«سيف الإسلام» قضية سياسية وليست قضائية
 تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
هل ليبيا مهيأة وقادرة قانونيا على أن تحاكم سيف الإسلام القذافي (الابن الأكبر للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي أعدم بطريقة همجية بعد أسره)؟ هذا السؤال هو مربط الفرس في الجدل الدائر حاليا بين محكمة الجنايات الدولية والحكومة الليبية الحالية بشأن ابن القذافي المحتجز لدى جماعات ليبية شاركت في الحرب لإسقاط حكم والده، ففي الوقت الذي تصر المحكمة الدولية على ضرورة تسليم سيف الإسلام لمحاكمته عن تهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الدولية، تتمسك حكومة ليبيا بمحاكمته أمام المحاكم الوطنية الليبية وفقا للقانون الليبي وأنها، أي ليبيا «تتمتع» بنظام قضائي «قادر» على توفير محاكمة «عادلة» لسيف الإٍسلام.
بعد الخراب الذي أحدثته قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا وتدمير الدولة الليبية وتسليمها لجماعات مسلحة تسيرها نزعات انتقامية وانتماءات عقدية تحولت هذه الدولة إلى ساحة لتصفية الحسابات وما تشيهه السوق الواسعة لتقاسم الغنائم والنفوذ حيث تسببت تلك الجريمة التي ارتكبتها الدول الاستعمارية في تدمير الهياكل التنظيمية للدولة الليبية بحيث لم تعد هناك مؤسسات محكومة إداريا وخاضعة لقوة القانون، وهذا ينطبق تماما على المؤسسة القضائية الليبية التي لا يمكن أن تكون قادرة على توفير الاستقلالية الكاملة لقراراتها، وخاصة في هذه الظروف، حيث السيطرة الفعلية على مصدر القرار خاضعة للجماعات المسلحة.
لا يعني ذلك أن محكمة العدل الدولية ومن خلال تحركها لتسلم ابن العقيد القذافي أو تشكيكها في قدرة السلطة القضائية الليبية على توفير محاكمة عادلة للأسير الواقع بين أيدي الجماعات المسلحة، لا يعني أن هذه المحكمة حريصة على توفير هذه العدالة، ذلك أن المحكمة المذكورة هي الأخرى خاضعة لهيمنة السلطات السياسية في الدول الاستعمارية، فهذه المحكمة، على سبيل المثال لا الحصر، لم تصدر حتى الآن أي قرار أو حتى بيان اشتباه تجاه أي مسئول عسكري أو سياسي من مسئولي الكيان الصهيوني رغم كل الجرائم التي ارتكبها هذا الكيان ضد أبناء الشعب الفلسطيني وبشهادة العديد من المنظمات الدولية.
مما لا شك فيه أن سيف الإسلام القذافي يمتلك من المعلومات الكافية لفضح طبيعة العلاقات التي نسجها العديد من الدول الاستعمارية الأوروبية مع نظام والده الراحل، وقد تحدث العديد من وسائل الإعلام عن مثل هذه العلاقة وعن تمويل الزعيم الليبي الراحل للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، العلاقة الخاصة التي كانت تربط العقيد القذافي برئيس وزراء إيطاليا السابق سيلفيو برلسكوني والطبقة الحاكمة بشكل عام، والكشف عن طبيعة مثل هذه العلاقة يمكن أن يلحق الضرر بسمعة العديد من الزعماء الأوروبيين ومنهم بطبيعة الحال أولئك الذين قادوا عدوان تدمير ليبيا.
فقضية سيف الإسلام القذافي هي قضية سياسية بالدرجة الأولى وليست لها علاقة بالبحث عن إنفاذ العدالة، سواء جاء ذلك من جانب محكمة الجنايات الدولية أو من جانب السلطة الحاكمة في ليبيا بعد الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي، فهذه السلطة هي غير قادرة حتى الآن على استرداد ابن القذافي من أيدي آسريه، وهم جماعات مسلحة يفترض أن وجودهم بعد الإطاحة بنظام العقيد، غير قانوني ويتناقض مع دولة «مؤسسات وقانون»، وسلطة تتحدث عن انتصارها على «الديكتاتورية» وعملها على «حماية» حقوق الإنسان.
فابن العقيد لن يحصل على محاكمة عادلة في ليبيا على الإطلاق، والذين يحتجزونه في الأسر غير مبالين ولا آبهين لما تتحدث عنه محكمة الجنايات الدولية، فهؤلاء محكومون بعقلية الانتقام التي جسدها أتباعهم تجسيدا عمليا حين وقع العقيد القذافي بين أيديهم حيث شاهد العالم كله ذلك العمل المخزي والشنيع الذي مارسوه بحقه وهو لايزال على قيد الحياة، وبالتالي فإن ابنه، وهو الوحيد الحي بين أيديهم، لا يمكن أن يعاملوه بأسلوب وطريقة يختلفان عن ذينك اللذين طبقوهما بحق والده الراحل.
ليبيا الحالية وبعد أن قبل «قادتها» الحاليون وضع أيديهم في أيدي القوى الاستعمارية وشجعوها وشاركوها على تدمير مستقبل الوطن الليبي، حيث تمر وحدة التراب الليبي حاليا بمرحلة خطرة تهدد تماسكها، هؤلاء القادة لا يمكن وهم غير قادرين على تقديم أنموذج حضاري لدولة يحكمها القانون، وما الممارسات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام المختلفة والمعلومات التي تنشرها عن أوضاع المواطنين الليبيين، وخاصة أولئك المحسوبين على أنصار الزعيم الليبي الراحل، كلها أدلة تؤكد بعد حكام ليبيا الحاليين عن إقامة الدولة التي تغنوا بها وهم يشاركون أعداء الشعب الليبي في تدمير الوطن وتسليم ثروته للشركات الغربية.
.
مقالات أخرى...
- إماراتية الجزر لا تغيرها الاستفزازات - (18 أبريل 2012)
- انتصار الثقافة والفسيفساء الجميلة - (16 أبريل 2012)
- صمت الأغلبية يخدم المتطرفين - (14 أبريل 2012)
- المصلحة الوطنية تقتضي المساءلة - (11 أبريل 2012)
- تخريب «الربيع» تعدّ على فسيفساء البحرين - (9 أبريل 2012)
- المطلوب رأس «الربيع» وليس الوزيرة - (7 أبريل 2012)
- «النهضة» التونسي يختار العقلنة بنجاح - (4 أبريل 2012)
- منابر الفتنة.. ألم يحن وقت إيقافها؟ - (2 أبريل 2012)
- قمة بغداد «أختك مثلك» - (31 مارس 2012)