاد كرئيس ضعيف غير قادر على إدارة الأمور إلى حد بعيد، وخاصة في ظل إزاحة أبرز مؤيديه من كراسي البرلمان، سواء من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي رفض ترشح العديد من حلفاء نجاد قبل بدء السباق الانتخابي، أم أن العديد من الذين سمح لهم بالترشح خسروا مقاعدهم».

وجاءت نتائج الانتخابات بمثابة ضربة قاضية لمحمود أحمدي نجاد، حيث حصل أنصار خامنئي على ١٩ مقعدا من أصل ثلاثين هي حصة العاصمة طهران، فيما حصل أنصار نجاد على بقية المقاعد، كما فاز أنصار خامنئي في مدينتي قم ومشهد، وحققوا انتصارات كبيرة في مدن أخرى مثل أصفهان وتبريز، حتى في المناطق الريفية التي تمثل المراكز التقليدية لتأييد نجاد اكتسح الموالون لخامنئي ٧٠ في المائة من المقاعد، فضلا عن ذلك فقد منيت شقيقة نجاد بهزيمة ساحقة في مسقط رأسها الذي هو أيضا مسقط رأس الرئيس، وهو ما يصعب مقارنته بنتائج انتخابات البرلمان الحالي التي خاضها الموالون لخامنئي وأحمدي نجاد جبهة واحدة عام ٢٠٠٨، وحصلوا على نحو ٧٠ في المائة من المقاعد.

سخط رسمي

ويرى المراقبون أن نتائج الانتخابات جاءت معبرة عن حالة السخط الرسمي والشعبي الإيراني على الرئيس أحمدي نجاد، فعلى الصعيد الرسمي: مثل تحدي نجاد المرشد الثورة الإيرانية بداية النهاية لمستقبله السياسي، فعلى الرغم من أن نجاد حرص فترة طويلة على بقاء علاقته مع خامنئي جيدة، حيث حصل على دعمه في انتخابات ٢٠٠٩ الرئاسية المثيرة للجدل، فإن هذه العلاقة شهدت توترا واضحا في الفترة الأخيرة، حيث تعمد الرئيس الإيراني ألا يكون تابعا بشكل كامل لكل أوامر خامنئي، وبدأ السير باستقلالية واضحة، لكن الامر انقلب عليه.

فضلا عن ذلك فقد تنامى خلال الفترة الأخيرة الشعور لدى النخبة المحافظة الحاكمة بأن محمود أحمدي نجاد وأنصاره يشكلون تهديدا خطيرا لنظام رجال الدين الحاليين والمساهمين الرئيسيين فيه والمستفيدين منه، حيث يرى نجاد أن السلطة يجب أن تؤول إلى الحكومة المنتخبة، وأن رجال الدين يجب أن يقتصر دورهم على التوجيه فقط وهو ما شكل انتقادا ضمنيا لفكرة «ولاية الفقيه»، كما أن نجاد أصبح في الفترة الأخيرة مصدر إزعاج لمعسكر خامنئي المحافظ بتأكيد موضوعات وطنية في التاريخ والثقافة الإيرانيين بما يعارض النظام الذي وضعه الامام الراحل الخميني.

سخط شعبي

وعلى الصعيد الشعبي، فقد تصاعد السخط الشعبي على نجاد في الفترة الأخيرة نتيجة لمعاناة الاقتصاد الإيراني القائم على الطاقة، بسبب العقوبات الغربية التي يتسع نطاقها حاليا لتشمل الصادرات النفطية المربحة، والتي فرضت على البلاد بسبب رفضها وقف أنشطتها النووية الحساسة، والسماح للمفتشين النوويين للأمم المتحدة بزيارة مواقعها.

ويرى هؤلاء أن سياسات نجاد الاقتصادية تسببت في زيادة نسبة البطالة وغلاء المعيشة وارتفاع معدلات التضخم إلى نسبة ٢١ في المائة بحسب الإحصائيات الرسمية، و٥٠ في المائة بحسب المعارضة، فضلا عن خفض دعم الغذاء والوقود لخفض الإنفاق العام والحد من إهدار الموارد واستبدال توزيعات نقدية قدرها ٣٨ دولارا شهريا للفرد به، مما أنهك الشعب الإيراني، الذي تعاني طبقة غير قليلة منه أوضاعا معيشية صعبة، وهو ما يفسر عزوف الطبقة الفقيرة، التي كانت مؤيدة لنجاد في السابق، عن التصويت لأنصاره في الانتخابات الحالية.

وفي النهاية، فإنه وإن كانت التركيبة الدقيقة للبرلمان الجديد لن تعرف قبل شهر ابريل الجاري، حيث تم انتخاب ٢٢٥ عضوا للبرلمان في أول جولة من التصويت، ويبقى ٦٥ مقعدا شاغرا للمرحلة الثانية، التي من المتوقع أن تجرى في أواخر الشهر الجاري، إلا أن سيطرة أنصار خامنئي على ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان المؤلف من ٢٩٠ مقعدا، تؤكد بشكل واضح أن سلطات محمود أحمدي نجاد آخذة في التآكل، وخاصة في ظل قدرة البرلمان الجديد على عزل الرئيس في حال وجود ضوء أخضر من خامنئي، وإن كان المراقبون يرون أن الأمر قد لا يصل إلى ذلك، مؤكدين أن نجاد سيكمل ولايته الحالية رئيسا بدون سلطة، لا حول له ولا قوة.

لقد أكدت نتائج الانتخابات البرلمانية النهاية المحتومة لمستقبل نجاد السياسي في ظل توقعات بأن الدكتور غلام علي حداد عادل، المرشح الذي فاز بأعلى عدد من الأصوات في العاصمة طهران، وهو أيضا والد زوجة مجتبى خامنئي، ابن المرشد الأعلى، وصاحب النفوذ القوي، سيتم تعيينه رئيسا للبرلمان، وربما يترشح لمنصب الرئيس القادم لإيران خلفا لنجاد الذي انتهى حكمه فعليا وإن لم يكن رسميا.











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة