ماذا وراء اهتمام القوات الأمريكية بآسيا الوسطى؟
 تاريخ النشر : الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢
طشقند - من: أورينت برس
بالتزامن مع المهمة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، اصبحت دول آسيا الوسطى المجاورة في السنوات الأخيرة على قائمة أولويات السياسة الخارجية لواشنطن. فالآن، ومع اعلان الانسحاب المزمع للقوات الامريكية من افغانستان بحلول عام ٢٠١٤، تتساءل الحكومات في المنطقة عن كيفية تأثير هذا الانسحاب فيها، فضلاً عن تأثر الاهتمام الامريكي في آسيا الوسطى.
في هذا الاطار، حاول مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون جنوب ووسط آسيا روبرت بليك، الاجابة عن هذه التساؤلات من خلال طمأنة جميع المهتمين إلى ان بلاده تولي اهمية كبيرة للعلاقات مع آسيا الوسطى في المستقبل تماماً كما تهتم بتمتين العلاقات مع افغانستان بعد الانسحاب.
((اورينت برس)) اعدت التقرير التالي:
يأخذ الكثير من الناشطين في حقوق الانسان على الولايات المتحدة انها تمارس سياسة غض النظر عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الانسان التي يمارسها بعض الدول في آسيا الوسطى وذلك من اجل الحفاظ على علاقتها ومصالحها الجيو سياسية بدول المنطقة وعدم ازعاج حكوماتها.
رد امريكي
ويرد روبرت بليك مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون جنوب ووسط آسيا على هذه الاتهامات رافضاً مقولة ان العلاقات الامنية اتت على حساب حقوق الانسان، مضيفا أن واشنطن تظن ان فتح قنوات الحوار ومد جسور التعاون مع دول آسيا الوسطى من شأنهما ان يدفعا بهذه الاخيرة إلى تبني خطوات فاعلة باتجاه تكريس حقوق الانسان ووقف بعض الانتهاكات التي تقوم بها. ويشير على سبيل المثال إلى النجاح الذي حققته طاجكستان في الحد من الاتجار في البشر وتوقيف عصابات كثيرة، فضلاً عن اقدام اوزبكستان على اطلاق سراح بعض الانفصاليين من المعتقلات. وهي خطوات قد تكون محدودة لكنها قد تتطور وتتوسع مع الوقت مع الدعم الامريكي اللازم وتكريس الثقة المتبادلة.
واراد بليك استرضاء جمعيات حقوق الانسان فقال انه على الرغم من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينها وبين دول الشرق الأوسط، فانه ينبغي للحكومات في آسيا الوسطى استخلاص الدروس من الربيع العربي من خلال تبني إصلاحات سياسية وتوفير المزيد من الحريات لمواطنيها لمصلحة الاستقرار في بلدانها على المدى الطويل، مستدركا أن الوضع الاقتصادي في آسيا الوسطى أفضل بكثير مما هو عليه في الشرق الأوسط بسبب توافر احتمالات أكبر لفرص العمل، وقدرة العمال على إرسال التحويلات المالية إلى أوطانهم من بلدان الاغتراب، وبسبب الثروات الطبيعية كالغاز والنفط والثروات الهيدروكربونية.
المرشد والواعظ
وشرح بليك بصفته أكبر دبلوماسي أمريكي في المنطقة علاقته بحكومات آسيا الوسطى: لقد شجعتهم على توفير حيز أكبر للحريات السياسية، والشخصية، والدينية، وإتاحة الفرصة لتنمية مجتمع مدني قوي ومؤسسات ديمقراطية، ولرسم المسار للإصلاح الاقتصادي.. فمن الخطأ أن تخاف القيادات من أن الفوضى والاضطرابات السياسية سوف تنجمان عن السماح بحريات أكبر.
وأعرب بليك عن اعتقاده أنه في حين أن الديمقراطية يمكن أن تكون مربكة وأن تبدو أحيانا مضطربة، لكنها توفر رغم ذلك المزيد من الاستقرار والأمن، لأنها توفر للمجتمعات صمام الأمان الضروري لتنفيس التوترات السياسية والاقتصادية، مسلطا الضوء على قرغيزستان بصفتها الاستثناء الأولي لغياب الديمقراطية في آسيا الوسطى، قائلاً إن دستورها الجديد والانتخابات الرئاسية والبرلمانية هي مدعاة للتفاؤل حتى عندما يتبين من أعمال العنف العرقي مدى هشاشة الديمقراطية في البلاد، علما ان قرغيزستان هي الجمهورية البرلمانية الأولى في آسيا الوسطى.
وأكد مساعد وزير الخارجية الامريكي أن الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة قرغيزستان لتنجح كمثال ديمقراطي في المنطقة، وقد قدمت أكثر من ١٤٠ مليون دولار للمساعدات الإنسانية، والتنمية الاقتصادية، ودعم الانتخابات الديمقراطية، والحكم الرشيد وغيرها من المساعدات، معتبرا ان الديمقراطية هي عملية طويلة الأمد، وسوف نعمل مع جميع شركائنا في آسيا الوسطى لمساعدتهم على تطوير مؤسسات ديمقراطية أقوى ومجتمعات أكثر انفتاحاً.
وبالترافق مع البلدان الأخرى في آسيا الوسطى، ترى الولايات المتحدة وجود فرصة لتعزيز مشاركتها في قضايا متعلقة بالحريات الدينية، والسياسية، والشخصية، وباستخدام المشاورات الثنائية التي تشمل المناقشات الصريحة بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان، وحرية وسائل الإعلام، والانخراط مع المجتمع المدني ومجتمعات الأعمال.
انطباع خاطئ
من جهة ثانية، تؤكد القيادة الامريكية أن هناك انطباعاً خاطئاً بأن واشنطن ستخفف من اهتمامها بدول آسيا الوسطى لمجرد ان معظم القوات الامريكية في افغانستان ستنسحب بحلول نهاية عام ٢٠١٤، مشددة بطريقة أو بأخرى على أنها لن تتخلى عن أفغانستان أو عن دول الجوار ذات الموقع الاستراتيجي.
ويشدد المسؤولون الامريكيون على ان الولايات المتحدة ستبني شراكة طويلة الأمد مع أفغانستان، وخصوصا في الجانب الاقتصادي، وستبقي على وجودها العسكري بحده الادنى هناك لتوفير التدريب للجيش والقوات الامنية فيما يخص مكافحة الإرهاب. وبالمثل، فانها ستلتزم التزاما قويا بتحالفاتها وعلاقاتها مع بلدان آسيا الوسطى، لأنها مهمة جدا وتساعد على عملية التكامل الإقليمي.
وتتخوف دول آسيا الوسطى من ان ترتفع وتيرة التهديدات من قبل الجماعات الارهابية بعد رحيل الامريكيين، لكن قرغيزستان تحديدا تشعر بالغبطة لرحيل هذه القوات، وقد صرح الرئيس القيرغيزي المز بيك اتامبييف، بأنه ينبغي ألا يكون هناك أي وجود للقوات الاجنبية في قاعدة ماناس الجوية في بلاده بحلول منتصف عام ٢٠١٤ وهي المهلة التي سينتهي فيها عقد الإيجار الحالي المبرم مع الولايات المتحدة.
ومع بروز تساؤلات حول كيفية ان يؤثر ذلك في عملية الانسحاب، تحاول واشنطن اليوم استمالة قيرغيزستان من خلال الاعراب في اكثر من مناسبة عن تقديرها للحكومة للاستمرار في استضافة قواتنا وامداداتنا عبر قاعدة العبور في ماناس، وهي قاعدة لوجستية حيوية تمر من خلالها جميع قواتنا قبل أن تذهب إلى أفغانستان او تغادرها، وهو تصريح ورد على لسان روبرت بليك.
وتشير المصادر إلى ان الولايات المتحدة شرعت في مفاوضات مفتوحة مع قرغيزستان للتوصل إلى اتفاق بشأن القاعدة، وقد جرت اتصالات مع الرئيس القرغيزي وفريقه لكن لم يتم الافراج عن أي تفاصيل بشأنها بانتظار ان يتبلور الاتفاق النهائي.
استفزاز روسي
الى ذلك، اوردت الصحافة الروسية بعض التقارير التي تتحدث عن ان آسيا الوسطى ستوفر الطريق الآمن لمغادرة القوات الامريكية أفغانستان. وتردد ان الجنود والشحنات ستغادر المنطقة عبر أوزبكستان. لكن الولايات المتحدة ترفض تحديد طرق محددة لانسحاب قواتها لأسباب أمنية واضحة.
وفيما تحدثت الصحف الروسية عن ان الانسحاب الامريكي من المنطقة من شأنه ان يفيد طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحياء الاتحاد الاوراسي الذي يضم موسكو إلى جانب جمهوريات سوفيتية سابقة، اعتبر روبرت بليك «اننا أولا وقبل كل شيء، لم نر الكثير من التقدم العملي نحو هذا الاتحاد الأوراسي، لذلك فمن الصعب جدا تقييم مدى جدية مسعى روسيا. اهتمامنا الرئيسي هو في تشجيع التكامل الاقتصادي الإقليمي على وجه الخصوص، وبالتالي، فإن ما نحتاج إليه هو فتح طرق التجارة، سواء في داخل آسيا الوسطى او بين آسيا الوسطى وجميع شركائها الإقليميين، ولاسيما شركائها في الجنوب وتحديدا الهند، التي ستكون أكبر سوق لجميع هذه البلدان على مدى السنوات الـ ٥٠ المقبلة».
وأعلن مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون جنوب ووسط آسيا ان الوجود العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى يخدم مصالح قصيرة الأمد، مؤكدا ان واشنطن لا تسعى إلى ازاحة روسيا والحلول محلها في المنطقة.
اضاف «اننا نريد ان نكون منفتحين لأقصى حد فيما يتعلق بأهدافنا في آسيا الوسطى. اننا لا نسعى لوجود عسكري طويل الأمد في المنطقة وللحلول محل روسيا فيها. على العكس، اننا نبحث عن سبل توسيع التعاون مع الروس في المنطقة».
.
مقالات أخرى...
- بوتين.. هل يستخدم الملف السوري لإظهار قوة روسيا تجاه أمريكا؟ - (14 مايو 2012)
- ثورة ٢٥ يناير وريــــاح التغيــــــير في المجتمع المصري - (9 مايو 2012)
- تاريخ طويل من العقوبات الأمريكية ضد إيران - (6 مايو 2012)
- خلافات حول معايير اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور القادم في مصر - (6 مايو 2012)
- من يريد إقحام لبنان في المستنقع السوري؟ - (5 مايو 2012)
- تعيين خبير إنساني على رأس البنك الدولي - (4 مايو 2012)
- تباين المواقف الأمريكية من الخيار العسكري تجاه المفاعلات الإيرانية - (4 مايو 2012)
- حلف «ميركوزي» بين ألمانيا وفرنسا قد يذهب أدراج الرياح - (4 مايو 2012)
- فصل جديد من الحرب الإلكترونية بين إيران والغرب - (29 أبريل 2012)