الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٩ - الخميس ٣ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مصارحات


وما أكثر «زنوج البيت»!





العلاقة بين ما كُتب في هذه الزاوية يوم أمس حول حكاية «زنوج البيت وزنوج الحقل» لمالكوم إكس، لا ينتهي عند حدود ما ذكرناه، ولكن للحديث بقيّة نكملها هذا اليوم.

«زنوج البيت» كما سمّاهم مالكوم إكس أو زنوج السيّد، هم فئات تعيش بيننا، منهم الحقوقيون ومنهم الصحفيون ومنهم الموظّفون العاديّون، جميعهم امتهنوا تلك العبودية، والسبب حصولهم على المنافع والمناصب والمكاسب!

هناك الموظّف الذي يعلم أن رئيسه في العمل فاسد مفسد، ومع ذلك تراه يدافع عنه، ويستميت في تجميله، لأنّه يستفيد منه العلاوات والترقيات والدرجات الوظيفية! فهو يعمل له كالجاسوس بين الموظفين، كما يقوم بتنفيذ المهمات المنزلية لمسؤوله، كشراء حاجيات المنزل أو توصيل الأولاد إلى المدرسة! بالرغم من أنّه موظّف في الدولة ولم يوظّف كـ«زنجي البيت» عند ذلك المسئول!

هناك الإعلامي، الذي تراه امتهن الإعلام ليس رسالة وإنّما كهاتف عمومي، متى ما وُضعت فيه الأموال، يشتغل لحساب من دفع! ترى مواقفه تتقلّب يمنة ويسرة بحسب من يدفع وبحسب المصلحة!

هناك من هو أسوأ من أولئك جميعا؛ وهو من تراه امتهن عبودية «زنجي البيت» من دون أن يطلب منه أحد، فتراه يمارس مهنة «التطبيل» للدفاع عن أي قضيّة وعن أي شخص، يظنّ أنّه سيصل من خلاله!

بمعنى آخر؛ هو الإنسان الانتهازي الذي ليس لديه لا قيم ولا مبادئ، لذلك تراه «مع الخيل يا شقرا»، يمتدح فلاناً ويوصله إلى درجات الربوبية - والعياذ بالله - والسبب أنّ مصلحته تتطلّب ذلك!

لن تفاجأ بعد مدّةٍ تتغيّر فيها الأحوال، أن ترى نفس الشخص يسبّ ذلك الشخص الممدوح، بل يتعدّى عليه بأسوأ العبارات، والسبب - كما ذكرت لكم - انتفاء المصلحة في مدحه، وحصولها في ذمّه!

وأكبر مثال على هذا النّوع من العبيد، هم بعض النماذج التي كانت تسجد لنظام مبارك غدوّاً وعشيّا، وبعد أن سقط ظهروا للناس يسبّون فيه ويلعنون!

«زنوج البيت» الذين ابتلي بهم الوطن، هم أناس يغيبون في الشدائد والمحن، ويظهرون عند الرخاء! تراهم يظهرون أمام الناس مدافعين عن الوطن، وهم في الخفاء قد أثخنوا بطونهم وملأوا جيبوهم لأنّهم - كما ذكرنا - كالهواتف العمومية، يسيرون وفق المبدأ البريطاني: gnihton rof gnihtoN، بمعنى: «كلّه بحسابه»!!

«زنوج البيت» الذين ابتلي بهم الوطن، تراهم في الرّخاء أوّل الواصلين، بل قد تجدهم يقولون الشّعر وهم ليسوا بشعراء! ويرقصون «العرضة» بدون السيوف! بينما في الشدائد تبحث عنهم ولا تجدهم، ولا تفاجأ إذا وجدتهم في الضفّة الأخرى مع طاعِنيك، يشاركونهم الأفراح والليالي الملاح؟

حكمة نبوية: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة،؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة». وكم مُلئ زماننا بزنوج البيت والرويبضة؟!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة