التضييق على الإنترنت في إيران
 تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
بقلم: نرجس باجوغلي
لقد انتشرت تقنية الهاتف النقال انتشار النار في الهشيم في إيران خلال نصف العقد الماضي، ففي سنة ٢٠٠٤ كانت بطاقة الهاتف miS الواحدة تباع بمبلغ ١٠٠٠ دولار. أما اليوم، فإن هذه البطاقات تباع بأقل من خمسة دولارات، كما أن أحدث الهواتف النقالة متوافرة في كل مكان على غرار بقية دول منطقة الشرق الأوسط وبقية دول العالم. تباع الهواتف النقالة بأسعار مرتفعة نتيجة العقوبات المشددة المفروضة على إيران فهاتف S٤ nohPi يباع بأكثر من ١٦٠٠ دولار.
خلال موجة الخطابات التي اجتاحت إيران في خضم «الحركة الخضراء» لم يكن باستطاعة الإيرانيين دخول شبكة الانترنت من خلال هواتفهم النقالة، ذلك أن تقنية ٣ لم تدخل إلى إيران إلا في شهر يناير .٢٠١٢
في سنة ٢٠٠٥، كانت الهواتف النقالة سواء أكانت ذكية أم عادية تستخدام لأربعة أغراض: إجراء مكالمات هاتفية، إرسال الرسائل النصية القصيرة، التقاط الصور أو مقاطع فيديو، إضافة إلى استخدام تقنية البلوتوث. لقد سمحت تقنية «البلوتوث» على وجه الخصوص للنشطاء المشاركين في الحركة الخضراء بتبادل الصور ومقاطع الفيديو مع بعضهم بعضا في الشوارع ومن ثم تحميل الصور في أجهزة الحاسوب الخاصة بهم في منازلهم، فالكثير من مقاطع اليوتيوب التي شاهدها العالم عن الحركة الخضراء وقمع المظاهرات في شوارع طهران وغيرها كانت منتشرة أيضا في إيران بواسطة الهواتف النقالة ذلك أن الإيرانيين كانوا يجدون صعوبة بالغة في استخدام اليوتيوب بسبب الرقابة المشددة وتقنية «فلترة الانترنت» sretliF tenretnI.
في منتصف شهر يونيو ٢٠٠٩، شهدت إيران وخاصة طهران أول أسبوع من المظاهرات العارمة عقب الانتخابات التي زورت من أجل السماح للرئيس محمود أحمدي نجاد بالفوز بفترة رئاسية ثانية، كما شددت سلطات طهران الرقابة على الانترنت وراحت تلاحق مستخدميه وتنكل بهم. لذلك أصبح سكان طهران على وجه الخصوص يبلغون بعضهم بعضا ويعلمون الأجانب شفويا بموعد ومواقع المظاهرات سواء في الشوارع أو في مواقع العمل أو في المحال حتى في سيارات التاكسي.
تملك الدولة الشركات التي توفر خدمات الهاتف النقال والانترنت في إيران. مع نهاية شهر يونيو ٢٠٠٩، عمدت سلطات طهران إلى إغلاق خدمة الرسائل النصية القصيرة كما خفضت كثيرا من سرعة الانترنت، الأمر الذي اضطر المتظاهرين إلى الاعتماد على وسائل اتصال بديلة خارج شبكة الانترنت.
شهدت تلك الفترة حملة قوية معارضة لنظام طهران والرئيس محمود أحمدي نجاد ومؤيدة لمنافسه مير حسين موسوي. أصبح أنصار مير حسين موسوي أكثر جرأة حيث إنهم كانوا يتحدون نظام طهران ويقفون في الشارع ويتطوعون لحمل لافتات كتب عليها: «غدا، الساعة الـ٤ في ساحة الثورة» في وضح النهار. منذ الساعات الأولى لليوم التالي تعمد الشرطة الإيرانية إلى تطويق المكان كما تصدر الأوامر للقوات الأمنية من أجل إطلاق النار على المتظاهرين من دون تردد.
مع بداية شهر يوليو ٢٠٠٩ ازدادت حالة الاحتقان في إيران حيث أصبحت الشرطة تهاجم جموع المتظاهرين وتنكل بهم وتطلق عليهم النار بدون أي ضبط للنفس، الأمر الذي جعل المعارضين الإيرانيين يعتمدون على التواصل الشخصي بعد أن عمدت شركة الاتصالات إلى إغلاق خدمة الرسائل النصية القصيرة في خطوة أخرى ترمي إلى التضييق على المناوئين لنظام طهران. رغم ذلك لم تتوقف المظاهرات بل عمت الشوارع الإيرانية.
قبل ظهور «الحركة الخضراء» كان الإيرانيون يجرؤون على التعبير عن غضبهم وسخطهم على الحكومة للأجانب سواء في المتاجر أو في سيارات التاكسي، لكن بعد بدء حركة الاحتجاجات، تغير كل شيء أي في صيف .٢٠٠٩
أصيب نظام طهران بما يشبه الهوس وراح يشدد من تضييقه على وسائل الاتصالات في المجتمع الإيراني، فقد أصبحت قوات الأمن الإيرانية، المعروفة ببطشها الكبير بالمعارضين، تلاحق الناس في الشوارع وتأخذ منهم هواتفهم النقالة وتدقق في الرسائل النصية القصيرة المخزنة فيها.
كان المحققون يواجهون الطلبة المعتقلين بنص المكالمات التي يجرونها بواسطة هواتفهم النقالة ويعتبرون أن تلك المكالمات تمثل دليلا دامغا على تآمرهم على الدولة والثورة الإيرانيتين.
والأدهى من ذلك تلك التقارير الإخبارية التي نشرت بعد أيام فقط من اندلاع موجة الاحتجاجات في يونيو ٢٠٠٩ ضد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، فقد أكدت شبكة نوكيا ؟ سيمنز أنها زودت إيران بمعدات تسمح لشركة الاتصالات التي تهيمن عليها الحكومة بالتحكم في مكالمات الزبائن والتنصت عليها. تحدثت تقارير إخبارية أخرى عن قيام نوكيا- سيمنز بتزويد الحكومة الإيرانية بمعدات تكنولوجية متطورة لفرض الرقابة على الإنترنت.
أصبح الناس في إيران يشعرون بأن حكومتهم تتنصت عليهم عبر هواتفهم النقالة حتى إن لم تكن في وضع تشغيل. لقد سادت حالة من الخوف والرعب حتى ان سكان طهران أصبحوا يغلقون هواتفهم النقالة ويسحبون منها البطاريات وبطاقات MIS، الشيء نفسه أصبح يحدث حتى اليوم في المقاهي والكوفي شوب واللقاءات العائلية والحفلات الخاصة قي المنازل.
في تلك الأثناء كانت طهران وبقية المدن الإيرانية تعج بالقصص التي تتحدث عن الاعتقالات الجماعية اليومية والتحقيقات والاغتصاب والوفيات رهن الاعتقال في السجون جراء التعذيب. وفوق ذلك كله كان الجميع يشاهد كثافة انتشار قوات الأمن التي تلاحق النشطاء والمتظاهرين على متن الدراجات النارية وهي تلوح بالعصي والأسلحة عبر الشوارع الضيقة. رغم كل ذلك القمع استطاع العالم بأسره أن يشاهد ما كان يجري في إيران من أحداث دامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مع تصاعد الحملة القمعية بلا هوادة أصبح الإيرانيون يحمون هوياتهم على شبكة الانترنت. أما الإيرانيون في بلدان الشتات فراحوا يبعثون برسائل عبر البريد الإلكتروني إلى الأهل والأصدقاء حتى النشطاء تتضمن بعض الأساليب للإفلات من رقابة الدولة على الانترنت وحماية هوياتهم، فقد راح المهندسون الإيرانيون العاملون في سليكون فالي في الولايات المتحدة الأمريكية يتمسكون بضرورة إرسال الرسائل في شكل وثائق مرفقة بدل أن تكون في شكل إيميلات من أجل الافلات من الرقابة الأمنية التي تتم بواسطة معدات متطورة تكون مبرمجة للبحث عن الكلمات الحساسة.
هناك أيضا من الخبراء الضالعين في تقنية المعلومات من راح يحذر النشطاء وعموم الإيرانيين من مستخدمي الانترنت من أن استخدام «سكايب» في الحوارات السياسية قد يكون غير آمن.
شنت الأجهزة الأمنية الإيرانية أيضا حملة قمعية واسعة على مستخدمي شبكة الفيس بوك. أمام تكثيف الحملة القمعية عمد الكثير من الإيرانيين إلى تغيير أسمائهم الأخيرة باستخدام كلمة «إيراني» inarI من أجل إخفاء هوياتهم. بدأ الإيرانيون في بلدان الشتات عبر العالم يستخدمون الأساليب نفسها تضامنا مع الإيرانيين في الداخل.
من حسن الحظ أن الغرب طور أيضا تقنيات تتعلق بسلامة مستخدمي شبكة الانترنت وهي ناجعة إلى حد معين غير أنها لن توفر الحماية الكاملة لنشطاء ومستخدمي الانترنت في الجمهورية الإسلامية الايرانية. يمكن للإيرانيين أن يسجلوا في هذه الدورات الخاصة بسلامة مستخدمي الشبكة العنكبوتية عبر الانترنت بإرسال رسالة إلى البريد الإلكتروني ليتلقوا بعدها الدروس التي تتضمن جملة من الارشادات التي تتعلق بتأمين وحماية أجهزة الحاسوب الخاصة وتصفح الانترنت من دون خوف من المراقبة والتنصت.
لقد نشط مهندسو الكمبيوتر الايرانيون في بلدان الشتات وزودوا النشطاء الإيرانيين في الداخل بالأدوات التي تمكنهم من استخدام الإنترنت والحفاظ على سلامتهم إلى حد كبير غير أن أجهزة الرقابة والأمن والمخابرات الإيرانية نجحت أيضا في ملاحقة العديد من نشطاء الانترنت والتنكيل بهم.
لقد أثبتت الحكومة الإيرانية أيضا القدرة على إغلاق مواقع الانترنت التي تعاديها. في الوقت نفسه استحدثت أيضا عدة طرائق للتغلب على الرقابة التي تفرضها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية، من بين هذه الأساليب المستحدثة استخدام «الشبكة الخاصة الافتراضية» (NPV krowteN etavirP lautriV( التي تمكن مستخدمي الانترنت من الولوج إلى أي موقع يريدونه على الشبكة العنكبوتية لأن الارتباط يكون مع موقع موجود خارج الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا يمكن لأجهزة الأمن والمخابرات والمراقبة الإيرانية التصدي له.
في الفترة ما قبل سنة ٢٠١٠ كان الايرانيون في بلدان الشتات يزودون عائلاتهم وأصدقاءهم وأقرباءهم بأسمائهم المستعارة وعناوينهم السرية حتى يمكنوهم من الارتباط بشبكة الانترنت عبر الجامعات أو الشركات الموجودة في الخارج.
في الفترة ما بين ٢٠١٠ ويناير ٢٠١٢ كان باستطاعة الايرانيين شراء حق الولوج إلى الشبكة الافتراضية الخاصة مقابل مبلغ يتراوح ما بين ٨ و١٠ دولارات في الشهر الواحد غير أن هذه الخدمة أصبحت اليوم عديمة الجدوى، فقد عمدت سلطات الرقابة في إيران إلى استحداث وسائل تمكنت من خلالها من ضرب هذه الشبكة التي أصبحت تتسم بالبطء الشديد.
بداية من شهر ديسمبر ٢٠١١ إلى شهر فبراير ٢٠١٢، قلصت السلطات الإيرانية من سرعة الانترنت بشكل كبير حتى بات يصعب الدخول إلى العديد من المواقع، وخاصة في العاصمة طهران التي كانت القلب النابض للحركة الخضراء. أما في بقية المدن الإيرانية فإن سرعة الانترنت تعتبر أفضل من العاصمة الإيرانية طهران.
قبل صيف ٢٠٠٩، أي قبل الأحداث الدامية الناجمة عن تزوير الانتخابات، كانت مقاهي الانترنت تعتبر بصفة عامة ملاذات آمنة بحيث كان مستخدمو الانترنت يترددون عليها ويتصفحون المواقع المحظورة لأن الحواسب هناك مزودة بأحدث البرمجيات. عقب انتخابات يونيو ٢٠٠٩ أصبحت مقاهي الانترنت من أكثر المواقع المستهدفة في طهران وسائر المدن الإيرانية الأخرى، فقد أغلق العديد من مقاهي الانترنت فيما أصبحت تلك التي لاتزال مفتوحة تلتزم بإجراءات صارمة ومراقبة مشددة من أجهزة الأمن والمخابرات التي تقوم بزيارتها وتفتيشها والتثبت من هوية المترددين عليها في أي وقت ومن دون سابق إنذار. أصبحت مقاهي الانترنت أيضا ملزمة اليوم بتسجيل رقم بطاقة هوية كل مستخدم يتصفح الانترنت وتسليمها إلى الدوائر الأمنية المعنية.
لم يكتف المتشددون في الجمهورية الإسلامية الايرانية بتضييق الخناق على الشبكة العنكبوتية ومستخدميها بل إنهم ضيقوا الخناق أيضا على وسائل الإعلام المكتوبة وقد تجلى ذلك بكل وضوح منذ فترة حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي (١٩٩٧-٢٠٠٥).
عمدت هذه الأطراف الراديكالية المتشددة نفسها إلى تضييق الخناق على وسائل الإعلام الجديدة عقب نشأة الحركة الخضراء التي مثلت أكبر تحد لنظام الملالي الموروث عن الخميني. في سبتمبر ٢٠٠٩ اشترى كونسورتيوم niboM e-dametE الذي ترتبطه علاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني نسبة ٥١% من أسهم شركات الاتصالات الوطنية الإيرانية، بعد دقائق فقط من خصخصتها وُجد رئيس هذا الكونسورتيوم ماجد سوليمانيبور مقتولا بعد ذلك مع زوجته في ظروف غامضة.
يستخدم الحرس الثوري شبكة قوية من «المنظمات والجمعيات الخيرية» كواجهة للسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني مثل قطاع البناء والإنشاءات والنفط والغاز والتصدير والتوريد إضافة إلى السيطرة على الجزء الأكبر من السوق السوداء. وبفضل سيطرته على أغلب أسهم شركة الاتصالات أصبح الحرس الثوري الإيراني قادرا على الاطلاع على فحوى كل الرسائل النصية القصيرة والمكالمات الهاتفية.
تستخدم الدولة الإيرانية هذه القدرات من أجل التحكم في تدفق المعلومات ناهيك عن أن وزارة الإرشاد الإسلامي هي التي تصدر تراخيص العمل للمراسلين الصحفيين والمصورين وهي تبعث رسائل نصية قصيرة لإبلاغ الصحفيين بالأحداث التي يمكن تغطيتها وبالأحداث التي يمنع عليها تغطيتها مثل حادثة مقتل العالم النووي في شهر يناير .٢٠١٢
لعل ما سيزيد من تعقيد الأمور وزيادة الصعوبات مشروع «شبكة الانترنت الوطنية الإيرانية» التي تسمى باللغة الفارسية «إنترنت ميلي» وهو مشروع رهن التنفيذ. لقد ظلت الجمهورية الاسلامية الإيرانية تسعى لتطوير مشروع الانترنت الوطني منذ سنة .٢٠٠٥
في شهر أغسطس ٢٠١١ قال وزير تكنولوجيا الاتصالات والاعلام رضا تاكيبور أنفاري إن «الانترنت النظيف» سيطلق في مطلع سنة .٢٠١٢ يقول المسئولون في إيران إن الهدف من مشروع «انترنت ملي» هو تحسين الأمن والتصدي للتهديدات مثل فيروس tenxutS الذي هاجم شبكة الكمبيوتر التي تتحكم في البرنامج النووي الإيراني سنة ٢٠١٠ والذي خرب أكثر من ثلاثين ألف عنوان بريد إيراني أغلبها تابعة للحكومة الإيرانية.
يعتقد جل الإيرانيين أن شبكة «الانترنت النظيفة» ستكون في الواقع «انترانت» tenartnI ما سيمكن نظام طهران من الحد من قدرة مستخدمي الانترنت على التواصل مع العالم الخارجي على غرار كوبا وكوريا الشمالية.
يذكر أن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في أحد أعدادها أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتطوير «انترنت ظل» tenretnI wodahS من أجل تسهيل التواصل بالنسبة إلى الشعوب التي تعاني شدة الرقابة على الشبكة العنكبوتية.
يوم ٢٣ ابريل ٢٠١٢، أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمرا تنفيذيا أعلن بمقتضاه تشديد العقوبات على الأفراد في كل من إيران وسوريا والمرتبطين ببيع أو باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات التي تسهل عملية التشويش على مستخدمي شبكة الانترنت وهو ما يعد انتهاكا لحقوق الانسان.
قالت سلطات البيت الأبيض إن هذه العقوبات ترمي إلى منع «مثل هذا الاستخدام السيئ لتقنية المعلومات». رغم أن النشطاء الإيرانيين رحبوا بهذه العقوبات فانهم ذكروا ان شركة أجنبية snemeiS aikoN هي التي زودت نظام طهران بالتكنولوجيا المتطورة اللازمة.
.
مقالات أخرى...
- أبعاد الأزمة السورية والأقليات الطائفية - (7 مايو 2012)
- مصر ومخاض الانتخابات الرئاسية - (5 مايو 2012)
- إدارة الرئيس أوباما والأزمة السورية - (3 مايو 2012)
- معاناة الإيرانيين تحت وطأة العقوبات - (3 مايو 2012)
- جدران بيروت والأزمة السورية - (2 مايو 2012)
- ما سبب غياب الدور الأمريكي التقليدي في العالم؟ - (2 مايو 2012)
- العالم وأكاذيب بشار الأسد - (25 أبريل 2012)
- حكم البعث: من العراق إلى سوريا - (25 أبريل 2012)
- إسرائيل وتحولات العالم العربي - (23 أبريل 2012)