الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٩ - الثلاثاء ٣ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

المال و الاقتصاد

في حوار اقتصادي مع خالد جناحي:
«اللهم لا شماتة»!





تمور الساحة البحرينية بالكثير من المشاكل والأحداث والأزمات.. وخاصة في المجال الاقتصادي.. ووضع السوق البحريني بصفة عامة.. بنوك تربح الكثير.. وأخرى تربح الفتات.. وثالثة تخسر الكثير.. وتقف الآن على شفا حفرة من الإفلاس.

أزمات عالمية متلاحقة.. وأحداث محلية بغيضة لها بالضرورة افرازات سلبية.. ومجلس نيابي قد لا يتمتع بالخبرات الاقتصادية المنشودة التي تمكنه من الادلاء بدلوه التشريعي المستساغ في المجال الاقتصادي.

وانقسامات طائفية على الساحة تحول دون جمع الكلمة وحشد الخبرة ورص الصفوف التي تتباهى بها أمام الأمم.

وازاء هذا كله فنحن في أمس الحاجة إلى من يقرع أجراس الخطر.. ويشخص الأدوار.. ويدلي بدلوه ليقول لنا في إخلاص وصدق ما هو المخرج، وكيف يكون الحل؟.. وما هي الصورة الجديدة التي يجب أن تكون عليها؟

السيد خالد جناحي صاحب خبرات اقتصادية طويلة.. ويمسك بزمام عجلة القيادة في كثير من المواقع الاقتصادية والمالية المهمة.. يقال عنه انه يتمتع بشجاعة الرأي والموضوعية في القول.. فماذا يمكن أن يقول فيما تساءلنا عنه أو طرحناه؟

(عندما نقارن البحرين بغيرها)

فيما يلي نص حوار سريع أقمناه مع السيد خالد جناحي:

* كيف تقارن البحرين بغيرها على الساحتين الخليجية والعربية من حيث اقتصادها ومصارفها؟ وكيف تنظر إلى سمعة الإنسان المصرفي البحريني في ظل هذه الأوضاع الراهنة جميعها؟

يجيب السيد خالد جناحي: البحرين لم تعد عند النظرة التي كانت لها في عام ١٩٧٥.. حيث كان الجميع يرشحونها لتكون عاصمة البنوك والشركات المالية العربية في الشرق الأوسط بأكمله.

كان الجميع يعملون من أجل ذلك سواء من الطرف الحكومي أو الخاص.. وخاصة في مجال الاهتمام بالتنمية البشرية المصرفية في كل بنوك الأوفشور والبنوك التجارية والاستثمارية.

وأضاف: يلاحظ أن بنوكنا ليست مثل الدول المجاورة من حيث الثقل المالي.. فالآن مشاكلنا أكبر.. ورغم ذلك فقد نجحت بنوكنا في الوقوف على أرجلها اعتمادا على نفسها.. حيث لو قارنا بنوكنا ببنوك دول المنطقة سنجد ان حكومات المنطقة قد ضخت أموالا طائلة في أسواقها وبنوكها.. وباختصار فإن بنوك المنطقة قد نهضت في وجه الأزمات من خلال دعم حكومي كبير.. وبنوكنا وقفت على أرجلها من دون أي دعم.. وسبب نجاح بنوكنا في الوقوف على أرجلها من دون أي دعم هو ما لديها من رصيد عمره أكثر من ٤٠ سنة من الثقة والخبرات والرقابة.. هذا فضلا عن انها تملك ثروة مصرفية بشرية لا تطولها في مستواها أي منطقة أخرى في العالم.

ثم قال: ولكي أكون أكثر وضوحا.. هناك الحكومات تحركت ووقفت إلى جانب بنوكها في وجه الأزمات والأعاصير.. أما نحن فقد تركونا في مهب الأعاصير.. ورغم اننا وفقنا ونجحنا فانه بسبب هذا الموقف السلبي إزاءنا اهتزت الثقة فينا بعض الشيء.

وأضاف: من مشاكلنا المحلية أيضا ان المهاترات والمزايدات قد تعالت.. وإذا كان هناك من يشمت فيجب أن أكون أنا أول الشامتين، ولكني لا أفعل لأن مصلحتي من مصلحة الآخرين وليست مصلحة الآخرين مصلحتي أنا.. ولو كان من مصلحتي أن أضرب الآخرين لقلت الكثير.. لكن - كما قلت - هذا ليس من مصلحتي.. لأن مصلحتي هي مصلحة الجميع.. وأقولها إذا كان أحد من حقه أن يشمت فهو أنا ولكني لست من الشماتين.. المهم أن الدنيا دوارة.. ولا شيء يدوم.

الأوضاع على الساحة

- ثم قلت: ولكنك كخبير اقتصادي ومصرفي كبير.. كيف تنظر إلى الأحداث والأوضاع والمستقبل على الساحة البحرينية الآن؟

أجاب السيد خالد جناحي: مشكلتنا اننا نتحدث كثيرا عما حصل.. ولكننا لا نتحدث بالمرة عما سيحدث.. إننا نستنفد كل طاقتنا في الحديث عما انتهى.. وصحيح انه يجب أن نتعلم مما حصل.. لكن المحاسبة لا تفيد حول ما حدث.

وأضاف: عندما نصمت ازاء المستقبل فإننا نظلم الشباب والأجيال الجديدة.. ومازلت أتمنى أن تطبق رؤية البحرين ٢٠٣٠ بالضبط كما كتبت، ذلك لأنها تخدم بشكل كبير مبدأ تكافؤ الفرص، والتنافس الشريف، والبناء من أجل الإصلاح.. وليس من أجل الترويج أو الانتصار للمحسوبية والترشيح.

وقال: عندما أتابع ما يحدث على الساحة وأرى التراشق بين السنة والشيعة عبر التويتر أو غيره، أرى هدرا للوقت في أبشع صوره.. وأتساءل: لماذا لا يجلس العقلاء والكبار من كلا الطرفين مع بعضهم بعضا.. ولكن للأسف فإن شيوخ الذين يملكون كل الدور المنشود لا يقومون لا بدورهم ولا بواجبهم.

وقال خالد جناحي: للأسف أيضا نحن ننسى اننا مجتمع واحد يجب ان ينسى شيئا اسمه شيعة وسنة.. ذلك لان ما يدور حول هذا الموضوع غير مقبول لا عقلا ولا دينا.. عموما على المرء أن يكون متفائلا.. وأنا شخصيا متفائل.. لان قدرنا ان نعيش مع بعضنا البعض.. ولا يصلح أي طرف أن يعيش مع غيرنا.. كلنا يعلم اننا نختلف وانه لا حل إلا إذا جلسنا مع بعض.. فلماذا لا نجلس من الآن ونفوت الفرصة على غيرنا؟!

(التمويل الإسلامي)

- كيف ترى الاقتصاد الإسلامي بصفة عامة في مجال التطبيق على الأرض؟.. وكيف ترى البنوك الإسلامية بصفة خاصة وسط كل هذه الزوبعة والأزمات التي تجري على الساحات العالمية والاقليمية؟

يقول خالد جناحي: أفضل ألا نتحدث عن الاقتصاد الإسلامي لأنني أراه في مجمله فلسفة.. ولو بدأنا الحديث في وجوده على الأرض سوف لن ننتهي.. ويتجسد الواقع الآن في البنوك والمصارف والمعاملات الإسلامية.

ثم يقول: الآن وصلنا الى شأو بعيد في مجال البنوك الإسلامية عبر ربع قرن من الزمان.. والفضل في ذلك يرجع - بعد الله - إلى شخصيات كبيرة ومعروفة على رأسهم الأمير محمد الفيصل، والشيخ صالح كامل اللذان كانا من أنصار التفكير الانفتاحي المؤمن بأن المصارف الإسلامية جزء أصيل من الاقتصاد الإسلامي.

وقال: في البداية.. كانت فكرة البنوك الإسلامية تلقى مقاومة شرسة وكل ذلك بسبب عدم استبعاد أبعادها وجوانب الخير فيها.. ومن حيث البلدان التي حملت لواء مسيرة البنوك الإسلامية فإن البحرين كانت من أوائل الدول في العالم.. ولا ننسى فضل مؤسسة نقد البحرين ومواقفها في نجاح هذه المسيرة من حيث التشجيع والترخيص.. وأصبح الأغلبية الآن يتحدثون عن التمويل الإسلامي، ويدركون معاني المرابحة والاتجار والمشاركة.. الخ.

وقال: وهذا معناه أيضا أن نظام التمويل الإسلامي قد حاز مرتبة العالمية.. وعلينا أن نعزز ما وصلنا إليه، وهذه مسئوليتنا كأفراد وكمؤسسات.. ويجب أن نكون واقعيين.

وقال: البعض يعلمون أن الأزمة المالية العالمية عندما أطلت برأسها في عام ٢٠٠٨ كانت مبنية على أسلوب المقامرة.. وهذا الأسلوب مرفوض في مجال التمويل الإسلامي.

وقال: وزيرة المالية الفرنسية في عام ٢٠٠٨ كريستين لاجارد وهي الآن رئيسة صندوق المال العالمي.. أعلنتها صريحة في عام ٢٠٠٨ بأنه لا حل للأزمة المالية العالمية إلا في نظام التمويل الإسلامي.. ولو كانت دعوتها قد تمت الاستجابة لها لما كانت افلاسات البنوك العالمية الكبرى ومن بينها بنك «ليمن براذرز».

ويقول: المهم هو أن معظم الدول غير الإسلامية تدرس الآن منذ عام ٢٠٠٥ امكانية التعامل بالتمويل الإسلامي.

(سوق العقار)

- هل يمكن أن تحدثنا عن سوق العقارات وبالتحديد عن الاستثمار العقاري في البحرين الآن؟.. أتمنى ان تحدثنا عن هذه السوق الآن.. فيما لها.. وفيما عليها؟

أجاب: الأمر مختلف بين ما يسمى سوق العقار.. وبين الاستثمار العقاري.. لدى وزارة الإسكان الآن أكثر من ٥٣ ألف طلب إسكاني والاستجابة لكل هذه الطلبات هي مسئولية بلد بأكمله.. ومعنى كلامي ان الحكومة وحدها لا تستطيع بغير تعاون ومشاركة القطاع الخاص.. وتأكد لنا وللجميع امكانية مساهمة القطاع الخاص في توفير السكن الاقتصادي لذوي الدخل المحدود.

وأضاف: حتى نكون منصفين لا بد من القول ان المشاريع الاستثمارية في مجال العقارات عندما بدأت بشكل بارز في عام ٢٠٠٠ وحتى ٢٠٠٧ كانت تبنى على دراسات جدوى.. وكان هناك طلب حقيقي على المساكن بكل أنواعها.. لكن بعد ذلك وعندما بدأت البنوك تمارس الشح والتراجع في تمويل هذه المشاريع الإسكانية بسبب نقص السيولة - وخاصة في البنوك العالمية - توقف التمويل.

وقال: كان هناك طريقان للتمويل العقاري: البنوك - الصناديق الاستثمارية.. والمهم ان كل واحد دخل مجال الاستثمار العقاري بارادته ولم يجبره أحد.. والمصيبة هي ان المواطن عندما يخسر مع بنوك عالمية يصمت ويقول هذا جائز.. لكن عندما يخسر مع بنوك وصناديق محلية يقول هذا غير جائز، ويقيم ضجة ضد البنوك والصناديق ويقول هذا حرام.

بنك آركابيتال

- هل ترى أن ما حصل لآركابيتال سيكون له تأثير سلبي على البحرين وسوق البحرين؟

أجاب السيد خالد جناحي عن هذا السؤال: كنا نتمنى ألا يحدث ما حصل لآركابيتال.. والحقيقة انه لو كنا كلنا قد وقفنا مع بعض في نهاية عام ٢٠٠٨ كبنوك بحرينية وكقطاع عام لايجاد حلول للمشاكل التي كانت قد ظهرت بسبب شح السيولة لكان الموقف غير الموقف، ولكنا وضعنا أيدينا على حلول ناجعة.

وقال: عموما الأمور لم تصل إلى نهايتها.. وفي أيدينا أن نتعامل مع الوضع الراهن.. وما فعله مجلس إدارة آركابيتال كان صحيحا وإن كان له تبعات من حيث الثقة في السوق البحريني والمصارف البحرينية، وبالذات الإسلامية.

وقال: أنا أتوقع بمشيئة الله أن الأمور سترجع إلى طبيعتها من حيث القيمة.. وآركابيتال سيعود إلى الساحة بهيكلية جديدة.. ذلك لأن موضوع المادة (١١) ومسألة الافلاس في أمريكا قد أصبحت في ذمة الماضي.

ما هو المخرج؟

- كيف ترى سوق البحرين الآن بصفة عامة.. ثم كيف ترى السوق المصرفي البحريني؟.. وما هو المخرج؟.. وكيف ترى صورة المستقبل؟

أجاب السيد خالد: كما قلنا.. أنا أملك كل الثقة في أن القطاع المصرفي البحريني.. حتى وإن عاد أقل حجما مما كان عليه في التسعينيات وفي بداية الألفية الجديدة.. فإنني أؤكد أنه سيعود إلى ما كان عليه وأفضل.. ذلك لأن الأساس من حيث القبضة الرقابية والعنصر البشري المتميز موجود.. فلما بنك (.....) تنخفض ودائعه بمقدار مليار و٦٠٠ مليون دولار يعود من جديد ويفتح فروعا جديدة له وينمو بدرجة أكبر من حيث الزيادة في حجم العمل في سوق البحرين خلال ٢٠١١.. فهذا يدل على أن الإقبال على البحرين بخير والجهاز المصرفي بخير، والعنصر البشري الموجود بخير.

دور مجلس النواب

- هل ترى انه يمكن ان يكون لمجلس النواب دور في محو آثار الأزمة من حيث دوره التشريعي والرقابي والخبرات الاقتصادية لنوابه؟

يقول خالد جناحي: أنا لست سياسيا، ولست أدعي أنني أفهم كثيرا في السياسة.. ولكني أقول ان مجلس النواب يمكن أن يكون له دور أكبر في مجال التشريعات الاقتصادية.. لذا عليه أن يوجه طاقته في معظمها إلى التشريع أكثر من أي شيء آخر.. وليس هناك اثنان بحرينيان يختلفان في ان ميثاق العمل الوطني هو الأساس لتحقيق الانطلاقة التشريعية المنشودة.. ويخطئ من لا يعتقد ان التشريع له الدور الرئيسي في زيادة الإنتاجية في كل القطاعات الاقتصادية.

وقال: علينا أن نفكر في مصلحة الوطن الواحد.. بعيدا عن كل له علاقة بـ: شيعي أو سني.. فمجلس النواب يمثل الكل.. والشعب البحريني قد اختار نوابه ومن حقه أن يحاسب كل من اختار.

وقال: علينا أن نكون عقلانيين في الطرح والتفكير، فالدول المجاورة التي زادت رواتب مواطنيها ١٢٠% علينا نحن أن نتجنب نهجها في البحرين لعدة أسباب منها:

- إذا رفعنا الرواتب بشكل فاحش مع عدم الزيادة في الإنتاجية.. فهذا سوف يترتب عليه بالضرورة زيادة التضخم.

- ان موظفي أي دولة عندما تزيد رواتبهم من دون زيادة في الإنتاجية.. فإنها ستلجأ مرغمة بعد ذلك إلى زيادة الرواتب بنفس الطريقة مرة ثانية وثالثة ورابعة.. لان الموظفين سيتعودون على هذه الزيادات المفرغة من مضامينها وأهدافها ونتائجها!

ويقول: أنا لا اعتراض لدي على الاطلاق على إجراء زيادة على الرواتب مع كل زيادة في الإنتاجية وبنفس النسبة.

ثم قال: المهم هو ان نبتعد عن الشعارات والمزايدات.. وإدمان عشق المقاعد الوثيرة!



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة