الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧١ - الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الطير المسكين





كتب عبدالله بن المقفع في رائعته الجميلة المعروفة «كليلة ودمنة» قصة عصفورين كانا يحطان على غصن شجرة وهما يرنوان من عل إلى صياد اصطاد طيرا وبدأ يحزّ رقبته بسكين كان يحملها معه وأثناء عملية الذبح دمعت عيناه فرأى أحد العصفورين الدمعة فبادر صاحبه قائلا: أنظر إلى عيني هذا الصياد كيف تذرفان الدموع على الطير الذي ذبحه. فأجابه زميله: لا يا صديقي أنت على خطأ لأنك نظرت إلى عينيه ولم تنظر إلى يديه اللتين ارتكبتا الجريمة!

بعض المسئولين ورجال المال والاقتصاد والبنوك والشركات الاستثمارية صاروا يظهرون علينا خلال الفترة الأخيرة في صورة هذا الصياد نفسه حيث يذرفون دموعهم على تفاقم المشكلة الإسكانية ويطالبون بحلحلتها وتمكين أو تعظيم استفادة الفئات من ذوي الدخل المحدود وكذلك الطبقة المتوسطة (المتآكلة) لتتمكن من الحصول على السكن اللائق بها، من هنا أو هناك.

وقد يلحّون ويصرّحون في ذلك حتى يُخيّل للمرء أنهم صادقون أو أنهم جادون وأصحاب شفقة ورأفة بالضبط مثلما ظن العصفور وجود هذه الرحمة في الصياد عندما رأى دموعه، بينما الحقيقة أن يد الصياد كانت ممسكة بالسكين وهي التي كانت تقوم بحزّ رقبة الطير المسكين حتى تلطخت يده بدمائه في منظر لا يختلف عما يقوم به هؤلاء الصيادون الجدد في واقعنا, الذين صاروا كالغول يأكل في الأراضي وينتزع المساحات الشاسعة منها، في البر والبحر, ويحرم منها المواطنين الذين كانوا يعتقدون في يوم من الأيام أنها من مدخرات أجيالهم واحتياطيات مستقبلهم, ويبني فيها هؤلاء الصيادون كل تلك المدن والمنتجعات والجزر بينما يتعذر على طبقات ذوي الدخل المحدود أو الطبقة الوسطى الاستفادة منها ولا يمكنهم ذلك حتى في (أحلامهم). ثم يُتركون تمضي أعمارهم سنوات تطول ولا تقصر، وأبناؤهم يكبرون من دون أن يحصلوا على المأوى الذي يناسب طموحات أي إنسان نحو السكن والاستقرار. وباتوا يندبون حظهم وهم يرون جموعا من المتداولين والمضاربين فيما تتمناه لها أو لأبنائها وأسرها من عقارات وأراضي بينما هم مساكين تفيض بهم سنين وقوائم الانتظار.

ومع ذلك، بالرغم منه؛ لا يتردد هذا البعض (الصياد) في البكاء على أحوال الناس وأعباء حياتهم وحرصه على حصولهم على سكن مناسب لهم، ويمكن أن يذرف بشأن ذلك دموعاً غزيرة فيكون بالضبط مثل صاحبنا الصياد وقصته مع العصفورين في رائعة ابن المقفع.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة