إسرائيل وتحولات العالم العربي
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ أبريل ٢٠١٢
بقلم: جوليان فون ميتلستاد
ظلت إسرائيل على مدى عقود تمني النفس بحدوث تغيير في العالم العربي. الآن اهتزت المنطقة العربية على وقع التغييرات فإن المخاوف لم تتملك المواطنين الإسرائيليين فقط بل إن حكومتهم راحت تتحصن وراء الجدران وتعمق من عزلتها بدل استغلال الفرص التي يتيحها الواقع الاقليمي الجديد.
هناك اليوم جدار سميك ما بين العقيد يوايف تيلان ومصر وهو ما يسعده على ما يبدو. يبلغ ارتفاع الجدار خمسة أمتار تعلوه أسلاك شائكة تمنع أي عمليات تسلل. أحيط الجدار أيضا بالأسلاك الشائكة والخنادق المضادة للدبابات. أهلا بكم إلى إسرائيل.. الربيع العربي. ينظر الآن إلى إسرائيل كدولة معادية، فقبل سبعة أشهر عبر مسلحون الحدود مع مصر وهاجموا حافلات وسيارات وقتلوا ثمانية إسرائيليين. في الحقيقة أصبحت عمليات إطلاق النار ومحاولات تدمير الجدار تحدث يوميا كما عثرت السلطات الإسرائيلية على متفجرات في عدة مناسبات. كانت هذه الحدود إلى وقت قريب- أي قبل سقوط الرئيس المصري حسني مبارك ؟ هادئة إلى حد كبير حتى انها لم تكن تعرف إجراءات أمنية مشددة، على عكس ما أصبح عليه الوضع اليوم، فقد كان حرس الحدود الإسرائيليون يمضون أغلب وقتهم في التصدي للاجئين المتسللين من اريتريا وأثيوبيا والسودان حيث إن عددهم كان يفوق ٥٠ ألفا سنويا.
لقد اضطرت إسرائيل إلى إنشاء الجدار بسبب هؤلاء اللاجئين في المقام الأول.
ثم جاءت الثورة المصرية فبدأت التفجيرات المتتالية تستهدف أنبوب الغاز الذي يعبر شبه جزيرة سيناء وصولا إلى إسرائيل وقد بلغ عدد التفجيرات حتى الان ١٣ مرة. يوم ١٨ أغسطس ٢٠١١، حدث الهجوم. بعدها أرسلت إسرائيل وحدات كوماندوز خاصة وفرقا استطلاعية وسيارات عسكرية مصفحة كما أنها سرعت من وتيرة بناء الجدار. لقد ردت إسرائيل على تطورات الأحداث في العالم العربي خلال الأشهر القليلة الماضية كعادتها دائما عندما يتراءى لها أنها مهددة، لقد زادت من تحصيناتها وعمقت من عزلتها. إنها عقلية القلعة الحصينة. لقد اندثرت الضفة الغربية وقطاع غزة وراء الجدران كما أن هناك جدرانا عالية على طول الحدود إضافة إلى حقول الألغام. تريد إسرائيل الآن أن تحسن من أمن حدودها من خلال بناء جدار إلكتروني فائق التطور على غرار السياج الإلكتروني الذي أقامته على الحدود مع مصر.
لقد سعت الدولة اليهودية إلى الاندماج في منطقة الشرق الأوسط على مدى العقود الماضية. أما اليوم فإنها تسعى لقطع كل صلة لها بالمنطقة العربية المحيطة بها كما أنها تسعى لعرقلة التغييرات في المناطق المجاورة لها. بعد مرور عام على الثورات العربية أصبحت الأجواء مشحونة بمشاعر الريبة والخوف والشكوك. لقد كان الساسة الإسرائيليون ؟ من أمثال الرئيس الحالي شيمون بيريز ؟ يحلمون بـ«الشرق الأوسط الجديد» كمنطقة تزدهر فيها الديمقراطية والحرية وتنعم بالرخاء الاقتصادي.
الآن بدأ شرق أوسط جديد يتشكل على غير هوى إسرائيل فإن أغلب الإسرائيليين وحكومتهم اليمينية المتطرفة معهم لا يرحبون بالتطورات الجارية في المنطقة العربية، فرغم أنهم كانوا يمنون النفس دائما بجيران ديمقراطيين فإنهم يتخوفون اليوم من المسار الديمقراطي، وخاصة لما ينطوي عليه من غموض وعدم استقرار ومخاض عسير واحتمال إفلات الأمور عن زمام السيطرة. لا أحد يعرف حتى الآن الطبيعة التي سيكون عليها الشرق الأوسط غير أن الحكومة الإسرائيلية قد حسمت أمرها وراحت تتحصن وتقيم الجدران بدل العمل على تنويع خياراتها والتكيف مع الوضع الجديد.
قد نتفهم مخاوف إسرائيل، فالاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط كثيرا ما كانت تؤدي إلى إشعال فتيل الحروب، منذ بداية الثورات العربية سجلت ثلاث محاولات لاقتحام الحدود الإسرائيلية من لبنان وسوريا. لهذا السبب لا تكاد الدولة اليهودية تبذل اليوم أي جهد يذكر من أجل تحقيق السلام الدائم في المنطقة في وقت تقوم فيه بتعبئة كل قواتها وقدراتها العسكرية استعدادا لمواجهة محتملة ضد إسرائيل على خلفية البرنامج النووي الذي تقوم سلطات طهران بتطويره والذي ترى فيه إسرائيل خطرا على وجودها. إذا كانت إسرائيل تخطط فعلا لمهاجمة إيران فإنه يتعين عليها أيضا أن تخرج أولا من عزلتها.
تعتبر إسرائيل نفسها «فيلا فخمة في الغاب» أو «جزيرة حضارية هشة» محاطة بالإسلاميين كأن إسرائيل ليست أقوى قوة عسكرية في المنطقة وأكثرها نفوذا سياسيا في العالم عدا الترسانة النووية التي تمتلكها بعيدا عن كل رقابة دولية. من الغريب أن إسرائيل تفضل الحديث عن «الشتاء الإسلامي» بدل «الربيع العربي». يحب على الاسرائيليين الاستدلال بقطاع غزة للإيحاء لما يمكن أن يصبح عليه الوضع في باقي الدول العربية إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة.
لا يتوانى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في انتقاد كل من يعتبر أن الانتفاضات العربية تفرز نتائج إيجابية، فقد قال إن «الثورات العربية ستفرز موجة إسلامية، معادية للغرب والليبرالية والديمقراطية». يعتبر نتنياهو أيضا أن العالم العربي يسير إلى الوراء ولا يتقدم إلى الأمام بل من السذاجة الاعتقاد أن العرب ينسجمون مع الديمقراطية.
هل نجح تكتيك التخويف الذي ينتهجه الساسة أم هل يعبر بنيامين نتنياهو فعلا عن حقيقة ما يفكر به الإسرائيليون إزاء التحولات التي يشهدها العالم العربي؟ لقد أظهرت نتائج استطلاعات الرأي أن نصف الاسرائيليين يعتقدون جازمين بأن الانتفاضات العربية ستؤثر سلبا في الدولة اليهودية، فقبيل تنحي حسني مبارك يوم ١١ فبراير ٢٠١١ اعتبر أكثر من ثلثي الاسرائيليين أن سقوطه سيعود بعواقب وخيمة على إسرائيل.رغم قتل العشرات يوميا، بمن في ذلك الأطفال، فإن واحدا من بين كل أربعة إسرائيليين يعتبر أن سقوط نظام بشار الأسد من شأنه أن يلحق الضرر بإسرائيل.
يقول مستشار في حكومة بنيامين نتنياهو:
«إذا كان هناك من درس بليغ تعلمناه من الانتفاضات العربية هو أنه يجب علينا أن نكون دائما الأقوى».
هذا ايضا ما يقوله بنيامين نتنياهو، الذي يؤكد عدم إمكانية تقديم أي تنازلات لأن «سياسة إسرائيل لا تبنى على الأوهام.. السلام هو أحد هذه الأوهام».
لكن كيف ستكون طبيعة العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي في المستقبل القريب؟
يرابط العقيد تيلان على الحدود الجنوبية وهو يعتبر أن الجدار الذي يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار يظل غير كاف وعليه بالتالي زيادة ارتفاعه. يبني العمال ما لا يقل عن ٤٠٠ متر يوميا علما بأن طول الجدار يصل إلى ٢٤٠ كلم وينتظر أن يتم الانتهاء من تشييده مع نهاية السنة الجارية.
يقول: «إن التعاون مع المصريين موسمي. إن الأمر يتوقف على الكيفية التي سيدير بها المصريون شبه جزيرة سيناء. إن الشكوك كبيرة في الوقت الراهن رغم أن المسؤولين الإسرائيليين والمصريين يلتقون بشكل دوري ويتفقون ويتخذون القرارات».
كانت مصر والأردن وتركيا إلى وقت غير بعيد من أكبر حلفاء إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط غير أن هذه الشبكة الدبلوماسية التي حاكتها إسرائيل على مدى الأعوام الماضية قد بدأت تتفكك. لذلك لم تنتظر الدولة العبرية بل إنها راحت تبني تحالفات جديدة مع اليونان وقبرص ودولة جنوب السودان الجديدة غير أن هذه التحالفات لم تحقق لها أي شيء حتى الآن كما أنها لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى التحالفات مع مصر والأردن وتركيا. تتحمل إسرائيل قسطا كبيرا من المسؤولية لأنها رفضت المصالحة مع تركيا كما أنها لاتزال ترفض أي تسوية مع الفلسطينيين.
في شهر ديسمبر الماضي كان السفير الإسرائيلي ليفانون آخر الاسرائيليين المتبقين في القاهرة. في شهر سبتمبر الماضي عمد المتظاهرون المصريين إلى اقتحام مقر السفارة الاسرائيلية في القاهرة وتدمير جانب من محتوياتها ووثائقها.
يقول ليفانون: «لقد كان حسني مبارك شريكا موثوقا به ويعتمد عليه غير أنه سمح للصحافة كي تؤجج مشاعر الكراهية والعداء ضد إسرائيل بدعوى التنفيس عن الغضب الذي يشعر به الفقراء».
أما السفير الإسرائيلي الذي خلف ليفانون في مصر فهو يعيش في أحد فنادق القاهرة ويسافر كل نهاية أسبوع إلى الدولة العبرية. أما محتويات السفارة نفسها فقد تم نقلها على متن طائرتي شحن كبيرتين إلى تل أبيب.
هل ستكون لإسرائيل بعد اليوم سفارة حقيقية في مصر؟
يعتبر ليفانون أن الرياح الجديدة التي تهب على مصر غير مطمئنة البتة، فقبل بضعة أسابيع فقط أعلنت لجنة في البرلمان المصري أن إسرائيل هي العدو الأول لمصر وأوصت بطرد السفير الإسرئيلي من القاهرة ووقف صادرات الغاز الطبيعي إلى «الكيان الصهيوني». وفي الوقت نفسه عين المجلس العسكري الأعلى الحاكم في القاهرة سفيرا مصريا جديدا في تل أبيب وتوسط لإبرام هدنة في قطاع غزة وهو يوضح بذلك أنه لم يغير من مواقفه.
يعتبر ليفانون أن ما يحدث في مصر وبعض الدول العربية الأخرى لا علاقة له بإسرائيل وهو يعتبر أنه لابد من إعطائهم الوقت وربط قنوات الصلة مع كل الأطراف اللاعبة في الفترة الجديدة. لذلك أوصى على سبيل المثال بضرورة ربط قنوات الصلة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعيد سقوط حسني مبارك غير أنه وجد الرفض من الحكومة الإسرائيلية. لذلك يعتبر ليفانون أن الوقت يكون قد تأخر فيما يخالفه المسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية الرأي ويقولون إن الوقت لايزال مبكرا على مثل هذه الخطوة.
لقد امتنعت إسرائيل حتى الآن عن إبداء أي موقف من الأزمة السورية كما أن أي مسؤول أو سياسي إسرائيلي لم يطالب بتنحي بشار الأسد عن الحكم في دمشق، يقول الإسرائيليون انهم لا يريدون إصدار مثل هذه البيانات أو التعبير عن هذه المواقف حتى لا يلحقوا الضرر بالمعارضة السورية نفسها. غير أن الكثير من العرب يرون في الصمت الإسرائيلي تأييدا ضمنيا للنظام البعثي الحاكم في دمشق بقيادة بشار الأسد.
بعد مضي سنة كاملة قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان في مطلع شهر مارس ٢٠١٢:
«لا يمكن للأمة اليهودية أن تظل مكتوفة الأيدي فيما يقتل المواطنون وتسفك دماؤهم في دولة مجاورة لنا. رغم أن إسرائيل لم تتدخل فإن واجبنا الأخلاقي يجعلنا على الأقل نرسل مساعدات إنسانية ونطالب العالم بوقف المجازر».
يقول الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي إفرايم هاليفي:
«من الواضح أن إسرائيل في قلب العاصفة غير أنها تتصرف كأنها غير معنية بالأمر». يشدد إفرايم على أن الانتفاضة السورية تمثل «فرصة تاريخية» لإسرائيل لأنها قد تكسر المحور القائم بين سوريا وإيران وحزب الله وحماس.
أما كبار المسؤولين السابقين في أجهزة المخابرات الإسرائيلية مثل ايمي آيلون ومائير داجان فهم يشددون على أهمية الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين من أجل الحد من عزلة إسرائيل غير أن حكومة بنيامين نتنياهو لم تفعل أي شيء في هذا الصدد رغم علمها بأن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعزز السلام مع مصر وتدعم العلاقات مع الملك الأردني.
يظل الأردن هادئا في الوقت الراهن غير أن فيروس الثورة العربية وصل إلى البلاد. يسعى الملك عبدالله إلى النزول عند طلبات شعبه لذلك فقد أطلق بعض التصريحات المنتقدة لإسرائيل كما أنه لم يرسل السفير الأردني إلى تل أبيب على مدى العامين الماضيين فيما تظل السفارة الإسرائيلية في عمان تحت الحراسة الأمنية المشددة أكثر حتى من المصرف المركزي الأردني نفسه.
إن هذه الحوادث هي التي تفسر السبب الذي يجعل إسرائيل تشعر بأنها مهددة. بالمقابل فإن إسرائيل لم تفعل ما من شأنه أن يستجيب لمتطلبات الدول المجاورة، معتقدة خطأ أن المحادثات أو التفاوض مع القادة والأنظمة العربية تكفي.
يتعين على إسرائيل أن تتبنى مقاربة جديدة للتعامل مع العالم العربي المتغير، فلا أحد من الساسة الإسرائيليين خاطب المتظاهرين في القاهرة أو في تونس. ليو بن دور إسرائيلي في الثالثة والأربعين من عمره وقد فعل ما لم يفعله أي سياسي عربي، فقد ربط الصلة عبر الفيسبوك بأكثر من مائة ألف عربي على صفحته «إسرائيل تتكلم (عربي)» التي دشنها في السنة الماضية.
بن دور هو المتحدث الإعلامي الرسمي باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية كما أنه يظهر كثيرا على قناة الجزيرة الفضائية القطرية. أصبح بن دور عنصرا ناشطا على شبكة الانترنت وهو يسعى إلى تصعيد الضغط من أجل إزالة الجدران التي أقامتها إسرائيل.
يهوى بن دور أيضا الرسم باستخدام قلم الرصاص وقد رسم صور الملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس والدكتاتور السوري بشار الأسد والرئيس المصري الاسبق محمد أنور السادات وقد بدأ يضعها على صفحته على شبكة الفيسبوك. كتب تعليقا تحت صورة الأسد: «شعبي العزيز، أحبك حتى الموت».
.
مقالات أخرى...
- من «الربيع العربي» إلى «الشتاء الإسلامي» هل التف الإسلاميون على مطالب الشعوب؟ - (19 أبريل 2012)
- معركة اللحى في الانتخابات المصرية - (17 أبريل 2012)
- تركيا والتحولات العربية - (17 أبريل 2012)
- هل تكون المقاومة الشعبية بديلا عن الكفاح المسلح؟ - (17 أبريل 2012)
- هل يحل عنان الأزمة السورية أم ينقذ نظام دمشق؟ - (11 أبريل 2012)
- المسلمون والانتخابات الرئاسية الأمريكية - (11 أبريل 2012)
- هذا ما يجب أن يفعله الفلسطينيون - (10 أبريل 2012)
- مروان البرغوثي.. الأمل الفلسطيني - (10 أبريل 2012)
- «معركة القنبلة» بين إسرائيل وإيران - (2 أبريل 2012)