لسنا ألماناً فلماذا التشديد فـي المواعيد؟
 تاريخ النشر : الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢
جعفر عباس
الألمان أكثر شعوب العالم انضباطا ونظاما، وكل شيء في حياتهم محسوب بالثانية والجرام ولذلك تجدهم يفوزون في مباريات كرة القدم الأوروبية والدولية، رغم أن أسلوبهم في اللعب رتيب ومملّ وخال من اللمسات الفنية.. تمريرات بالمسطرة، وهذا اللاعب مكلف بأن تكون تمريراته بزاوية حساب درجاتها ومداها معلوم، ويا ويل المدافع في الفريق الألماني إذا أحرز هدفا، لأنه بذلك قد خرج على النص! وقد أدهشني تقرير يقول ان عدم التقيد بالمواعيد بين الأزواج والزوجات أدى إلى ازدياد معدلات الطلاق في ألمانيا.. ولا أدري لماذا يعطي الزوج زوجته موعدا أو العكس! ربما المقصود بعدم التقيد بالمواعيد ان احد طرفي الزواج لا يلتزم بالجدول الزمني الصارم للوجبات او الخروج للتسوق أو الفسحة. بل أجرى الألمان دراسة أكاديمية حول هذا الموضوع واكتشفوا أن الرجل الذي يبقى متزوجا ثلاثين سنة، يمضي نحو ٣٧٠ يوما من تلك السنوات وهو ينتظر زوجته وهي «تتأهب» للخروج معه في مشوار ما!! هذه مسألة «فعلا» تفقع المرارة: لماذا يستطيع الرجل ان يكون في كامل أناقته ومستعدا للخروج في غضون خمس دقائق، بينما لا تكفي تلك الدقائق الخمس المرأة لاختيار الحذاء المناسب؟ وكفاعل خير فإنني أعرض تجربتي لمن هم حديثو عهد بالزواج أو على وشك الزواج (قدامى المتزوجين فات عليهم الفوت): لا تخرج مع زوجتك إلا لتقديم العزاء في ميت، ففي مثل هذه المناسبات تنقص مدة الاستعداد النسائي للخروج بنسبة ٣٥%.. وإياك ثم إياك ان تقبل مرافقتها في مناسبة تتطلب النطق بكلمة «مبروك».. وإذا كان لا بد أن ترافقها في مناسبة كهذه، فاطلب منها ان «تلبس»، وخذ دُشَّاً دافئا وبعده نومة في حدود ٣٣ إلى ٤٧ دقيقة، وعندما تصحو ستكون هي قد وصلت الى مرحلة «التشييك» على الشياكة أي النظر إلى المرآة للتأكد من أن كل شيء تمام التمام ولا ينقصها سوى اختيار الحذاء والشنطة... هانت.. كلها ربع ساعة وتكونان خارج البيت.
والحمد لله ان العرب ليسوا ألمانا، والا لما بقي فيهم شخص متزوج، فإهدار الوقت عندنا ليس حكرا للنساء ولا ينتهي عند استغراق لبس الهدوم والتزين قرابة الساعة عند النساء.. تقول لزوجتك: متى سنذهب إلى الجهة الفلانية؟ فتقول لك: بعدين، وتسألك هي: متى ستأخذني إلى بيت أمي؟ فيكون الرد: بعد المغرب، يعني قد يحدث ذلك في السابعة مساء أو الواحدة بعد منتصف الليل! لأن كلا التوقيتين «بعد المغرب»، وتسألك: ومتى ستشتري لي الخاتم؟ فتكون الإجابة: لما ربنا يسهل.. يا حبيبي لا شيء يحدث إلا بتسهيل من ربنا فهل من الممكن ان تعطيني إجابة دقيقة؟ حاضر: أول الشهر، وأول الشهر يتألف من أكثر من سبعة أيام.. (وهناك المواعيد الشديدة المطاطية: بعد العيد.. ومن الناحية الحسابية لا تثريب عليك إذا جعلت ذلك الموعد قبل العيد التالي بيومين)
وهكذا نحن نقتني أفخر الساعات، وصار الهاتف الجوال والبلاكبيري والكمبيوتر يعطيك الوقت والتاريخ بدقة متناهية، ولكننا نستخدم مناسبات وأنشطة معينة لتحديد مواعيدنا، التي تكون دائما «بعد كذا» بعد العشاء.. بعدما نقبض الراتب.. بعدما تشوف حلمة أذنك.. وهناك بين الخطيب والخطيبة مواعيد من نوع أعجب: متى سنفعل هذا الشيء أو ذاك؟ بعد الزواج.. يعني قد لا يحدث ذلك الشيء لعشر سنوات بعد الزواج.. لأن إنجاب ستة أطفال يعتبر أيضا بعد الزواج، وبالتالي يمكن تأجيل فعل ذلك الشيء إلى ما بعد إنجاب الطفل الثامن!
وحكوماتنا ايضا لا تعرف التقيد بالمواعيد، فالرفاهية وتحسين الاحوال المعيشية سيكون «بعد إنجاز المشاريع التنموية»، وحرية التنفس والكلام «بعد التحرير الموعود» والتحرير بعد التعمير.. والتعمير عايز فلوس، والفلوس عند البنك الدولي اللي عايز كفيل، والكفيل عايز «نسبة» والنسبة «تبوظ» الحسبة.. وهكذا يبقى حلم الرفاهية معلقاً إلى أن يشيب الغراب.
jafabbas١٩@gmail.com
.
مقالات أخرى...
- المتعة فـي مناكفة الأطفال (٢) - (10 أبريل 2012)
- المتعة في مناكفة الأطفال (١) - (9 أبريل 2012)
- فـي مواساة تزغارت - (8 أبريل 2012)
- عليك بفيثاغورس يا عروس (٢) - (7 أبريل 2012)
- عليك بفيثاغورس يا عروس (١) - (6 أبريل 2012)
- يا الحفيتي لك صوتي - (5 أبريل 2012)
- لويس وعبد العاطي - (4 أبريل 2012)
- بلاش استعباط يا خواجات - (3 أبريل 2012)
- أسمر وافتخر - (2 أبريل 2012)