معاناة الإيرانيين
تحت وطأة العقوبات
 تاريخ النشر : الخميس ٣ مايو ٢٠١٢
يأمل الإيرانيون العاديون أن يتم تخفيف العقوبات المفروضة على بلادهم، فقد اشتدت معاناتهم أكثر من اي وقت مضى.
لقد كانت المرة الأولى على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، التي يلتقي فيها المسؤولون الإيرانيون الأعضاء الخمسة الدائمين- زائد ألمانيا - في اسطنبول يوم ١٤ ابريل ٢٠١٢ وكانت المحادثات «ودية» رغم أن الجانبين لم يحققا أي نتيجة تذكر سوى اتفاقهما على مواصلة المحادثات. لا أحد قال انه سيتم قريبا تخفيف العقوبات المشددة التي تكاد تشل الاقتصاد الايراني والرامية إلى وضع حد للطموحات النووية الإيرانية.
أما بالنسبة إلى عمل صرف العملة في البازار التجاري في مدينة «يزد» الصحراوية فإن هذه المحادثات لم تكن لتهمهم في شيء، فعشية إجراء تلك المحادثات كانت قيمة الدولار الأمريكي تفوق ١٩ ألف ريال إيراني غير أن هذه القيمة قد تقلصت بنسبة ١٥% بعد يوم واحد من تلك المحادثات لتتراجع إلى ١٦ ألف ريال إيراني للدولار الأمريكي الواحد.
يقول أحد التجار الإيرانيين وهو يمسك برزمة ضخمة من الورقات النقدية رغم أن قيمتها بالدولار الأمريكي لا تكاد تساوي شيئا يذكر:
«لا أذكر آخر مرة عدت فيها إلى المنزل وأنا أعرف أن رزمة الأوراق النقدية التي أحملها في يدي قد زادت قيمتها على ما كانت عليه في بداية اليوم».
رغم أن المفاوضين قد اتفقوا فقط على اللقاء ثانية في بغداد يوم ٢٣ مايو فإن المسؤولين الإيرانيين قد سعوا إلى إضفاء مسحة من التفاؤل والصراحة النسبية بهدف إقناع الغربيين بأن الدبلوماسية المكثفة قد تؤتي أكلها في نهاية المطاف، فقد لمحوا في البداية إلى أن إيران قد تغير من سياسة تخصيب اليورانيوم التي تنتهجها مقابل التزام غربي بتخفيف العقوبات فيما قال وزير الخارجية الإيراني علي صالحي ان محادثات اسطنبول تمثل نقطة تحول في الحوار الذي تجريه بلاده مع الغرب.
لقد لاحظ المفاوضون الغربيون ايضا أن الوثائق التي كانت مع رئيس وفد المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي كانت تحمل صفته على أنه أيضا الممثل الشخصي لعلي خامنئي، المعروف بمواقفه الدوغمائية ضد الغرب والمتمسك باستقلالية بلاده النووية. لقد رأى المفاوضون الأوروبيون أن اعتبار سعيد جليلي ممثلا شخصيا للزعيم الإيراني قد يؤشر على بعض البراجماتية في مواقف علي خامنئي.
لقد لمس بعض الإيرانيين بعض التغير في مواقف حكومتهم. يقول أحد الإيرانيين في مدينة «يزد»: «إن حكومتنا يائسة وهي تدرك جيدا أن الشعب غارق في اليأس». فرغم أن هذه الفترة تعتبر في العادة ذروة الموسم السياحي فإن مناطق الجذب السياحي في مدينة «يزد» وغيرها من المناطق الإيرانية الأخرى تكاد تكون خالية تماما من الزوار ما يعكس حجم الأزمة الناجمة عن العقوبات الغربية المشددة.
رغم أن إيران لاتزال مهددة بضربة عسكرية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل ؟ أو الدولتان معا ؟ فإن الإيرانيين، من تبريز إلى شيرن يتحدثون عن قلة فرص العمل بل انعدامها، حيث إن استفحال البطالة أصبحت الشغل الشاغل في إيران، فضلا عن تفاقم التضخم الذي بلغت معدلاته الرسمية ٢١,٥% غير أنه يفوق في حقيقة الواقع ٣٠%. فالمواطن الإيراني العادي منشغل بلقمة عيشه ومعاناته اليومية الناجمة عن سياسة بلاده النووية أكثر من انشغاله بالضربة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية المحتملة.
يقول مدير أحد النزل في مدينة شيراز انه منذ انطلاق الاحتفالات بالسنة الفارسية الجديدة التي بدأت يوم ٢١ مارس ظل معدل إشغال الفنادق يتأرجح ما بين ٣٠% و٤٠%. إلى حد السنوات القليلة الماضية كان من الصعب الحصول على غرفة قبل أن تحجز مسبقا في أحد الفنادق. يعتبر هذا المدير الفندقي أن ازدياد الحديث عن الضربة العسكرية قد نفر السياح الأجانب. يستعد الاتحاد الأوروبي لتعليق كل وارداته من النفط الإيراني يوم ١ يوليو .٢٠١٢ لذلك فإن المسؤولين يبدون كثيرا من الارتباك وهم يسعون من الآن يائسين لإيجاد مشترين جدد لنفط بلادهم وخفض النقص الحاد في الإيرادات من العملات الأجنبية.
يعتقد الكثير من الخبراء الاقتصاديين أنه ما لم تتراجع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتقدم تنازلات ملموسة بخصوص المسألة النووية فإن هذه المعاناة الشديدة التي يعيشها المواطن الإيراني العادي قد تكون مجرد مقدمة لما هو أسوأ.
تبريز مدينة تقع في شمال غربي إيران، تسيطر عليها الأقلية من الأذريين الناطقين باللغة التركية. يقول التجار في تلك المدينة ان العقوبات الغربية المشددة تهدد اثنين من مشاريع البنية الأساسية المهمة في منطقتهم: يتمثل المشروع الأول في شبكة المترو التي طال انتظارهم لها وظلت تؤخر من سنة إلى أخرى، فقد تأخر استكمال المشروع ست سنوات كاملة نتيجة تعطل الأشغال. أما المشروع الثاني فهو يتمثل في تشييد برجين من أربعين طابقا يتضمنان مكاتب إدارية ومحال تجارية علما أنه سيكون من أكبر المجمعات التجارية في إيران هذا إذا ما أمكن استكمال أشغال بنائه، ففي الوقت الراهن يظل المشروع عبارة عن حفرة ضخمة سوداء توحي بالكآبة.
أما في تخوم مدينة تبريز فإن الطريق تمر عبر سلسلة من المشاريع الإسكانية التي أمر الرئيس محمود أحمدي نجاد بتشييدها إيفاء بوعوده الانتخابية التي قال فيها انه يتعهد بأن يضع عوائد النفط على مائدة الطبقة الاجتماعية المحرومة. لقد توقف العمل في هذه المشاريع جراء العقوبات المشددة المفروضة على نظام طهران. ما لم تضخ الحكومة الأموال اللازمة فإن هذا المشروع السكني الضخم سيكون بدوره من ضحايا العقوبات الدولية.
تفاقمت معضلة البطالة، وخاصة في صفوف الإيرانيين ممن هم في العشرين من أعمارهم، وهم يمضون وقتهم يتسكعون في حدائق تبريز. أما الحياة في طهران فهي أكثر قساوة على العاطلين عن العمل، فقد أصبحت فرص العمل في مختلف المدن والمناطق الإيرانية شحيحة إضافة إلى تصاعد أسعار العقارات. يقول أحد المهندسين المتخرجين حديثا والعاطلين عن العمل: «أنا أركز في تعلم اللغة الانجليزية حتى تكون فرصي في مغادرة البلاد والسفر إلى الخارج أفضل».
.
مقالات أخرى...
- إدارة الرئيس أوباما والأزمة السورية - (3 مايو 2012)
- جدران بيروت والأزمة السورية - (2 مايو 2012)
- ما سبب غياب الدور الأمريكي التقليدي في العالم؟ - (2 مايو 2012)
- العالم وأكاذيب بشار الأسد - (25 أبريل 2012)
- حكم البعث: من العراق إلى سوريا - (25 أبريل 2012)
- إسرائيل وتحولات العالم العربي - (23 أبريل 2012)
- من «الربيع العربي» إلى «الشتاء الإسلامي» هل التف الإسلاميون على مطالب الشعوب؟ - (19 أبريل 2012)
- معركة اللحى في الانتخابات المصرية - (17 أبريل 2012)
- تركيا والتحولات العربية - (17 أبريل 2012)